IMLebanon

تدفق التمويل المالي ينعش الأسواق بعد نكسة الروبل

STOCKS-USA
رالف أتكينز

عملت المواجهة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا على إعادة كتابة القواعد الجغرافية السياسية، لكن أزمتي الاقتصاد والعملة في البلاد لم يكُن لهما نفس التأثير في التمويل العالمي – حتى الآن.

انهيار الروبل الأسبوع الماضي انتشر من خلال أسواق رأس المال الغربية، ما أثار عمليات بيع كبيرة في الأصول ذات المخاطر العالية، مثل سندات الشركات – في الوقت الذي تذكّر فيه المساهمون الاضطرابات التي أحدثها عجز روسيا في عام 1998، الذي كان جزءا من أزمة أوسع في كافة أنحاء اقتصادات الأسواق الناشئة.

غير أنه بحلول هذا الأسبوع، كانت أسواق الأسهم العالمية وسندات الشركات قد عاودت الانتعاش.

وقال سيتفين أنتسزاك، رئيس قسم استراتيجية الائتمان الأمريكية في “سيتي جروب”، “جاء الناس وشهدوا تراجع العملة، وهذا كان بمثابة علامة استفهام كبيرة، لكن علينا ألا ننسى أن الأسعار وصلت إلى مستوى قال عنه الناس (إن هذا جنون، يوجد الآن كثير من القيمة هناك)”.

قد يبدو الانتعاش أنه دليل على أن أزمة روسيا هذه المرة لن يكون لها سوى تأثير محدود في سلامة النظام العالمي. هناك تفسير أفضل قد يكون أن روسيا هي مجرد جزء من قصص أكبر تجتاح الأسواق – مثل التداعيات من ارتفاع قيمة الدولار والانخفاض في أسعار النفط. استقرت تكاليف الطاقة في الأسبوع الماضي، لكن الانخفاضات وصلت إلى نقطة أثارت هزة كبيرة في الاقتصادات الكبيرة في العالم.

تضررت روسيا بشدة من جراء الجيشان، لكن كذلك أيضاً شركات الطاقة الأمريكية والاقتصادات النامية التي توجد عليها قروض كبيرة بالدولار.

قال نيل ماكينون، مختص الاستراتيجية الكلية العالمية في شركة في تي بي كابيتال، في لندن، “إذا كان ما نشهده هو انفجار لفقاعة الطاقة، إذن فلنفكر في شركات النفط الصخري الأمريكية وديونها، ولنفكر في اقتصادات الأسواق الناشئة المُثقلة بالديون العالية المقومة بالدولار.. هذا هو المكان الذي ستنبع منه الأزمة المقبلة”.

مسؤولون من صندوق النقد الدولي حذّروا في مذكرة أخيراً، أن الأزمات المالية ما بعد عام 2007 قد أظهرت كيف أن التحركات الحادة في الأسعار وأسعار الصرف وعدم اليقين بشأن من سيتحمل الخسائر، “يمكن أن تؤدي إلى زيادات في معدلات العزوف عن المخاطر العالمية، مع الآثار الكبيرة من إعادة تسعير المخاطر ومن التحوّلات في تدفقات رأس المال. هذا الأمر يصبح صحيحا تماما عندما يقترن بالتطورات الأخرى مثلما يحدث في روسيا”.

وما عمل على الحد من التداعيات المباشرة هو أن التجارة مع روسيا غير مهمة نسبياً بالنسبة للبلدان الغربية، وحظوظها الاقتصادية كانت منذ مدة طويلة تتضاءل نتيجة لانخفاض أسعار السلع العالمية.

كما أن احتمال حدوث أزمة خطيرة كان حقيقياً منذ على الأقل تموز (يوليو)، عندما شدّد الغرب العقوبات الاقتصادية بعد إسقاط رحلة خطوط الطيران الماليزية MH17 فوق أوكرانيا الشرقية.

يورج كريمر، كبير الاقتصاديين في كوميرز بانك، قال، “لا أحد فعلاً يمكن أن يكون مندهشاً حول ما يحدث في روسيا. هذه حجة واحدة تقول إن المخاطر النظامية ستكون محدودة – لأن الأسواق مستعدة”.

حتى في ألمانيا، فقد ارتفع مؤشر مشاعر الأعمال لمعهد البحوث الاقتصادية في جامعة ميونخ هذا الشهر إلى أعلى مستوياته منذ آب (أغسطس). وأشار كريمر إلى أن الصادرات الألمانية إلى روسيا شهدت بالفعل عامين من التراجع، وقد تم تعويض التأثير السلبي من خلال تعزيز الاقتصاد من أسعار النفط المنخفضة.

في الأزمات الأخيرة، فإن “العدوى” بين البلدان كانت ناتجة من الروابط المالية.

تمثّل أوروبا الحصة الأكبر من مطالبات المصارف الأجنبية على روسيا، لكن ضعفها محدود.

إن انكشاف مصارف في ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا وإسبانيا أمام روسيا في الربع الثاني من هذا العام كان نحو 60 في المائة من انكشافها لليونان في عام 2010، وذلك بحسب حسابات شركة أوكسفورد إيكونوميكس – ومن شبه المؤكد أنها انخفضت منذ ذلك الحين.

أزمة القروض العقارية في الولايات المتحدة عام 2007 أصبحت أسوأ، لأن السوق المُبهمة قد خلقت ارتباكاً حول من كان معرضا للمخاطر.

قال بين ماي، مختص الاقتصاد في شركة أوكسفورد إيكونوميكس، “إن الانكشاف واضح، أما روسيا فإن الانخفاض فيها أوضح بكثير”.

في حال انفجار إحدى المؤسسات أو الصناديق المالية ذات التعاملات الكثيفة بشكل كبير مع روسيا، سيكون بإمكانه إرسال هزات عبر الأسواق، لكن أنتسزاك قال “إن المستثمرين في المنطقة لا يتمتعون برفع مالي عال كما كانوا خلال أزمة عام 1998 – ما يُقلل من الحوادث”.

حتى بعد وضع صندوق لونج تيرم المواجه للمتاعب، انتعشت الأسواق بعد بضعة أشهر. وأضاف، “إذا كان أفقك أطول من بضعة أسابيع أو أشهر.. إذن بحسب خبرتي هذه الأحداث الخارجية لن يكون لها أي تأثير”.

مشكلات روسيا قد تتكثف. أليكسي كودرين، وزير المالية السابق، حذّر من “أزمة اقتصادية شاملة” في عام 2015. وحيث إن أسواق رأس المال صدت في وجه الشركات الروسية، فإن الخوف أكثر سيكون بشأن سندات القطاع الخاص، وليس السندات الحكومية. ما لم يعمل الغرب على تخفيف العقوبات في وقت قريب، فإن أزمة ائتمان تبدو حتمية، لكن الافتراض هو أن الحكومة الروسية والبنك المركزي سيعملان بمثابة الدعم لوضع البلاد اقتصادياً.

الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق المالية سيكون تصعيد التوترات الجغرافية السياسية العالمية. أحد المخاوف هو من مواجهة بين روسيا وأعضاء دول البلطيق في التحالف العسكري لحلف الناتو.

استجابة السوق هذا الأسبوع تُشير إلى أن المساهمين لا يحتسبون مثل هذا السيناريو في الأسعار. مع ذلك، فقد حذّر كريمر قائلاً، “إن هذا سيكون حدثاً ضخماً، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عامة في العزوف عن المخاطر”.