IMLebanon

اللجوء إلى علم النفس السلوكي لضبط صناديق الاستثمار النشطة

StockMarketsConfusion
جون أوثر

احتدم الجدل حول الكيفية التي ينبغي أن تدار بها مدخراتنا لسنوات. هل يجب وضع صناديق التقاعد لدينا، كما كانت عادة لعدة عقود، مع مديرين “نشطين”، يخرجون لانتقاء الأسهم أو السندات التي يعتقدون أنها أفضل فرصة للتغلب على السوق؟ أم يجب أن توكل إلى مديرين “غير نشطين” يحاولون فقط مطابقة مؤشر السوق – وبالتالي يمكنهم فرض رسم أقل بكثيرمقابل خدماتهم؟

بالنسبة للمديرين النشطين، يَنظُر إليهم عام 2014 بصورة غير مريحة كما لو أن ذلك يمثل نقطة تحول في النقاش. فقد فشلوا في تطابق معايير السوق على نطاق غير مسبوق منذ عقود. وتشير بعض التقديرات إلى أنه لم يتمكن سوى 10 في المائة من المديرين النشطين في الولايات المتحدة من التفوق على مؤشرهم المرجعي.

وفي الوقت نفسه، انهارت مبيعات الصناديق المدارة بنشاط، ولا سيما في السوق الضخمة للصناديق الأمريكية التي تستثمر في الأسهم. وعلى مدى الشهور الـ 12 الماضية، شهدت هذه الصناديق عمليات استرداد تتجاوز المبيعات الجديدة بـ 92 مليار دولار، حتى مع أن الصناديق غير النشطة المتنافسة استوعبت مبالغ صافية مقدارها 156 مليار دولار.

المال الذي كان يتدفق بالفعل من المؤسسات والمستثمرين الأفراد إلى الصناديق غير النشطة المنافسة، بدلا من الصناديق النشطة، تحول إلى طوفان. شركة فيديليتي للاستثمارات، التي كانت ذات مرة أكبر صندوق لإدارة الأموال في العالم، شهدت 24.7 مليار دولار وهي تتدفق خارجة من صناديقها النشطة هذا العام. فانجارد، خليفتها كأكبر مجموعة للصناديق المشتركة الأمريكية، أخذت مبلغا مقداره 188.8 مليار دولار إلى صناديقها غير النشطة.

تداولت مجموعات الصناديق بناء على نجاح مديري الصناديق التابعين لها. نما صندوق فيديليتي ماجلان ليكون الأكبر في العالم، وتجاوزت أصولة لفترة وجيزة 100 مليار دولار في عام 1999، بفضل شهرة بيتر لينتش، مديرها الذي بقي في منصبه لفترة طويلة، والذي حقق نجاحا من خلال الاستثمار في أسهم الشركات الصغيرة خلال جميع أعوام الثمانينيات. وكان أداء الصندوق في معظم العقدين الماضيين دون المتوسط، ولديه الآن فقط 17 مليار دولار من الأصول تحت إدارته.

يقول أمين راجان، رئيس Create، وهي شركة استشارية في المملكة المتحدة تتعقب صناعة إدارة الصناديق: “هذه الاتجاهات لا تعرف الشعور بالندم”. ويضيف: “يرتبط ما يقارب 20 في المائة من أموال صناديق التقاعد الأوروبية بصناديق غير نشطة، ونحن نعتقد أنه من المرجح لهذه النسبة أن تتضاعف بحلول نهاية هذا العقد”. ربما تكون الثقة في الإدارة النشطة قد اختفت. فعندما أجرت ستيت ستريت استطلاعا على المستثمرين في 19 بلدا هذا العام، وجدت 53 في المائة فقط من المستثمرين الأفراد يعتقدون أن الأداء المتفوق يستند إلى المهارات وليس الحظ. أما بالنسبة لممتهني الاستثمار أنفسهم، فقد كان العدد أدنى حتى من ذلك، إذ كان من رأي 42 في المائة أن الأداء المتفوق يعزى لمهارة فائقة.

