IMLebanon

المدعي العام السويسري يهدد بتوريط أكبر مصارف إسبانيا

SpainEconomy
كارولين بنهام وباتريك جنكينز

أشباح فضيحة مادوف التي تبلغ من العمر ستة أعوام تعود لمطاردة بانكو سانتاندر الإسباني، أحد أكبر المصارف في العالم.

في التحقيق الذي يمتد في جميع أنحاء العالم من مبنى “لبستيك” في مانهاتن – حيث أدار برنارد مادوف أكبر “مخطط بونزي” في التاريخ – تتجه العيون الآن إلى أحد ممثلي النائب العام في سويسرا.

كان من المقرر للتحقيق المستمر منذ خمس سنوات بقيادة مارك تابوليه، من مكتب النائب العام الاتحادي في جنيف، أن يختتم نهاية الأسبوع الماضي. وقد تم بالفعل اكتشاف قضايا ربما كان سانتاندر – الذي تتولى إدارته آنا بوتن منذ وفاة والدها، إميليو، في أيلول (سبتمبر) الماضي – يأمل أن تكون منسية.

الأمر الأهم بينها سيكون ما عرفته وحدة سانتاندر، أو اشتبهت به حول مخطط هرمي يبلغ تقريبا 65 مليار دولار لمادوف، وما إذا استفاد المصرف من هذه القضية على حساب عملائه.

الشخصية الأساسية في التحقيق هي مانويل إيشيفيريا، الذي لعب دورا مزدوجا قويا يربط من خلاله كلا من سانتاندر وعائلة بوتن بمادوف. وكانت وظيفته الرئيسة هي رئيس شركة أوبتمال لخدمات الاستثمارOptimal Investment Services، وهي صندوق وحدة إدارة صناديق التحوط لسانتاندر سابقا، الذي كان يتخذ من جنيف مقرا له، والذي وجه أموال العملاء إلى صندوق مادوف.

لكن إيشيفيريا (54 عاما) كان أيضا مساعدا موثوقا به من أفراد عائلة بوتن. وبمساعدته استثمرت شركة مصرفية مختصة في إدارة الأموال، تديرها بوتن بالاشتراك مع زوجها جييرمو مورينيس وشقيقها خافيير، أيضا أموالا مع مادوف. وإيشيفيريا هو واحد من كبار مديري الثروات في العالم، المعروف بأنه يواجه اتهامات جنائية بسبب فضيحة مادوف.

ومن بين الشهود الذين تحدث إليهم تابوليه في عملية جمع الأدلة حول إيشيفيريا كان إيميليو بوتن نفسه، وفقا لوثائق اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”. ولم يتم استجواب آنا بوتن، لكن أدلة وثائقية في القضية تظهر أنها تلقت في شباط (فبراير) 2008 رسالة عبر البريد الإلكتروني من إيشيفيريا يشكرها فيها على دعمها خلال مناقشة إدارية حول مادوف.

واعترف المصرف بأن شركة أوبتمال خسرت 2.3 مليار يورو من أموال العملاء، على الرغم من أن بوتن تصر قائلة: “كنا أول مصرف في كانون الثاني (يناير) 2009، يقول إننا سندفع التعويض الذي يبلغ 500 مليون يورو، على الرغم من أننا غير ملزمين بذلك”. وقبل أكثر من 90 في المائة من المستثمرين هذا العرض.

في وقت لاحق من ذلك العام، وقعت شركة أوبتمال تسوية مع السلطات الأمريكية تبلغ قيمتها 235 مليون دولار، عبر وصي موكل بتصفية شركة مادوف، على أساس أن شركة أوبتمال ليس لديها علم بـ “مخطط بونزي”.

