كتب بيار عطاالله في صحيفة “النهار”:
توقفت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين خلال آب الفائت عن أصدار تقريرها الأسبوعي عن اعداد اللاجئين السوريين في لبنان، ربما لاستشعارها أن الاستمرار في نشر الاعداد والمعلومات سيؤدي الى نتائج سلبية على هذا المد البشري المتدفق عبر الحدود الطويلة المشتركة بين البلدين.
عند بدايات الانتقال السوري الكبير، رفض “التيار الوطني الحر” أقامة مخيمات للاجئين أسوة بـتركيا والاردن والعراق (قبل انهيار الحدود تحت زحف “داعش”). وبرر “التيار” ووزراؤه ونوابه موقفهم بضرورة تفادي نموذج اللاجئين الفلسطينيين وتحول المخيمات “غيتوات” منفصلة عن الدولة اللبنانية وخارج أي سلطة وقانون. موقف “التيار الوطني” هذا كان يصح لو أن الأزمة السورية قصيرة الأمد. لكن الرفض ارتد سلباً على لبنان وشعبه ومجتمعه، بعدما طالت الحرب وتأخر الحسم مع استعار الحرب الاهلية ونشوء خطوط تماس بين المناطق وتدفق آلاف العائلات تدريجاً وبأعداد غير مسبوقة الى الحدود اللبنانية – السورية الاكثر فلتانا. وهكذا ما ان استفاقت الحكومة اللبنانية على النتائج الكارثية المترتبة على اللجوء السوري حتى بادرت الى اصدار سلسلة قرارات للحد من دخول اللاجئين، لكن يبدو أنها قصرت عن الهدف هذا حيال حركة هذه الكتلة البشرية الهائلة الحجم في بلاد مثل لبنان، يسود الفساد في أجهزتها واداراتها العامة وحيث يمكن التلاعب بالارقام والوقائع وتسخيرها لخدمة أي هدف أو غاية طائفية أو مذهبية، مع الاعتبار للهوية المذهبية لغالبية اللاجئين السوريين والاستخدام المفرط لهذا العامل في النزاعات المحلية اللبنانية.
ناقوس الخطر
تأخر قرار الحكومة بمنع دخول اللاجئين وتقييد حركة الخارجين والداخلين عبر المعابر البرية، لجملة اعتبارات محلية لبنانية معروفة، منها دور الهوية المذهبية لغالبية النازحين. وأتى التهديد الأمني بعد “غزوة عرسال” والدور الذي قامت به “الخلايا النائمة” انطلاقاً من بعض مخيمات اللجوء في الغدر بوحدات الجيش وقوى الامن ومساندة الارهابيين، ليشكل عاملاً عجّل في اتخاذ تدابير الحد من حركة اللاجئين. فجردت الاجهزة سلسلة أعمال دهم لأماكن تجمع اللاجئين السوريين و “مخيماتهم” ليتضح فعلاً أن ثمة خطراً كامناً في هذه التجمعات لا يمكن اشاحة النظر عنه. ويشار هنا الى أن آخر تقرير لمفوضية اللاجئين “دق ناقوس الخطر” عبر اعلان أسم اللاجئ السوري المليون، علماً أن العدد أكبر من ذلك بكثير، إذ تقدر اعداد السوريين في لبنان بمليونين ونصف المليون، اي ما يوازي أعداد اللبنانيين المقيمين في لبنان. واذا أضيفت اليهم أعداد اللاجئين الفلسطينيين والعمال الاجانب فإن اللبنانيين يصبحون ضيوفاً في بلدهم. وكان الزميل ميشال حلاق كتب عن عدد الاولاد السوريين في المدارس اللبنانية وهو 470 الف تلميذ مقارنة بـ 275 ألف تلميذ لبناني، الامر الذي يدفع الى ادراك حجم المشكلة التي يتجه اليها لبنان أمام نسبة الولادات المرتفعة جداً وغير المسبوقة ربما في العالم، والتي تهدد بتغيير وجه لبنان. ويروي أحد الاطباء في مستشفيات عكار أن معدل ولادة الاطفال السوريين كانت تراوح من 20 الى 30 طفلاً يومياً قبل مدة، في مقابل طفل او طفلين للعائلات اللبنانية التي تفكر مرتين قبل الاقدام على انجاب الاطفال سواء أكانت مسيحية أم اسلامية.
