زياد محمد الغامدي
السياسة التي ننتهجها في بلادنا بتوفير الإمدادات النفطية تحت الظروف كافة تعكس البعد الأخلاقي العميق لبلادنا. فنحن لا نستغل النفط وتقلباته السعرية للتلاعب في الإمدادات بغرض التأثير في سعره طلوعا أو نزولا تحت أي ظرف كان. وأثبتت الوقائع التاريخية منذ اكتشاف البترول واستخراجه من بلادنا اننا كنا نوفر الإمدادات النفطية للعالم في احلك الظروف الاقتصادية الحرجة التي مرت على الاقتصاد الدولي. وما تمر به السوق النفطية في ايامنا هذه وما صاحب ذلك من التزام بلادنا بالإمدادات النفطية وفق حصتها المعلنة، بل والتأكيد على اننا سنزيد الإنتاج متى ما تقدم زبون جديد كما اكد ذلك وزير البترول نفسه، يؤكد على المضي قدما في هذه السياسة التي تمثل اجمل صور المساهمة الاقتصادية للمجتمع الدولي.
تذبذب الأسعار ديدن كل سلعة تباع وتشترى، والنفط ليس بقاعدة شاذة عن هذه المسلمة الاقتصادية. وبناء عليه فلا ينبغي لنا اخضاع اقتصادنا لسلعة واحدة تحت أي ظرف. ومن هنا تأتي اهمية الإنفاق الحكيم في البنية التحتية التي تنتهجها بلادنا. والتي سنمضي قدما بها حتى تصل مرحلة تمكننا من تأسيس منظومة اقتصادية متنوعة تقوم على الصناعة والخدمات وابتكار التقنية. كما يأتي الاستثمار في الإنسان السعودي الاستثمار الأهم في طريق بناء المنظومة الاقتصادية المتنوعة التي نسعى للوصول لها. ومن هنا تأتي اهمية برامج الابتعاث التي انتهجت في السنين الماضية، والتي بدأنا نشعر بثمارها مع كل دفعة من الخريجين، والذين بدأوا في شغل وظائف مهمة على المستوى المالي والفني والهندسي. كما ان مشاريع تطوير التعليم والمناهج الدائمة تشكل جزءا لا يتجزأ من سياسة تنمية الإنسان التي ننتهجها، والتي لا يمكن الا ان تنعكس ايجابيا على مستقبلنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ايضا.
وضع خطة عمل تفصيلية لما نريد ان نكون عليه اقتصاديا مهم جدا. كما يجب ان تأخذ الخطة في عين الاعتبار كافة الاحتمالات السعرية للنفط، موضحة تفاصيل التعامل مع كل احتمال حال وقوعه. حتى المنتجات الصناعية التي يستهدف تصنيعها والمنافسة بها يجب ان تحدد. والتركيز على مميزاتنا النسبية يجب ان يكون اساس الخطة، ولا ينبغي اغفال التركيز على المنتجات والتقنيات التي نعتبر اكبر من يستخدمها ويستوردها في العالم، كالتقنية النفطية وتقنيات التحلية على سبيل المثال. كل هذا مهم ويعكس مدى جديتنا ورغبتنا في تحقيق هدف الوصول باقتصادنا الى مرحلة التنوع، ومن ثم الوصول للحد الأدنى من التأثر بانخفاض اسعار النفط. كما ان الرفع التدريجي للمعونات الاقتصادية للقطاع الصناعي مهم جدا لرفع الكفاءة التشغيلية لمنشآتنا، كما يشكل استغلالا امثل لكافة مواردنا المالية.
لا ينبغي ان يكون القلق سيد الموقف مع كل تذبذب سعري للنفط. والمأمول والمبتغى ان يكون اقتصادنا مبنيا على التنوع الصناعي والمعرفي والخدمي، وهذا وحده ما سيساهم في مناعتنا، اما التذبذب السعري للبترول الذي نعتمد عليه بنسبة تفوق التسعين بالمائة في دخلنا. والتنوع الاقتصادي ليس مهما فقط لطبيعة التذبذب السعري لسلعة النفط، بل مهما ايضا لأن النفط بطبيعته سلعة ناضبة، بمعنى ان مصيرها للزوال، وهذا يحتم علينا الاستغلال الأمثل لعوائده في بناء الإنسان والاقتصاد.
الاستفادة من التجارب الدولية مهم، وخصوصا التجارب الناجحة للدول المتقاربة معنا في تعداد السكان، كالتجربة الكورية على سبيل المثال. ان القيادة الحكيمة لبلادنا وفرت كافة سبل الدعم للقطاع الخاص كي ينمو ويزدهر، وعلى القطاع الخاص ان يساهم بدوره في المبادرات التنموية، التي تخلق الوظائف وتحقق ما نصبو له. كما ان لرواد الأعمال والجامعات دورا مهما في تحقيق ما ينبغي ان نكون عليه، فعقارب الساعة تمضي ولا تعود للوراء، وبلادنا بسواعد ابنائنا وتجارب وحكمة كبارنا ودعم قيادتنا، كل ذلك كفيل بأن نكون في موقع الريادة.