عبد الله مصطفى
عشية حلول العام الجديد (2015). أظهرت التقارير الاقتصادية الصادرة عن عدة عواصم في الاتحاد الأوروبي، عن وجود أجواء من التفاؤل بشأن الاقتصاد الألماني الذي يعد أكبر الاقتصادات في منطقة اليورو التي تتعامل بالعملة الموحدة (18 دولة)، بل وفي مجمل الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، وبالنسبة لثاني أكبر الاقتصادات، وهي فرنسا، فقد زاد الدين العام الفرنسي ما يقرب من 8 مليارات يورو في الربع الثالث من العام الحالي، بينما شهد الاقتصاد البريطاني تعافيا مجددا في الربع الثالث من العام نفسه.
ففي باريس، زاد الدين العام الفرنسي 7 مليارات و800 مليون يورو في الربع الثالث من العام الحالي ليتخطى تريليوني يورو نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي. زيادة جاءت أقل من تلك التي سجلت في الربع الثاني، التي كانت 28.7 في المائة. وحسب المعهد الوطني الفرنسي، فإن هذا الدين يشكل 95.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلا ارتفاعا بسيطا قياسا بالربع الثاني، الذي وصل فيه إلى 95.2 في المائة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد حدد الدين 60 في المائة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي. وتتوقع الحكومة أن يصل الدين العام إلى 97.1 في المائة نهاية عام 2015.
وتعافى الاقتصاد البريطاني مجددا في الربع الثالث من العام رغم انخفاض طفيف للدخل القابل للإنفاق وانخفاض وتيرة نمو استثمارات الشركات عن البيانات السابقة.
وأظهرت البيانات الرسمية أن إنفاق المستهلكين أسهم بالنمو الاقتصادي بنسبة 0.7 في المائة في الفترة الممتدة من الشهر السابع وحتى الشهر التاسع مقارنة مع الربع الثاني، لكن معدل النمو هذا أقل بقليل من معدل النمو في الربع الثاني الذي وصل إلى 0.8 في المائة.
وقال مكتب الإحصاء الوطني إن استثمارات الشركات التي تعد ضرورية لضمان استمرار نمو الاقتصاد تراجعت بنسبة 1.4 في المائة عن الربع الثاني وبنسبة 5.2 في المائة مقارنة مع مستواها قبل عام.
وفي برلين ارتفعت الأجور في ألمانيا بنسبة 1.8 في المائة في الربع الثالث من هذا العام مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أكبر ارتفاع لها منذ ما يزيد على 3 سنوات كما أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي، الذي أكد أن الانتعاش القوي في مبيعات التجزئة لعب دورا رئيسيا في دفع عجلة نمو الاقتصاد الألماني.
وكان المحللون الاقتصاديون قد توقعوا ارتفاع مبيعات التجزئة بنسبة 1.5 في المائة. ويأتي ذلك في ظل توقعات بأن تنتعش ثقة المستهلك الألماني مع بدء العام الجديد، لتصل إلى أعلى مستوى في ثماني سنوات، مما يعطي الأمل بتسارع التوسع في أكبر اقتصاد في أوروبا في الأشهر المقبلة. يأتي ذلك في حين أظهر المسح الشهري من قبل مجموعة أبحاث السوق (جي إف كي) ارتفاع ثقة المستهلكين إلى 9 نقاط في يناير (كانون الثاني) من 8 و7 في ديسمبر (كانون الأول). آخر قراءة للمسح كانت في ديسمبر (كانون الأول) 2006 عندما وصلت إلى 9.1. «جي إف كي» قالت في بيان إن المستهلكين يرون الضعف الاقتصادي في ألمانيا مؤقتا، وأنه سيعود إلى مسار النمو في الأشهر القليلة المقبلة. وقبل أسبوعين قالت ألمانيا إنه «يجب على فرنسا وإيطاليا مضاعفة الجهود لتحقيق استقرار اقتصادي، لأن التدابير الإضافية التي طالبت بها المفوضية الأوروبية في بروكسل من باريس وروما له مبرراته»، هذا ما جاء على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تصريحات مع صحيفة «ديفيلت» الألمانية.
وحصلت كل من فرنسا وإيطاليا أخيرا على فرصة جديدة من الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، لتقديم موازنة تتلاءم مع الشروط الأوروبية فيما يتعلق بنسبة العجز التي لا يجب أن تتجاوز نسبة الـ3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، رغم توقعات بأن يصدر جان كلود يونكر رئيس المفوضية الجديدة غرامات على باريس وروما، ولكنه بعث برسالة واضحة إلى كل من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة الإيطالية ماثيو رينزي، بحتمية بذل جهود إضافية.
وفي تصريحاتها للصحيفة الألمانية، أبدت المستشارة ميركل تفهما لقرار المفوضية بمنح فرصة زمنية لكل من باريس وروما لاقتراح تدابير إضافية.
ومن وجهة نظر ميركل، هذا التصرف من جانب المفوضية في بروكسل مبرر لأن كلا من فرنسا وإيطاليا يعمل الآن في مسار للإصلاح، وفي الوقت نفسه تدافع ميركل عن ضرورة ممارسة ضغوط على باريس وروما حتى لا تتفاقم الأمور.
وأشارت إلى أن المفوضية كانت واضحة في رسالتها حتى قالت إن كل ما طرحته فرنسا وإيطاليا حتى الآن من مقترحات لتدابير يُعد غير كافٍ، وألمانيا تتفق تماما مع ما صدر عن المفوضية. وتعد ألمانيا في صدارة أكبر وأقوى الاقتصادات الأوروبية، وتليها فرنسا ثم إيطاليا.
وأصدرت المفوضية الأوروبية تقريرا يتضمن تقييما لمشروعات خطة الموازنة للعام المقبل لـ16 دولة في دول منطقة اليورو، واستثناء اليونان وقبرص لخضوعهما حاليا لبرنامج المساعدة الأوروبي، وجرى التركيز على مدى امتثال تلك الدول لأحكام ميثاق الاستقرار والنمو.
وجاء في التقرير أن 5 دول تتوافق مع ميثاق الاستقرار الأوروبي، وهي ألمانيا وآيرلندا ولوكسمبورغ وهولندا وسلوفاكيا، وهناك 4 دول تخطط من أجل أن تكون متوافقة مع الميثاق، وهي إستونيا ولاتفيا وسلوفينيا وفنلندا، ولكن هناك 7 دول تواجه خطر عدم الامتثال للميثاق الأوروبي، وهي بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا والنمسا والبرتغال.
وقال نائب رئيس المفوضية فالديس دوميروفسكيس المسؤول عن ملف اليورو والحوار الاجتماعي: «على مدى السنوات الماضية جرى إحراز تقدم كبير في مجال استعادة الاستقرار المالي واستدامة المالية العامة، والوقت الحالي هو الوقت المناسب للمضي قدما في إصلاحات هيكلية طموحة لضمان النمو المستدام وخلق فرص العمل، ولهذا نحن بحاجة إلى الالتزام سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو الدول الأعضاء».
وتوقع التقرير أن ينخفض العجز العام في منطقة اليورو، وذلك بعد أن قامت المفوضية الأوروبية بتحليل الوضع المالي العام والموقف المالي في منطقة اليورو، وأشارت إلى أن تراجعا حدث في عام 2013 بالنسبة للعجز في الموازنة بالبلدان الـ16، ولأول مرة منذ عام 2008.