لكن لا يزال من الممكن أن تنهار تلك الجهود المبكرة لاتخاذ نهج استباقي للفضيحة. وإذا تكشفت أي معلومات جديدة من خلال استفسارات تابوليه – التي وجدت أدلة كافية لتوجيه الاتهام لإيشيفيريا لثرائه غير المشروع وسوء الإدارة الجنائي – يمكن أن تكون التسوية الأمريكية في خطر. ولا ينطبق قانون التقادم على هذه القضية.

وتشكل التسوية التي تبلغ قيمتها 235 مليون دولار 85 في المائة مما طالب به الوصي بانكو سانتاندر في ذلك الوقت. وفي حالة تمزيق التسوية الأصلية – وهو أمر لم يفعله الوصي على أملاك مادوف منذ ست سنوات – يمكن أن تشمل التداعيات مبلغا إضافيا مقداره 40 مليون دولار، أو عقوبات أخرى.

وفي الوقت نفسه، يشتكي بعض المستثمرين من أنه بعد انهيار “مخطط بونزي”، استفاد سانتاندر أيضا من الانتعاش الذي حصل له في نهاية المطاف من مخطط مادوف أكثر مما دفعه للمستثمرين في التعويض.

قبل ست سنوات بدأ العالم في فهم ضخامة مخطط بونزي الذي كان مادوف، الرئيس السابق لبورصة ناسداك، العقل المدبر له. وكانت شركته قد وعدت بعائدات أغرت صناديق التحوط، والجمعيات الخيرية، والأثرياء باستراتيجية تداول بالغة السرية. وفي الواقع، أنشأ نظاما هرميا يتم فيه استخدام أموال المستثمرين الجدد لتسديد المبالغ المستحقة للمستثمرين القدامى.

والآن يقضي مادوف (76 عاما) حكما بالسجن لمدة 150 عاما. وفي عام 2010 انتحر أحد أبنائه، مارك، بينما توفي الآخر، أندرو، بمرض السرطان في وقت سابق هذا العام. وكلاهما كان متداولا في شركة والدهما.

ولم يكن بانكو سانتاندر المؤسسة المالية الوحيدة التي علِقت في هذه الفضيحة ـ جيه بي مورجان تشيس، أحد المصارف الرئيسة التي كان يتعامل معها مادوف، دفع في كانون الثاني (يناير) الماضي 2.6 مليار دولار إلى السلطات الأمريكية لتجنب أي ملاحقة قضائية.

وركز تحقيق تابوليه على الروابط بين الفضيحة والأفراد والكيانات التي توجد مقارها في سويسرا. وتوقع أشخاص مطلعون على التحقيق خلال حديث لـ “فاينانشيال تايمز” أن يضع في غضون أيام اللمسات الأخيرة على لائحة اتهام ضد إيشيفيريا. وكان يوم الجمعة الماضي هو الموعد النهائي للتعليقات النهائية على مسودة لائحة الاتهام التي نشرت قبل ثلاثة أشهر. ويمكن للأطراف المعنية، بما في ذلك إيشيفيريا، أن تطلب من المدعي العام اتخاذ خطوات معينة في تحقيقاته.

ولسنوات، ولدت شركة أوبتمال رسوما مربحة من أعمال تمنح العملاء حق الوصول إلى صندوق مادوف الذي يبدو أنه الأعلى أداء. وبدأ إيشيفيريا أول صندوق استثمر في شركة مادوف في عام 1997، بعد أن بدأ بالالتقاء بمادوف بانتظام قبل ذلك التاريخ بعام، بحسب مسودة لائحة اتهام اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”.

وكان إيشيفيريا قد اتُهم في عام 2009 من قبل تابوليه بعدد من الاتهامات حول سوء الإدارة الجنائي لأموال العملاء، وذلك وفقا لنسخة من لائحة الاتهام شوهدت في ذلك الوقت. وبموجب القانون الجنائي السويسري، يتم اتهام أحد المشتبه بهم أولا، ثم يتم تقديم لائحة اتهام تستغرق وقتا أطول قبل محاكمة محتملة.

