قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن «المرحلة الحالية لا تسمح بأي استقطاب أو انقسام، وإن أولويتنا الحالية في مصر هي تثبيت أركان الدولة»، مؤكدا خلال لقائه بأعضاء الحزب الشيوعي الصيني أمس على هامش زيارته للعاصمة بكين، استكمال خارطة الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها. وبينما اتفقت القاهرة وبكين على التعاون في مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، دعا السيسي إلى عودة السياحة من جديد إلى بلاده خلال لقائه ممثلي كبرى شركات السياحة الصينية.
في غضون ذلك، أعلن الرئيس السيسي ونظيره الصيني تشي جين بينغ في بيان مشترك اتفاقهما على إقامة «علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة» بين البلدين في عدد من المجالات، ففي المجال السياسي شملت الشراكة تمسك البلدين بثوابت العلاقات الاستراتيجية والعمل على تحقيق المصالح المشتركة وتكثيف الزيارات. وفي المجالات الاقتصادية والتجارية، اتفق الجانبان على تحقيق المنفعة المتبادلة وتفعيل دور اللجنة الاقتصادية والتجارية الثنائية بين البلدين. أما في المجالات العسكرية والأمنية فقد اتفق البلدان على تبادل الزيارات بين القوات المسلحة في البلدين، وتحقيق التواصل بين مختلف الكليات والمعاهد العسكرية، وتفعيل دور اللجنة المصرية الصينية للتعاون في الشؤون الدفاعية، كما اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود والجرائم الإلكترونية.. وأدان البلدان الإرهاب ورفضا ربطه بدين معين أو عرق محدد، كما رفضا المعايير المزدوجة في مكافحة الإرهاب. وفي المجالات الثقافية والإنسانية، اتفق الجانبان على تبادل زيارات الوفود الثقافية واعتبار عام 2016 عاما للثقافة المصرية في الصين وللثقافة الصينية في مصر، بينما ثمن الجانب الصيني دور مصر الهام والمحوري في تسوية قضايا الشرق الأوسط ولا سيما القضية الفلسطينية.
في ذات السياق، التقى الرئيس السيسي أمس عددا من ممثلي كبرى شركات السياحة الصينية، وقال السفير علاء يوسف المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية إن «الرئيس استهل اللقاء بالترحيب برؤساء شركات السياحة الصينية الذين وفد بعضهم إلى بكين من مقاطعات صينية بعيدة لحرصهم على حضور هذا اللقاء»، مشيدا بعلاقات الصداقة الوثيقة والودية التي تجمع بين البلدين.
وتابع السفير يوسف أن «الرئيس شدد على الاحترام والتقدير الذي توليه مصر وشعبها لدولة الصين ولشعبها الصديق، وأن الرئيس أكد على المناخ المستقر الذي تتمتع به مصر على الصعيدين السياسي والأمني، والذي يوفر بيئة مناسبة للسائحين الصينيين»، منوها بأن المقاصد السياحية المصرية آمنة تماما. وأعرب الرئيس عن تطلع مصر لعودة السياحة الصينية الوافدة لمصر إلى سابق عهدها، بل وأن تزداد خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في ضوء اشتغال ما يناهز 4 ملايين مواطن مصري في مجال السياحة.
من جانبه، قال ولين جينزاو وزير السياحة الصيني إن بلاده «تتطلع لتعزيز التعاون السياحي مع مصر في مجال السياحة»، مشيدا بالبيئة الآمنة والأوضاع المستقرة في مصر التي تتيح فرصا واعدة للسياحة والاستثمار، معربا عن استعداد بلاده التام لتقديم التسهيلات اللازمة لمصر ومعاونتها في عملية الترويج للمقاصد السياحية المصرية في الصين.
وأجرى الرئيس السيسي مباحثات مع رئيس مجلس الدولة الصيني (رئيس الوزراء) لي كا تشيانغ في قاعة الشعب الكبرى ببكين بحضور الوفد المصري المرافق للرئيس، وأعرب السيسي عن تطلعه لوضع العلاقات المصرية الصينية في المكانة التي تستحقها، خصوصا بعد التوقيع على وثيقة رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة. كما التقى الرئيس السيسي، رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني (رئيس البرلمان) تشانغ ده جيانغ. وأكد الرئيس السيسي أن «المباحثات التي أجراها مع المسؤولين الصينيين في بكين عكست مدى عمق العلاقات بين البلدين»، لافتا إلى أن العلاقات المصرية مع الصين اتسمت دائما بالتوازن والاستقرار على مدى تاريخها، ولذلك فإن هذه العلاقات التاريخية تعطينا أملا متزايدا في مزيد من النهوض بعلاقات البلدين.