الأدلة تقف إلى جانبهم. فقد أوضحت دراسة أجرتها مؤشرات ستاندرد أند بورز الشهر الماضي أن الأداء المتفوق لا يستمر أبدا تقريبا. وبحسب كريج لازارا، من ستاندرد أند بورز: “فرصك في العثور على مدير صندوق يمكنه البقاء متقدما على المؤشر على مدى خمس سنوات على التوالي هي تقريبا نفس عملية قذف عملة وتخمين ما هو وجهها بشكل صحيح خمس مرات على التوالي”.

المخاطر كبيرة لأن المبالغ المعنية واسعة ضخمة. ستراتيجيك إنسايت، وهي شركة استشارية مقرها نيويورك، تقدر أن صناعة الصناديق المشتركة تدير 37 تريليون دولار على الصعيد العالمي، وتجلب مبلغا إضافيا مقداره تريليون دولار من الأموال الجديدة من المستثمرين في كل عام. والاستثمار النشط لا يزال يمثل أكثر من ثلثي الأصول الخاضعة للإدارة في الولايات المتحدة، وهي بالأحرى أكثر من ذلك في بقية دول العالم، لذلك لا يزال من الممكن نقل أموال أكثر بكثير – مع آثار قاسية بالنسبة لكثير من الناس الذين تم توظيفهم للتغلب على السوق.

طفرة الصناديق المدرجة

تدفق الأموال الخارجة من الصناديق النشطة مدفوع بشكل خاص بظاهرة صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة، المركبات غير النشطة التي يمكن أن تتداول مباشرة في البورصة. صناديق الاستثمار هذه لديها الآن 2.76 تريليون دولار من الأصول على مستوى العالم. ومنذ بداية العام حتى الآن تدفق نحو 275 مليار دولار من الأموال الجديدة إلى صناديق الاستثمار المدرجة – وهو رقم يعادل تقريبا الأصول برمتها التي تم حيازتها من قبل صناديق الاستثمار المدرجة قبل عشرة أعوام. أعطى هذا بعض التأييد للنظرية الأكاديمية، ما يوحي بأن الإدارة الفعالة هي “لعبة الخاسرين”. في مجموعها، فإن جميع الصناديق ستتناسب مع السوق. وفيما بينها، تعتبر هي السوق. لكن ينبغي عليها فرض رسوم، يتم خصمها دائما تقريبا كنسبة مئوية من إجمالي الأصول تحت الإدارة – وهي نسبة ثابتة، بغض النظر عما إذا كان الصندوق قد تفوق على مؤشره. وهذا يضمن أنها بشكل إجمالي ستفشل في التغلب على المؤشر.

ومع ذلك، مشاكل المديرين النشطين تخلق مخاطر. لا بد أن يقوم شخص ما بمهمة “اكتشاف السعر”، أو تحديد سعر معقول للحصص، وبذلك سيتم تخصيص رأس المال بكفاءة في المكان الذي يمكن أن يكون أكثر استخداما. صناديق المؤشرات التي تكتفي بقبول أي سعر يكون على العرض، لا تفعل هذا.

ويتوقع راجان أن الاتجاه نحو الصناديق غير النشطة سوف ينعكس في نهاية المطاف. ويقول: “كلما توجه المزيد من المال إلى الصناديق غير النشطة، يصبح أصحابها أغبياء”، وعرضة لانحرافات واسعة النطاق. ويضيف أن مشاكل المديرين النشطين “كانت في جزء كبير منها ناجمة عن البنوك المركزية، التي تدخلت لوقف تصحيح أسعار الأسهم في عدة مناسبات. الربط بمؤشر، كما يقول، ساعد أيضا على إشعال فقاعات الاستثمار؛ وتخصيص الأموال الجديدة القادمة لصناديق التعقب بشكل تلقائي للشركات التي تتمتع بأعلى قيمة سوقية. ويضيف: “لا أستطيع أن أصدق أن هذه المبالغ من المال التي تذهب إلى الصناديق غير النشطة لن يكون لها تأثير”.