ومسودة لائحة الاتهام المقدمة في أيلول (سبتمبر) تتهم إيشيفيريا بـ “سوء الإدارة الجنائي” و “الإثراء غير المشروع”. ويدعي النائب العام في الوثيقة أن إيشيفيريا خرق واجباته الائتمانية، من خلال الزعم للمستثمرين في شركة أوبتمال أن الشركة أجرت بحوثا مفصلة حول الأطراف الأخرى في الصفقات، التي كانت جميعها تصنيفات ائتمانية مناسبة. لكن لم يكن قد تم في الواقع القيام بالإجراءات الواجبة حول الأطراف الأخرى التي تبين أنها أطراف لا وجود لها.

سافيريو ليمبو، محامي إيشيفيريا الذي يتخذ من سويسرا مقرا له، أكد أنه سيطلب من المدعي إثارة المزيد من أعمال التحقيق. ويقول: “موكلي مصّر بقوة على إظهار براءته في المحكمة. نحن واثقون من أن القضاة الذين سيسمعون هذه القضية سيتوصلون إلى استنتاج مفاده أن مانويل إيشيفيريا لم يكن سوى ضحية لمادوف – مثلما قضى قضاة آخرين في بلدان أخرى في محاكمة مديري الأصول الأخرى، وأنه لم يخطر على باله قط وجود مثل هذا الاحتيال المتطور”.

ورفض مكتب تابوليه التعليق على الأمر.

ومن بين رقعة شاسعة من الأدلة التي نظر فيها تابوليه، توجد بالفعل مراسلات في المجال العام تتعلق بدعاوى قضائية أمريكية، ومواد تم الحصول عليها مباشرة.

وكان على تابوليه أن يستنتج أن بوتن، فضلا عن ثلاثة شهود آخرين مقرهم في إسبانيا والذين قدموا أدلة بمساعدة السلطات الإسبانية، لم يقدموا أي معلومات مهمة لتحقيقاته لأنهم، بحسب مسودة لائحة الاتهام، لم يتذكروا سوى أشياء قليلة.

لكن الأدلة التي تم الحصول عليها من وثائق سانتاندر الداخلية، وردت في رسائل بريد إلكتروني معينة وفاكسات مرتبطة بإيشيفيريا وكثير من الموظفين السابقين، من بينهم هيو بورنبي – إتكينز، وهو مدير محفظة أول سابق في مكتب أوبتمال في نيويورك، كان مسؤولا عن تحليلات وأبحاث الصناديق ـ وكان يعمل بشكل وثيق مع إيشيفيريا في الشركة.

وفي وقت مبكر من عام 2004، كتب برنابي – إتكينز رسالة بالبريد الإلكتروني شككت في استراتيجية مادوف، وأثارت مخاوف خطيرة. ووفقا لنسخة من البريد الإلكتروني اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، تساءل برنابي ، إتكينز: “لماذا لا يوجد موظفون سابقون لمادوف في السوق؟”. وأضاف: “كيف يمكنه التحرك بمبلغ 20 مليار دولار من الأسهم داخل السوق وخارجها دون أن يؤثر في الأسعار؟ هل تحدث أي شخص إلى أي من الأطراف المقابلة (…) لتأكيد سعر البيع أو الشراء”.

ويختم قائلا: “لنفترض أن هذا كان أكبر مخطط بونزي في التاريخ – قد يكون الأمر غير مستساغ، لكننا لسنا أول من يلمِّح إلى ذلك”. ولم يتم اتهام برنابي – إتكينز بأي مخالفة ورفض التعليق على الأمر.

ووفقا للوثائق، يبدو أن إيشيفيريا تعرض لضغوط من إدارة سانتاندر والمحامين، وكذلك من الأجهزة المنظمة، لإعادة فحص مدى قوة صندوق مادوف ومتانته.

