IMLebanon

روسيا …عدم إستقرار سياسي أم إنهيار إقتصادي؟

RussiaStockMoneyIndicators
غريتا صعب

المخاوف من الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي في روسيا شغلت الأوساط الدولية ولا سيما بعد أن حاولت روسيا إنقاذ اقتصادها برفع أسعار الفوائد في محاولة منها لمنع الروبل من الانخفاض مقابل الدولار وللمرة السادسة على التوالي هذا العام.
ربما المرة الاخيرة التي لجأت فيها روسيا الى رفع أسعار فوائدها الى هذا الحد كانت في العام ١٩٩٨ بعد حدوث الأزمة المالية عندما تراجعت الإنتاجية وأسعار صرف العملات.

وهي لم تتمكن من استعادة عافيتها إلّا بعد أن انتعش الطلب على النفط. والحوادث التي أدّت الى انهيار الاتحاد السوفياتي تعيد نفسها الآن بعد ٢٥ عاماً مع بوتين ولا سيما أنّ حوادث أوكرانيا وتراجع أسعار النفط الى مستويات متدنّية جداً ساهم والى حدّ بعيد في انخفاض إيرادات الحكومات ودفع بالعملة نحو مستويات متدنية جداً، لذلك يمكن القول إنّ التاريخ يعيد نفسه. أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو كيف يمكن للمركزي الروسي معالجة هذا الوضع الحرج وكذلك كيف يستمرّ الشعب الروسي مع هكذا أزمة؟

بدأ المركزي الروسي الأسبوع الفائت في عملية يائسة لوقف تدهور أسعار الروبل من خلال رفع أسعار الفوائد من ١٠،٥٪ الى ١٧٪، وبالمطلق رفع أسعار الفوائد يجعل من العملة اكثر جاذبية ويحاول طبيعياً وقف بيعها، لكن على ما يبدو انّ ذلك لم ينجح وما زالت العملة في تراجع مستمر حتى وصلت الى أرقام مخيفة الى ١٤٪، والوضع حرج ايضاً على المستوى السياسي خصوصاً أنّ أسعار النفط العالية زادت من شعبية بوتين لفترة طويلة من الزمن وقد يتأتّى عنها نتائج أقوى من الحرب الباردة ولن يكون القاء اللوم على الغرب صالحاً بعد الآن.

هذا وقال Sergey Shvetsov، نائب رئيس المركزي الروسي، إنّ الوضع حرج ولا يمكننا تصوّر ما يحدث حتى في أسوأ أحلامنا وقد يكون نجح فلاديمير بوتين لغاية الآن في فرض واقع معين على الأزمة الأوكرانية، غير انه قد يضطر الى السعي للتوصل الى حلٍّ وسط في شأن أوكرانيا للتخفيف من الاضطراب الحاصل في الاقتصاد الروسي.

ولم يستبعد بعض المحللين أن يقوم الكرَملين بالتحرك نحو موقف أكثر مرونة في أوكرانيا. وعكس ما يعتقد البعض فإنّ زعزعة استقرار روسيا ليس في مصلحة أحد وللعلم فإنّ أزمة روسيا الاقتصادية وانهيار عملتها لا يمكن تفسيره بفرض العقوبات عليها وحسب بعضهم، الأسباب مختلفة تماماً.

وفي خضمّ هذا الانخفاض المخيف في سعر الروبل وعدم استقراره يصعب تحديد الأسعار في روسيا ويدخلها في دوامة مخيفة قد تصبح فيها أسعار العملة منهارة كلياً ويتسابق معها الناس لشراء حاجياتهم خوفاً من أن تنهار هذه العملة اكثر ما يذكرنا بألمانيا إبان الحرب العالمية الاولى وما حدث للعملة وكيف اضطُرت السلطات الألمانية تغييرها بعد فترة من الزمن.

وحتى الآن أنفقت روسيا حوالى ٨٠ مليار دولار من احتياطها من العملات الصعبة في محاولة فاشلة لدعم ألروبل مع العلم أنّ التوقعات الاقتصادية لروسيا تنبئ وحسب ما قدّره البعض بتراجع بنسبة ٤،٥٪ وهو الأكثر منذ العام ٢٠٠٩ إنما على ما يبدو الأولوية حالياً هي لوقف تدهور العملة وتجنّب خطر التضخم وإدخال روسيا في دوامة معقدة لا يعود ينفع معها أيّ شيء.

لذلك قد يكون المركزي بوسائله المتاحة قد سعى جاهداً لوقف تدهور العملة إن من خلال ضخ أموال في الاسواق او من خلال رفع أسعار الفوائد، وهو أفضل سيناريو يمكّن بوتين من وقف الانهيار خصوصاً أنّ الخشية الكبيرة هي من أن يصبح أكثر عدوانية على الجبهة الجيوبوليتكية في إقناع شعبه بأنّ مشكلات روسيا ناتجة من وجود عدوٍّ خارجي وأنه قد حان الوقت للوقوف عسكرياً.