تغيير اللعبة

هناك دلائل على وجود إصلاح معاكس. الآن بعد أن بدا أن فشل الأنموذج الحالي للإدارة النشطة واضح، يبحث الأكاديميون ومديرو الصناديق عن نماذج جديدة. وهم يعثرون عليها في مجال التمويل السلوكي، الذي يطبق دروس علم النفس على الاقتصاد. فهم كيف أن نفسية الإنسان تدفعه لاتخاذ قرارات استثمارية سيئة يفتح فرصة لتصحيح تلك القرارات.

وفقا لتشاك ودجر، من شركة إدارة الاستثمار برينكر كابيتال، كشف علم النفس السلوكي عن حوالي 117 تحيزا نفسيا منتشرا بين المستثمرين. مثلا، يغلب على الناس أن تكون ثقتهم بأنفسهم مفرطة، ويحاولون جاهدين تجنب الخسائر أكثر من تحقيق الأرباح، ويغلب عليهم استنباط أي اتجاه حالي وإسقاطه على المستقبل البعيد، والتمسك بأحدث المعلومات حول شركة معينة، حتى لو كانت هذه المعلومات غير ذات صلة على المدى الطويل. كل هذه التحيزات هي طرق جيدة لخسارة المال. وقد أدى ذلك إلى محاولة لتحسين المديرين النشطين، ومعرفة مهارات الاستثمار الحقيقية، وذلك باستخدام أساليب مستعارة من علماء النفس والمدربين الرياضيين. وشركات تدريب الاستثمار ستفكك كل استثمار إلى قرارات منفصلة – متى ستكون عملية الشراء، وما هو مقدارها، ومتى تتم عملية البيع – وتخلق نقاط تشجيع لوقف المديرين من الوقوع في الأخطاء التي هم أكثر عرضة لارتكابها. بدلا من تحليل معدل السعر/الأرباح أو اتجاهات السوق، تحاول ببساطة دفع المديرين بعيدا عن العادات السلوكية السيئة.

مايكل إرفوليني، من كابوت للبحوث في بوسطن، وهي واحدة من الشركات الرائدة في هذا المجال، يقدم ردود فعل مفصلة لمديري المحافظ. مثلا، لدى بعضهم ميل للتمسك بالأسهم الفائزة لفترة طويلة جدا فوق الحد – الخلل الأكثر انتشارا الذي وجده، والذي يعانيه واحد من كل أربعة مديرين، متجذر في الميل نحو المبالغة في تثمين الأشياء التي نحن أنفسنا نملكها. وترتب كابوت لوضع إشارات تظهر على شاشاتها، تدفع المديرين للنظر فيما إذا كان ينبغي بيع الأسهم الأفضل أداء لديهم.

ويدعي إرفوليني أن هذا النهج الذي تم تطبيقه على 100 مدير صندوق حول العالم، حول متوسط الأداء الضعيف من نقطة مئوية واحدة إلى أداء متفوق يبلغ 1.5 نقطة مئوية على مدى خمس سنوات. وإذا ما طبق هذا على مبلغ 37 تريلون دولار تديره الصناديق الخاضعة للتنظيم، يمكن لهذا أن يحدث فرقا كبيرا.

الارتباط بمؤشر في الخفاء

الجهود لإعادة تشكيل الأموال النشطة مدفوعة أيضا ببحوث نشرت لأول مرة في عام 2006 من قبل مارتن كريمرز وآنتي بيتاجستو، حين كانا في كلية الإدارة التابعة لجامعة ييل. أظهر الباحثان أن كثيرا من الصناديق “النشطة” كانت في الواقع صناديق مرتبطة بمؤشر في الخفاء – حيازة محفظة كبيرة من الأسهم التي لم تكن مختلفة سوى قليلا عن المؤشر. في الواقع، كانوا يفرضون رسوما تعادل الرسوم التي تتقاضاها صناديق الإدارة النشطة مقابل منتج غير نشط، وفي الوقت نفسه المساهمة في فقاعات الأصول.