من جهته، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أنه يعطي الأولوية حاليا لتثبيت أركان الدولة المصرية واستقرارها، وأنه حريص على تجنب انقسام المصريين وتجنب الاستقطاب بين أفراد الشعب في المرحلة الحالية. جاء ذلك خلال لقاء الرئيس السيسي مع وزير العلاقات الخارجية وكوادر الحزب الشيوعي الصيني بمقر الحزب ببكين، وقال المتحدث باسم الرئاسة إن رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني يوي هونج جيان، طالب بتعاون حزبي مع أحزاب في مصر، وتمنى أن يكون هذا التعاون مع حزب برئاسة الرئيس السيسي، خصوصا بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع مصر، مضيفا: «إن الرئيس السيسي رد على هذا الطلب قائلا: (نحن نسعى لتثبيت دعائم الدولة المصرية، ونحن نحرص على الاستقرار وعدم الانقسام والاستقطاب في المرحلة الحالية)».
وزار السيسي أمس مقر الحزب الشيوعي الصيني والتقى هناك بقيادات الحزب الذين أقاموا مأدبة غداء على شرفه والوفد المرافق له. وأكد الرئيس السيسي ضرورة أن يشعر من يزور الصين بالود من المواطنين المحليين، مشيرا إلى أن العلاقة بين مصر والصين تؤكد هذا المعنى، لأنها علاقة مستقرة وودية بين الشعوب. وقال الرئيس خلال لقائه مع رئيس مصلحة السياحة الوطنية الصينية، إن «مكانة المواطن الصيني في مصر كبيرة، ومن زار البلاد لمس هذا الود والقبول»، مضيفا أن حالة الاستقرار في مصر حاليا أفضل كثيرا من السنوات الأربع الماضية، خصوصا في المناطق السياحية في أسوان والأقصر والغردقة وشرم الشيخ وغيرها.
وأشار الرئيس السيسي إلى أن حجم السياحة الصينية إلى العالم ضخم، حيث يصل إلى 120 مليون زائر، لافتا إلى أنه حال جذب 1 في المائة فقط منه إلى مصر فهو رقم كبير، متمنيا بحكم العلاقة والتاريخ أن يكون هناك مجموعات أكبر من السائحين الصينيين الزائرين إلى مصر، معلنا أن مصر بصدد إنشاء مدن للسياحة والتجارة والتسوق خلال سنوات قليلة لجذب المزيد من السائحين، إلى جانب السياحة الترفيهية والسياحة الثقافية.
وشهد الرئيس السيسي أمس مراسم التوقيع على 26 مذكرة تفاهم بين الحكومة المصرية والشركات الصينية لتنفيذ عدد من المشروعات في مجالات من بينها تطوير قطاع الكهرباء والطاقة الجديدة والمتجددة وإنتاج الكهرباء باستخدام الفحم، وتوليد الطاقة الكهرومائية على نهر النيل.
وتشمل المشروعات أيضا إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، وإعادة تأهيل وصيانة وتجديد السكك الحديدية، وإنشاء قطار فائق السرعة بين محافظتي الإسكندرية وأسوان، وإنشاء خط القطار المكهرب (السلام – بلبيس – العاصمة الحكومية الجديدة)، وصيانة وتمهيد الطرق باستخدام التقنيات الحديثة، وتسيير رحلات للطيران العارض (شارتر) بين المدن المصرية والصينية.
وبحسب السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة المصرية، فإنه عقب الانتهاء من مراسم توقيع الاتفاقيات، قال الرئيس السيسي إن توقيع الكثير من مذكرات التفاهم مع الجانب الصيني يعد بمثابة أول خطوة على صعيد التعاون الاستراتيجي الشامل بين مصر والصين.
كما وجه الرئيس السيسي رسالة إلى المستثمرين الصينيين، مؤكدا على التزام مصر بتحسين المناخ الاستثماري واتخاذ كل الخطوات للحد من الإجراءات البيروقراطية، ومشددا على أنه لم يعد بمصر أي مجال للمحاباة أو الفساد.
وكان السيسي التقى في وقت سابق سان يافانج رئيسة شركة «هواوي» للاتصالات، التي تعد ثاني أكبر شركة اتصالات على المستوى العالمي من الناحية التقنية، والأولى من حيث حجم الإيرادات. وكانت الشركة قد افتتحت مكتبها في مصر عام 1999 وبلغ حجم استثماراتها 280 مليون دولار، كما أوضحت رئيسة الشركة أنهم يعتزمون توسيع حجم نشاطهم في مصر خلال المرحلة المقبلة، فضلا عن إنشاء مركز إقليمي للبحوث والتطوير، علما بأن مكتبها في القاهرة يقوم بتغطية نشاطها في 24 دولة من دول المنطقة العربية وشمال وشرق أفريقيا.
وأعرب الرئيس السيسي عن تقديره لنشاط الشركة في مصر، وحرصها على زيادة استثماراتها في مصر، وقد جرى خلال اللقاء بحث عدد من المشروعات المشتركة.