وفي تقرير صادر عن مفوضية اللاجئين “أن أكثر من 50 في المئة من الاولاد السوريين الذين تراوح اعمارهم بين 5 – 17 عاماً غير ملتحقين بأي من أشكال التعليم وأن المراهقين منهم هم الأكثر تضرراً(…)”. واستناداً الى خطة تأمين الحق في التعليم لجميع الاولاد في لبنان التي أعدتها وزارة التربية الوطنية فإن اجمالي عدد الاولاد السوريين الذي سيتلقون شكلاً من اشكال التعليم سيصل الى 400 ألف تلميذ بحلول العام 2016.
توازي نكبة فلسطين
خلال مؤتمر وزراء الشؤون العرب الاخير في شرم الشيخ، بادر الوزير رشيد درباس نظراءه العرب بالقول “إن أزمة اللاجئين السوريين توازي نكبة فلسطين (…)”. وسرعان ما بادرت وزيرة الشؤون الاجتماعية الاردنية ريما أبو حسان الى تأييد كلامه ادراكاً منها للنتائج الكارثية المترتبة على اللجوء السوري سواء على بلادها، أو على لبنان الذي يضيق بسكانه فكيف بمئات الآلاف من اللاجئين الاضافيين. ويشرح الوزير درباس أن موضوع اللاجئين السوريين استراتيجي وخطير ولا أحد يستطيع تحمل وزره، وكان على اللبنانيين التنبه الى النتائج الخطيرة التي ستترتب على اللجوء السوري، لإتخاذ التدابير المناسبة ومنع الامور من الوصول الى ما وصلت اليه. ويشير الى تجربة مخيمي الزعتري والازرق في الاردن اللذين يستوعب كل منهما 130 الف لاجئ سوري تفرض عليهم اجراءات صارمة، ويشكلون 30 في المئة من عدد السوريين في الاردن. ويؤكد استطراداً أن اللجنة التي شكلتها الحكومة في هذا الشأن تمكنت من وقف النزوح الى لبنان بعد تنفيذ سلسلة من التدابير لضبط الدخول والخروج عبر الحدود بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. ويشير الى انخفاض اعداد المسجلين من 1,200,000 الى 1,100,000 ويجزم استناداً الى المعطيات المتوفرة لديه أن غير المسجلين من السوريين، لا تأثير لهم بمعنى اللجوء لأنهم من المقتدرين الذين يملكون منازل واوضاعهم مريحة والى جانبهم أقلية دخلت بصورة غير شرعية. ويشدد على أن العبور من سوريا الى لبنان أصبح صعباً نتيجة للمراقبة الامنية والتطورات الميدانية. وفي رأي درباس أيضاً أن اللاجئين السوريين سيعودون الى بلادهم جميعاً فور انتهاء الازمة.
وقد توصلت غالبية القوى السياسية الى اقتناع بالحاجة الى اقامة مخيمات للاجئين السوريين، لكن الخلاف وقع على موقع هذه المناطق”الآمنة” ثم قيل إنها “مناطق فاصلة” بين البلدين، من دون أن تتضح كل مواصفات هذه المخيمات التي يتصاعد الكلام عليها كلما وقع حادث أمني ارهابي أو تم اكتشاف مجموعة مسلحة تعمل فيها أو انطلاقاً منها. والمعروف أيضاً أن تجمعات اللاجئين السوريين أصبحت في غالبيتها تتواءم في بنيتها وتشكلها الاجتماعي مع محيطها المذهبي والطائفي اللبناني. فالسوريون اللاجئون الى الجنوب هم في غالبيتهم غير السوريين اللاجئين الى عكار والبقاع بمناطقه المختلفة ومكوناته الاجتماعية المتعددة، والسوريون المسيحيون من سريان وأشوريين مثلاً اتخذوا من زحلة ومنطقتها ملاذاً لهم وكذلك فعل السوريون السنة ومثلهم العلويون والشيعة.
والواضح ان لقمة العيش التي تقاسمتها البلدات والقرى اللبنانية الحدودية في عكار والبقاع مع اللاجئين السوريين، اصبحت صعبة المنال مع انخفاض فرص العمل وحال الجمود الاقتصادي الحاصل والاقتصاد الهش أصلاً في المجتمعات الريفية التي تنخرط قواها العاملة في المؤسسات العسكرية والامنية للدولة اللبنانية لتأمين فرص العمل وإعالة افرادها. والسؤال الكبير كيف سيتعامل لبنان بحكومته وشعبه مع تحدي هذه الكتلة البشرية الهائلة والمتناسلة في شكل غير طبيعي، والتي تعجز الدول الكبرى عن النهوض بأعباء رعايتها وادارة احوالها في حال استمرت الحرب؟ ومن يضمن عودة هذه الكتلة الديموغرافية الى بلادها وعدم تكرار مأساة اللاجئين الفلسطينيين اذا ما وقع التقسيم عملياً في سوريا بين شرق وغرب وجنوب؟