هذا السيناريو ممكن لكنه مستبعدٌ كثيراً، فالتنازلات في أوكرانيا تساعده ربما في تخفيف الضغوط الخارجية عليه مع أنّ أسعار النفط تبقى الأشد. ومع تراجعه تكون روسيا فقدت قسماً كبيراً من إيراداتها التي تساعدها في حماية العملة وإنعاش الاقتصاد وتقديرها ولاسيما انّ العديد من صناعاتها مثل الفودكا والكافيار تصنّعه شركات عالمية خارج روسيا.

لذلك وفي المطلق قد يكون «من المستحيل فصل تبعات الخطر المفروض على روسيا عن الصورة الكاملة ولا سيما الانخفاض السريع في أسعار النفط والغاز» وهذا ما قاله سفير اميركا السابق لدى موسكو Michael McFaul. كذلك أضاف أنّ هذا الخطر «يزيد عامل الشكوك حول الاقتصاد الروسي إذ إنّ المؤشرات الاقتصادية لا تتوازى مع هذا التراجع السريع في سعر العملة».

كذلك لا بدّ من القول إنّ أثر العقوبات محدود جداً وإنّ الأزمة الروسية قد تكون تفاعلت فعلياً مع تراجع أسعار النفط وسوء الادارة الروسية للاقتصاد وقد أشعل هذا أزمة ائتمان في المصارف الروسية الرئيسة والتي تجد نفسها معزولة عن التمويل الأجنبي في وقت تعاني فيه الشركات الروسية حالَ توتر كبيرة. ولا يمكن استبعاد حركة دولية تساعد على تغيير النظام في روسيا وإضعاف بوتين الذي اظهر ولغايته انه صلب ما فيه الكفاية ولديه قاعدة شعبية تساعده في اتخاذ قرارات حاسمة بشأن روسيا والجوار وعلى الساحة الدولية.

ولتبسيط الأمور يجوز القول إنّ زيادة العرض للنفط من الولايات المتحدة وانخفاض الطلب من أوروبا والصين واليابان أصاب العالم اجمع ولا سيما الدول الناشئة ما يعني انخفاضاً في أسعار النفط وبالتالي دولارات اقل لتحويلها الى روبل كذلك العقوبات والتي تركت روسيا مع كميات اقل من الدولارات. هذا مع العلم أنّ الاحتياطي الروسي من الدولار يصل الى نسب لا بأس بها ويساعد المركزي الروسي على ضخّ كميات منه في محاولةٍ لإنقاذ العملة.

كلّ هذا يعني أنّ روسيا عالقة بين أمرين: الاقتصاد بحاجة الى انخفاض في أسعار الفوائد لدفع النموّ بينما الشركات بحاجة الى ارتفاع في أسعار الفوائد ما يساعد في رفع سعر الروبل وجعل جميع الأموال المقترضة بالدولار صالحة ما يعني استبعاد الانهيار. لذلك نرى الروس في حيرة من أمرهم والأمران مضران بالاقتصاد وكذلك فإنّ ارتفاع سعر الروبل مع فوائد منخفضة سوف يؤدي الى زيادة في التضخم والى انهيار الشركات.

وبدلاً من ذلك، اختارت روسيا سياسة الصدمة عندما دفعت أسعار الفوائد نحو الأعلى بضربة واحدة وقد تضطر الى فرض ضوابط على رؤوس الأموال لدعم قيمة الروبل ولن يكون من المستبعَد ان تطلب العون من صندوق النقد الدولي.

وهكذا نرى أنّ بوتين اليوم هو نفسه الاتحاد السوفياتي قبل الانهيار، يعيش ويحيا ويقوى مع أسعار نفط مرتفعة ولذلك فإنّ التاريخ يعيد نفسه على ما نشهد، وما حدث في العام ١٩٨٠ يحدث في هذه اللحظات في روسيا. غير أنّ ماركس ولينين ما عادا موجودين، وما يمكن لبوتين فعله مع أسعار نفط مرتفعة ومع أوروبا محتاجة لغازه ونفطه، لا يمكنه فعله وأسعار النفط قد انخفضت الى اكثر من النصف.

لهذا قد يكون بوتين ولفترة من الزمن لاعباً قوياً على الساحة الدولية إلّا أنّ الخيارات الآن أصبحت اكثر صعوبة والظروف السياسية والجيوبولتيكية لم تعد نفسها، ولا يمكن اتهام أوباما وحده في هذه الحال المزرية التي وصلت اليها روسيا إنما عوامل مختلفة أولها سوء إدارة اقتصادية رافقتها أخيراً أسعار نفط متدنية.