لكن بحلول أيلول (سبتمبر) 2007، لم يحرز إيشيفيريا أي تقدم في التوصل إلى أية معلومات حول الأطراف المقابلة التي يتداول معها مادوف ـ المعلومات التي يمكن أن تؤكد على سلامة الصندوق بطريقة أو بأخرى. وفي فاكس أرسل إلى مادوف، مرر مدير شركة أوبتمال طلبا من محامي الشركة للاطلاع على تفاصيل الأطراف المقابلة للصندوق – على ما يبدو في محاولة لتلبية مطالب تنظيمية ومعالجة تصاعد المخاوف بشأن صحة أنشطة مادوف.

ومع ذلك، يختتم إيشيفيريا الملاحظة بفتور: “اسمحوا لي أن أعرف ما يمكن أن تكونوا قادرين على تقديمه لنا (…) أنا أحترم استعدادكم للمساعدة، لكن في الوقت نفسه أحترم قراركم لتقديم أجوبة على أجزاء فقط من الطلب، أو لا شيء على الإطلاق، إذا كان هذا هو الحال”.

تعليق بخط اليد كتب على الفاكس – ربما بخط مادوف نفسه – يقرأ حسب الأصول: “نحن لم نوافق على ذلك ووافق مانويل على ذلك”.

في هذه الأثناء، يستمر العمل المضني لإعادة الأموال إلى الآلاف من ضحايا مادوف.

إيرفينج بيكار، الوصي الذي يتخذ من نيويورك مقرا له، استرد حتى الآن 10.3 مليار دولار من أصل 17.5 مليار دولار فقدت خلال عملية احتيال مادوف.

واستندت تسوية بيكار البالغ قيمتها 235 مليون دولار مع شركة أوبتمال في عام 2009 على استنتاجات مفادها أن الشركة لم تكن متواطئة في احتيال مادوف ولم تكن على علم به. ومع ذلك، وثائق التسوية تنص على أنه إذا تبين ظهور معلومات جديدة “تؤثر ماديا” في هذه الاستنتاجات، يمكن إلغاء التسوية. أقام بيكار لدى المحكمة قضية منفصلة في 2010 ضد شركة مورينيس وبوتن للاستشارات الرأسمالية، التي استثمرت، بمساعدة إيشيفيريا، أموال العملاء في صندوق مادوف. وكان يقف وراء شركة مورينيس وبوتن اثنان من كبار أفراد العائلة: جييرمو مورينيس، زوج بوتن، وجافيير بوتن، شقيقها وعضو مجلس إدارة سانتاندر. ولا تزال القضية التي ادعى فيها بيكار وجود سلوك غير سليم من الصندوق، قائمة ويجري الطعن فيها.

ورغم هذه الأمور، واتصالات سانتاندر بمادوف، لم تظهر سوى روابط قليلة بين بوتن نفسها ومادوف أو صندوقه. لكن في شباط (فبراير) 2008، يبدو أن إيشيفيريا أرسل إليها رسالة بالبريد الإلكتروني. هذه الوثيقة، الموجهة إلى رئيسة بانيستو، وهو منصب بوتن في ذلك الحين، كانت موقعة بعبارة “عناق قوي”. وهو يشكرها على “تدخلها ومساندتها في العرض أمام اللجنة التنفيذية يوم الإثنين”، حيث أثار الزملاء أسئلة حول الوضع التنظيمي لمادوف في الولايات المتحدة. وقد امتنعت بوتن عن التعليق على الرسالة الإلكترونية.

في هذه القضية المعقدة التي طال عليها الأمد، أي دليل جديد يتم العثور عليه في تحقيق تابوليه سيثير أسئلة جديدة حول قضية مادوف، وربما يعمل كذلك على إثارة الخوف لدى أكبر مصرف في إسبانيا.

*”مخطط بونزي” هو عملية استثمارية زائفة يدفع فيها مدير الاستثمار، فردا كان أو شركة، عائدات للمستثمرين من رأسمال جديد يدفعه مستثمرون جدد، بدلا من أن يكون العائد نتاج أرباح جناها مدير الاستثمار.