مظاهر الميلاد في أسواق بعلبك خجولة كالحركة التجارية، فما كانت تشهده شوارع المدينة في السنوات الماضية من تزيين لبعض الشوارع والساحات تراجع بنسبة عالية، لا بل إنه في إحدى الساحات أقدمت مجموعة من الشبان على مبادرة لتأكيد العيش الموحد فزينتها بما تيسر، إلا أن خفافيش الليل نزعتها، فأصرت المجموعة على إعادتها كما كانت.
شهدت الأيام القليلة التي تسبق العيد في بعلبك تراجعاً ملحوظاً قياساً بالعام الماضي. ويعود ذلك الى عوامل عدة منها الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب، في ظل الأسعار المرتفعة، إضافةً إلى الوضع الأمني الذي تشهده بعلبك والمنطقة المحيطة، خصوصا بعد أحداث عرسال وجريمة بتدعي، اذ فقدت المدينة معظم زبائنها من عرسال ومنطقة غربي بعلبك.
إعلانات الحسم المرفوعة عند واجهات المؤسسات التجارية، والتي بلغت في بعضها 70 في المئة، لم تغر الناس. ومن يمر في بعض شوارع الوسط التجاري يكاد يظن انه يعيش ساعات منع تجول، فأصحاب المؤسسات التجارية يتسامرون بعضهم مع بعض لتضييع الوقت مستغلين شمس كانون الاول.
يتفاوت التراجع في حجم الحركة التجارية ما بين الـ20 و50 في المئة تبعاً لنوعية البضاعة. فحركة المواد الغذائية نسبة تراجعها محدود قياسا بالألبسة والزينة وسواها. فأحد المحال التجارية الذي يبيع الزينة كشف عن أنه كان يبيع في موسم الميلاد حوالي الـ50 شجرة، بينما العام الحالي لم تصل مبيعاته الى 7 شجرات، مبيناً أن السبب في ذلك القدرة الشرائية للناس الذين حوّلوا اهتماماتهم إلى أشياء اخرى أهمها المأكل والمدرسة.
عاصمة التسوق
يرى رئيس «نقابة أصحاب المحال والمؤسسات التجارية في البقاع» الحاج محمد كنعان ان «بعلبك هي عاصمة التسوق في البقاع الشمالي، لا سيما بعدما تمكن التاجر المحلي من اختصار الوسطاء بين المصنّع والمستهلك مما أعطاه فرصة تنويع التشكيلة والتخفيف من حجم الاحتكار، لكن الأوضاع الامنية التي تشهدها المناطق المحيطة وداخل المدينة تخفف نسبيا من استغلال الفرص التجارية الجديدة، فانحسر حجم المبيعات في مجمل السوق التجاري وإن تفاوت بين مؤسسة واخرى».
القلعة مهجورة…
يشير كنعان الى «التراجع الحاد في حجم الاستثمار السياحي، خصوصا بعد تدني نسبة زوار قلعة بعلبك من السياح الأجانب إلى ما دون الـ10 في المئة، ما انعكس سلباً على حركة حجوزات الفنادق». ويعطي كنعان «مثال أحد الفنادق الذي يحتوي على 100 سرير، اذ إن عدد زبائنه طيلة العام 2014 لم يصل الى 6000 شخص أي بمعدل 50 سريرا في الشهر ما يوازي 6 في المئة فقط من حجم الأسرة، ما اضطر إدارة الفندق الى تخفيض عدد العمال والموظفين من 43 الى 12 لتخفيف الخسارات».
«الحالة الأمنية، الوضع الزراعي المحاصر، وغياب السائح العربي والاجنبي هي أسباب الركود الاقتصادي في بعلبك» هذا ما يؤكده رئيس «جمعية تجار بعلبك» نصري عثمان. ويلفت الانتباه إلى ان «بعلبك مدينة معتمدة تجارياً وما يتوفر فيها صعب توفره في مدن لبنانية اخرى لكن العوامل المعيقة تمنع تطور الحركة التجارية التي بلغ تراجعها بدءا من العام 2010 حوالي 75 في المئة أي بمعدل 15 في المئة سنوياً».
ويرى عثمان أن «الوضع يزداد صعوبة ويخفت بصيص الأمل والنور، فالعديد من أصحاب المحال التجارية عمد إما الى الخوض في تجربة جديدة، فغير وجهة استعمال مؤسسته، أو أعطى مؤسسته لمستثمر جديد لعله يجرب حظه». ويشير الى «الكثير من التجار البعلبكيين اعتمدوا هذه المحاولة، والتجربة لم تكن محط نجاح». ويفيد عثمان أن «عدد المحال التجارية داخل وسط السوق تبلغ 1937 محلا، حسب إحصائية احدى الشركات المعتمدة، فيما المحال التي تعمل فعلياً لا تتعدى نسبتها الـ40 في المئة من المجموع، علماً ان قسما منها يعمل مؤقتا». ويؤكد ان «إجراءات أمنية جدية تريح المواطن والزائر وتحدث حركة في بعلبك كما بينتها التجارب السابقة عند البدء بالخطة الأمنية السابقة». «الأمن اولاً والأمن اولاً» هذا الشعار رفعه الحاج علي يونس (تاجر ألبسة)، سائلا «كيف لمدينة ان تنتعش اقتصاديا ومدخلها الشمالي مغلق، إما لكثرة الإشكالات الأمنية عليه وإما لكثرة الحواجز الأمنية المنصوبة فيه؟ فالمدخل الشمالي هو الخط الذي يربط المدينة بالبقاع الشمالي، وقد تأثرت الحركة كثيرا عليه، فحوادث عرسال ودير الأحمر أفقدت المدينة معظم روادها، ما انعكس سلباً على حركة السوق لتتراجع بالحد الأدنى 25 في المئة». «لو لم يكن لدي مصادر دخل اخرى لكنت أقفلت مؤسستي منذ أكثر من سنة»، فالمردود من محل الألبسة لا يكفي حسين شرف الدين، الذي يصر على الاستمرار، أملا ان يتغير الحال نحو الافضل، فتراجع المبيعات عنده وفق التسجيل اليومي بلغ 30 في المئة، معيدا الأسباب الى الوضع الامني وارتفاع أسعار البضاعة عن العام الماضي الى ما بين الـ20 و25 في المئة وتراجع مداخيل الناس.