الحد الفاصل بين سوق البترول وأسواق السلع المصنّعة (السيارات كمثال) هو أن السيارات يستطيع أن يصنعها الإنسان بأي كمية يشاء على مدى حياته وحياة أجياله القادمة جيل بعد جيل من غير ان يعتدي جيل مهما زاد استهلاكه للسيارات على نصيب الأجيال الآخرى.
بينما بالنسبة للبترول فإن كل برميل يستهلكه الإنسان الآن سيفقده الى الأبد، وكلما زاد استهلاك هذا الجيل للبترول سيحرم الأجيال القادمة من نصيبها من المورد الذي خلقه الله بكميات محدودة يجب توزيعها توزيعاً رشيداً ليستفيد منها جميع الأجيال.
للأسف الشديد الملاحظ على كتابات ليس فقط بعض الصحفيين (وهم معذورون) بل حتى بعض حملة الدكتوراه في الاقتصاد وبعضهم يقول ان موضوع رسالته للدكتوراة عن البترول نجد أنهم لا يفرقون بين اقتصاديات السيارات واقتصاديات البترول.
السبب واضح إنهم لم يعرفوا (ربما سمعوا ولكن لم يدرسوا) أن الموارد الناضبة لها نظرياتها الخاصة بها ولا ينطبق عليها ما درسوه من مبادىء علم الاقتصاد العام فشروط توازن أسواقها والأهداف التي يسعى مالك المورد الناضب لتعظيمها تختلف عن شروط وأهداف السلع التي ينتجها الانسان.
حتى لا نبخس الناس حقوقهم هذا لا يعني أن جميعهم غير بارعين في تخصصاتهم لكن شأنهم كشأن طبيب الأنف والأذن والحنجرة الذي يفتح عيادته لممارسة علاج العقم لأن زبائنها يدفعون أكثر.
الخلط بين النظريتين ليس قاصراً على بعض الاقتصاديين لدينا بل هو موجود لدى بعض الغربيين كأمثال موريس آدلمان الذي اغتنم أزمة 1973 فتحوّل من شاعر مغمور واستاذ للتاريخ الاقتصادي الى مهاجم شرس (شعرا ونثرا) ضد المملكة ومنظّر رديء لأسعار البترول.
تعالوا نرى بعض المبادىء الأولية لنظرية الموارد الناضبة:
اولًا: يهدف المالك الرشيد للمورد الناضب (الحكومات) الى صرف ايراداته لتحقيق أقصى تنمية حقيقية مستدامة داخل الوطن بأيدي أبناء الوطن (الملاّك الحقيقيون للمورد) لتكون مصدر دخل مستدام للجيل الحالي وما يتلوه من الأجيال القادمة يعوّضهم عن ايرادات المورد بعد نضوبه.
هذا الهدف كان واضح لدى واضعي أهداف خطة التنمية الأولى ومن أجله تم انشاء وزارة التخطيط ولكن الوزارة فشلت في تحقيق مثقال ذرّة من هذا الهدف.
ثانياً: الطريق الرشيد لتحقيق الهدف المذكور أعلاه هو الاكتفاء بإنتاج (الأصح استخراج) البترول فقط بالكميات (عدد البراميل) التي يمكن إنفاق ايراداتها لتحقيق هذا الهدف لأن زيادة استخراج المورد الناضب عن هذا المستوى سيؤدي الى تقصير عمر المورد وتبديد إنفاق إيراداته على مشاريع غير إنتاجية لا تلبث أن تصبح عبئا على اقتصاد البلد فضلا عن استشراء الفساد بجميع أنواعه.
ثالثاً: يترتب على هذا الهدف أن شرط توازن سوق المورد الناضب يختلف تماما عن شرط توازن سوق السيارات فشرط توازن سوق السيارات هو تساوي السعر مع التكلفة الحدية بينما شرط توازن إنتاج البترول هو ان يتساوى معدل ارتفاع سعر البترول تحت الأرض مع معدل إيجاد مصدر دخل بديل فوق الأرض وهذا الشرط يسمى: fundamental principle.
رابعاً: من أساسيات المورد الناضب أن ترتفع أسعاره بمرور الزمن لكي يدخل بترول المناطق ذات التكاليف العالية تدريجياً الى السوق فيخف العبء عن استنزاف بترول المناطق ذات التكاليف المنخفضة لتلبية احتياجات العالم للبترول. ومن العبث أن تحاول دول البترول الرخيص محاربة استخراج البترول العالي التكاليف لأنها ستفقد بترولها ويخلو الجو للبترول عالي التكاليف.
خامساً: من الواضح أن الكثير من المصطلحات يستخدمها البعض في غير مفهومها الصحيح على سبيل المثال فهم يعتقدون ان معدل الفائدة هي سعر الخصم المستخدم لحساب القيمة الحالية. بينما الصحيح ان سعر الخصم للمورد الناضب هو معدل إيجاد البديل للمورد.
الخلاصة: إذا كان معدل إيجاد مصدر بديل للدخل فوق الأرض أصغر من معدل ارتفاع سعر البترول تحت الأرض يجب خفض استخراج المورد والعكس بالعكس صحيح.