IMLebanon

البنك الدولي بين الرؤية الاستراتيجية والتخبط

Worldbank
قبل بضع سنين كانت أبسط الأنباء المتعلقة بالبنك الدولي تتصدر عناوين الصحف باعتباره بنك التنمية الأهم في العالم، أما اليوم فنادراً ما يرد اسمه في الإعلام . ويعيش البنك اليوم مخاض عملية إعادة هيكلة جذرية يتزعمها من أطلقها وهو رئيسه “جيم يونغ كيم” فهل تتمخض عن نتائج ترقى لمستوى طموحاته؟
ففي الوقت الذي يحاول البنك مجاراة رئيسه عبر “تقليص عدد الموظفين” لأول مرة في تاريخه، مع انتظار الأسوأ، يتخلف البنك عن ركب العالم الذي يتقدم بخطى سريعة في حين يسير البنك الدولي بسرعة السلحفاة . وسواء تعلق الأمر بتكاليف قروض التنمية أو بالشروط المنوط الحصول عليها بها، يتراجع البنك أشواطاً وتتجاهله دول العالم خاصة الصين . ويجد “كيم” الذي قطع أكثر من نصف المسافة على طريق تنفيذ عملية إعادة الهيكلة، صعوبة في رسم رؤية واضحة للبنك الذي يتولى قيادته . ولا شك أن فشله في ذلك يزيد من سرعة خروج البنك إلى المجهول .
وحتى هذه اللحظة لا تبشر المؤشرات بالخير . وتقوم خطة “كيم” على إبعاد البنك عن التركيز على التوزيع الجغرافي من خلال إيجاد 14 مساراً توازي قطاعات الاقتصاد كالتعليم والصحة . وتهدف الخطة إلى تفعيل خبرات البنك الفنية بما يخدم مصالح عملائه . لكن النتيجة التي تحققت حتى الآن هي الغرق في مزيد من المركزية .
وفي الوقت نفسه اعتصر “كيم” 400 مليون دولار وفراً في الميزانية التشغيلية للبنك بعضها عن طريق تقليص عدد الموظفين . لكن المشكلة أن لا أحد يدري حتى عتاة مسؤولي البنك إلى أين ستوصلهم هذه الخطة . وإنصافاً للرجل نقول إنه حاول جاهداً شرح خطته حتى لأكثر العناصر اعتراضاً عليها . لكن لسوء الحظ أن جهده هذا لم يسفر سوى عن زيادة درجة الغموض . ولم يسعفه أن البنك غني بالخبرة الإدارية بل لديه فيض منها .
وليس من الإنصاف أيضاً أن يتهم “كيم” موظفي البنك بأنهم نخبة مدللة تعارض فكر التغيير . فقد فقد موظفو البنك الدولي خلال السنوات الأخيرة الكثير من امتيازاتهم الخرافية من بينها مواقف السيارات ووجبة الفطور .
إلا أن الآراء التي حصلت عليها دراسات أجريت حول الموظفين كشفت عن مجموعة من العناصر ذات الرؤية المشوشة فيما يتعلق بالمهمة الموكلة إليها .ومن بين مئات الردود السلبية التي جمعت لم يشتك من نقص المكافآت والحوافز إلا القليل .
وقد يكون صواباً تخفيض المزايا التقاعدية للموظفين وخفض سلم الرواتب كما يفعل “كيم” لكن منح كبار المديرين مكافآت سخية كالتي حصل عليها “برتراند بيدر” المدير المالي في البنك والتي بلغت 94 ألف دولار العام الماضي تحت مسمى “مهارات إدارية خاصة”، لا مبرر لها قبل أن تظهر نتائج ملموسة لتلك المهارات على صعيد التطبيق الفعلي .
وهناك فرق بين تنفيذ عملية إعادة هيكلة بطريقة اعتباطية وفقدان بوصلة أهدافها . وقد نبهت بعض وسائل الإعلام عام 2012 عندما تم تكليف “كيم” بالمنصب إلى ضعف مهاراته وخبراته الإدارية التي تؤهله للقيام بمهمة بهذا الوزن . وفي الوقت نفسه فوت الرئيس الأمريكي باراك أوباما فرصة تعيين مدير من الدول المتقدمة وهو ما كان كفيلاً باسترجاع شرعية البنك في إفريقيا وغيرها من المناطق .
لكن “كيم” سجل بعض النقاط الإيجابية على صعيد العمل حيث لقيت قيادته مهمة مواجهة وباء “إيبولا” استحساناً واسعاً . لكن بقي عليه أن يحدد أهداف البنك الدولي التي تناسب القرن الحادي والعشرين . ومن أهم الأولويات فصل أداء البنك عن صيغته الراهنة الموزعة على أساس جغرافي وتحويلها إلى صيغة تخدم الصالح العام للمجتمع الدولي مثل قضية الحفاظ على غابات العالم والقضاء على أوبئته .