كتب طوني أبي نجم
سنة مرّت على اغتيال الوزير السابق محمد شطح. قرابة التاسعة والنصف من صباح 27 كانون الأول 2013 دوّى انفجار هائل في وسط بيروت أودى بحياة محمد شطح، بعد قرابة الـ14 شهراً على اغتيال اللواء وسام الحسن.
في تشييع شطح سمع اللبنانيون عبارة “بعد اغتيال محمد شطح ليس كما قبله”. فإذا بعد اغتياله أصبح مقبولاً المشاركة في حكومة واحدة مع “حزب الله” قبل انسحابه من سوريا، لا بل أصبح طبيعياً أن يحلّ وفيق صفا مكان وسام الحسن في اجتماع قادة الأجهزة المنية الرسمية في وزارة الداخلية.
بعد اغتيال شطح أصبح ضرورياً “غض النظر” عن مشاركة “حزب الله” في ذبح الشعب السوري، تماماً كما “التغاضي” عن كل ما يفعله الحزب في لبنان. لا بل أصبح الحوار مع “حزب الله” لا مفرّ منه لتغطية كل ما يفعله من دون الحصول على ادنى التزام منه بمجرّد الانسحاب من سوريا! ويصبح الحوار أساسياً لسحب فتيل الفتنة السنية- الشيعية، مع أن هذه الفتنة وقعت رغم الحوار الوطني الصوري منذ آذار الـ2006، لا بل ويُمنع طرح بند انسحاب مقاتلي الحزب من سوريا وبند سلاحه الخارج عن الشرعية رغم أن هذين البندين هما سبب كل فتنة في لبنان!
هكذا انطلق حوار المستقبل ـ “حزب الله” بنسخته الجديدة: حوار صورة لتعويم الحزب الغارق في أزماته من سوريا الى لبنان مروراً بلاهاي، من دون أي مكسب على الإطلاق للمستقبل.
وإذا كان اللبنانيون من أبناء الخط السيادي بمختلف طوائفهم، وخصوصاً أبناء الطائفة السنيّة، وجدوا في سمير جعجع و”القوات اللبنانية” ملاذهم الأخير بعد إصرار جعجع و”القوات” على رفض المشاركة في حكومة واحدة مع “حزب الله”، وبعد رفضهم تغطية ما يقوم به الحزب من تجاوزات فاقت كل حدود، إضافة الى إصرار “الحكيم” السابق على رفض المشاركة في آخر جلسات الحوار في بعبدا في العام 2012 لأنها من دون جدوى، فإن كل ما يتم تداوله من حديث سياسي وإعلامي في هذه الأيام عن قرب لقاء يُعقد بين سمير جعجع وميشال عون، وعن زيارة يزمع “الحكيم” القيام بها الى الرابية، إنما يشكّل رصاصة الرحمة التي تُطلق على الأمل الأخير في التيار السيادي في لبنان.
فأيّ لقاء بين “الحكيم” و”الجنرال”، قبل إعلان الأخير سحب ترشّحه الى الانتخابات الرئاسية وقبوله بالتفاوض حول مرشّح وسطي، يعني أن سمير جعجع وقع مرّة جديدة في الفخّ العوني.
وبالعودة الى الذاكرة القريبة يتبيّن أن كل اللقاءات العونية- القواتية انتهت بحملة عونية إعلامية شرسة على “القوات اللبنانية” وبمحاولة تصوير “القوات” بأنها تخرج عن التوافق المسيحي- المسيحي. بدءًا باللقاءات المسيحية في بكركي، مروراً باجتماعات لجان التواصل المنبثقة عنها، وصولاً الى زيارات جبران باسيل الأربعة الى معراب برفقة إيلي الفرزلي… كلّ هذه اللقاءات انتهت بحملات عونية تخوينية بحق “القوات” وبذهاب الشارع المسيحي الى الملعب الأحب على قلب العونيين: ملعب الشتائم!
ومن الآن نعلم تماماً ما سيقول الإعلام العوني بعد الفشل الحتمي للقاء عون- جعجع:
ـ لم يقبل جعجع بعرض عون أن يقبل بانتخابه اليوم على أن يتسلّم منه قصر بعبد في الـ2021!
ـ فرّط جعجع بفرصة وصول رئيس جمهورية مسيحي قوي يمثّل المسيحيين وها هو يتآمر لوصول رئيس ضعيف!
ـ مرة جديدة يخضع جعجع للإملاءات السعودية ويضيّع حق المسيحيين في وصول رئيس مسيحي قوي الى رئاسة الجمهورية!
ـ تخطينا مسالة الرئاسة وطلبنا منه أن يوافق على القانون الأرثوذكسي للانتخابات النيابية ليستعيد المسيحيون حقوقهم لكنه رفض أيضاً أن يحصل المسيحيون على 64 نائباً بأصواتهم!
وغيرها من الكليشيهات التي حفظناها عن ظهر- قلب، ولكنها تؤثر سلباً في الشارع المسيحي الذي يتوهم في كل مرّة أن الجنرال قد يكون محقاً!
إذا كان “المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين” وفق القول المأثور، فإن على جميع الساعين الى “حوارات” اليوم أن يتعظوا من التجارب المرّة السابقة. وإذا كان “المستقبل” يدمن تكرار خيبات الآمال، يبقى الرهان على سمير جعجع بألا يراهن على أي حوار مع ميشال عون.
رحم الله محمد شطح!