عندما قسم الباحثان الصناديق وفقا لـ “حصصها النشطة” – النسبة التي اختلفت فيها محافظهم عن المؤشر – وجدا أن الصناديق الأكثر نشاطا تفوقت فعلا بشكل موثوق على المؤشر. ويمكن أن يشير هذا إلى أن المديرين النشطين لديهم مستقبل، لكن فقط إذا كانوا مستعدين لتقديم رهانات جريئة ونشطة. توماس موراي، من أثينا إنفيست، وهي مجموعة صناديق، أكاديمي سابق طبق هذه الأفكار بشكل جذري، وهي تنص على أن من السهل التغلب على المؤشر – شريطة أن يكون لدى المديرين محفظة مركزة يتم اتباعها بشكل منهجي عن قناعة. وهذا يختلف تماما عن الأنموذج الحالي.

وقد دفع هذا النهج إلى أقصى مدى له. محفظته تضم فقط أسهما في 10 شركات – تقتني فيديليتي ماجلان حاليا أسهم أكثر من 170 شركة. وهو يتسبب شهقة بين الحضور في مؤتمرات الاستثمار، عندما يدعي عدم تذكره لأسماء أسهمه، أو كم دفع مقابل الحصول عليها – وهو أمر يجعل عملية تجنب النزعات السلوكية أسهل بكثير. ولأن عائده بالمعدل السنوي على مدى السنوات العشر الماضية هو 16.2 في المائة، مقابل 8.5 في المائة بالنسبة لمؤشره القياسي، يبدو كما لو أنه يفعل الشيء الصحيح.

الطريقة الأخرى لإغلاق الفجوة مع المديرين غير النشطين هي عن طريق تخفيض الرسوم. بعض مجموعات الصناديق بدأت مبدئيا باستخدام هياكل الرسوم الجديدة، والتخلي عن بعض الرسوم إذا ما فشلت في التفوق في أدائها. يمكن لهذا أن يساعد لأنه في معظم السنوات، المدير النشط “المتوسط” يتفوق على المؤشر المحدد قبل دفع الرسوم. أعمال إدارة الصناديق ليست لعبة “محصلتها صفر” بصورة تامة، لأن المقتنيات الكبيرة تنتمي إلى لاعبين لا يقومون بأية محاولة للتغلب على السوق. الأسهم التي تعود إلى العائلات المؤسسة للشركة، أو مخصصة للموظفين باعتبارها حوافز مدفوعة، لا يتم نشرها في محاولة للتغلب على السوق. وهذا يعني أن هناك أدلة على أنه في معظم السنوات، إن لم يكن عام 2014، فإن المديرين الأكثر نشاطا قادرون على التفوق على مؤشرهم قبل الرسوم.

وبذلك لو أمكن للمديرين النشطين أن يدفعوا لأنفسهم أجرا أقل، فقد يكون لديهم عرض مقبول يمكنهم عرضه على عملائهم. لقد أدى ذلك إلى موجة من المحاولات للحد من تكاليف التشغيل من خلال تغيير الطريقة التي تتم بها هيكلة الأموال. في الشهر الماضي، اقترحت “نافيجيت لحلول الصناديق” ومقرها بوسطن، فئة جديدة من “الصناديق المدرجة المدارة”، التي يمكن أن تتجنب مجموعة من الرسوم التي تتحملها الصناديق المشتركة، مثل توزيع الأموال المضمنة، ورسوم الخدمات، والتكاليف المتكبدة للتداول عندما يقوم المساهمون بشراء أو استرداد الوحدات من الصندوق.

وتدعي أن هذا خفض تكاليف متوسط الصناديق المشتركة في الولايات المتحدة بنسبة 0.65 نقطة مئوية سنويا في الفترة من عام 2007 إلى 2013، وهو ما يكفي لوحده لضمان أن 55 في المائة من الأموال التي تدار بنشاط كان بإمكانها أن تتفوق على نظيرتها غير النشطة خلال تلك الفترة.

هذه الأفكار لم يتم اختبارها في السوق بعد، لكن بعد عناء عام 2014 من المحتمل جدا أن تخضع للاختبار. وبالتالي، فرص نهضة الصناديق النشطة في مرحلة ما تبدو جيدة. لكن الأنموذج التقليدي للإدارة الفعالة انتهى أمره. في المستقبل، سيجد المديرون النشطون صعوبة في اجتذاب أموال المستثمرين، إلا إذا كان بإمكانهم أن يبينوا أن استثمارهم هو حقا “نشط”، ورسومهم منخفضة بقدر المستطاع.