Site icon IMLebanon

لبنان والحاجة لاستراتيجية الاقتصاد المتوازن

lebanon-economy
ماجد منيمنة

لا أحد يستطيع أن ينكر بأن هنالك أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية تعصف بلبنان حيث أنها بلغت مستوى مرتفع من التعقيد أدى إلى انهيار دولة بكل مؤسساتها. لقد عمّت الفوضى وساد العنف في ربوع البلاد ، مما جعل الوضع السياسي في هذا البلد لا يسر عدوا ولا حبواً. النظام المنهار تحت ضغط الأحزاب والتيارات السياسية والقوى الخارجية ، والذي دام لعقود ولم يتحقق منه شيء يذكر الا إفقار اللبنانيين ، وظل المنتفعون ، يقاتلون باستماتة كخفافيش الظلام ، من أجل استمرار الوضع الفاسد على حاله وليظل المنتفعون ينهبون المال العام ويفرغون خزينة الدولة من الأموال المكتسبة من جيوب المواطنين.
الحقيقة أن ما يقوم به الزعماء اللبنانيين ، لم يختلف كثيرا عما قام به العديد من رجال الأنظمة المنهارة ، كي تستمر الفوضى في بلدانهم. استمرار الأزمة هي رسالة إلى المواطن البسيط الذي شارك في ثورة الأرز من أجل دحر الاستبداد والمساهمة في بناء أنظمة حكم ديمقراطية تحقق الرفاه والعيش الرغيد لمواطنيها. هذه الرسالة تفيد بأن الحراك الوطني لم يكن في الحقيقة سوى تنفيسة للاحتقان الذي كان قائما لأن الأحزاب والتيارات السياسية ممسكة بكل مفاصل الدولة. ولعل المواطن يندم على مشاركته في تلك الثورة والمسيرات لأن الأمن أصبح اليوم مفقودا ولا أمل في عودته في المدى القريب والكل يريد أن يلعب على هذا الوتر من أجل الابقاء على مصالحه الخاصة.
لا شيء ينذر بأن طبخة انتخاب رئيس الجمهورية موضوعة على نار حامية, لأن البرلمان فشل في الالتآم من أجل الاستحقاق الدستوري فما بالك عن عقد دورات استثنائية لاستكمال ما تبقى من التشريعات. وحتى النخب الحزبية، استكانت في انتظار ما يجود به المقررون السياسيون الدوليون ، وما تكشف عنه السياسة الأقليمية. كثيرة هي المؤشرات التي تنم عن وجود حالة من التفاوت بين الخطاب والواقع، سياسيا، النخب الحزبية تبدو غير جاهزة لهذا الاستحقاق الوطني، والدليل أن حتى مشروع قانون الانتخابات، لم يكن محط نقاش مستفيض، ولا مبادرات جدية من أجل تطوير مفهوم الجمهورية. وحتى الأحزاب، التي تصنف نفسها في خانة الجادة، لم تجد بشيء جديد في ما يتعلق بهذه المسألة الحيوية.
في الشق الاقتصادي، عانى اللبنانيون كثيرا مع هؤلاء المسؤولين، فالحديث عن دور الدولة في إدارة الاقتصاد شابه الكثير من اللغط. فالدولة مطالبة بأن تكف يدها عن التدخل حينما يكون التدخل في غير مصلحتها‏.‏ لكن الدولة يجب أن تقدم الدعم للصناعة وجميع القطاعات الإنتاجية‏.‏ كما يجب أن تتدخل لحماية جانب الطلب وتعزيز قوة المستهلكين كما يجب عليها أن تتدخل لضمان إدارة التنمية في الاتجاه الصحيح لخدمة الفقراء والمعوزين‏.‏
لذلك يجب التشدد على أهمية إعادة هيكلة دور الحكومة لتصبح مشرعاً ومراقباً على أداء السوق والعمل على تنمية علاقة الشراكة مع القطاع الخاص لتأخذ نهج ومفهوم الشراكة الحقيقية المبنية على الثقة والمسؤولية من كلا الطرفين وبناء مفهوم الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص قائم على تطوير نماذج لعقود الشراكة المنهجية نحو التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وتطوير سياسات اقتصادية محفزة لأداء القطاع الخاص وليس استبعاده. فإن تطور القطاع الخاص مرهون بتطور السياسات الحكومية وآلياتها التنفيذية بحسب متطلبات التنمية الاقتصادية، وتهيئة مناخ الأعمال بالشكل الملائم وبما يحقق منافسة حقيقية وعادلة، والقائم على القدرات والإبداع والجودة وليس على الانتماءات السياسية أو الطائفية أو المناطقية، والابتعاد عن استغلال السلطة السياسية للاستحواذ على المشاريع الاستثمارية، بل قد يتطلب الأمر الفصل بين دور الدولة والقائمين عليها وبين دور القطاع الخاص والقائمين عليه.
إن استراتيجية الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص تعتبر مفهوماً طويل الأجل يعمل في إطار نظام متكامل يشمل عدداً من المكونات، كما أن السياسات الاقتصادية المتوازنة التي تخلق بيئة اقتصادية داعمة لعمل القطاع الخاص في إطار الشراكة المستهدفة تمثل الجزء الأساسي لهذه الشراكة، كما أن وجود مؤسسات قطاع عام فاعلة وقوانين وأنظمة ولوائح واضحة لأدوار ومسؤوليات هذه المؤسسات يساهم بشكل كبير في عمل نظام الشراكة، كما أن الموارد البشرية المؤهلة مهنياً وفنياً أيضاً سوف تساعد بشكل فعال في عمل هذا النظام بفاعلية.
ان برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري بمكوناته الثلاثة يعد الترجمة العملية للتوجه الاقتصادي والسياسي في دور الحكومة في تعزيز دور القطاع الخاص في مختلف مجالات التنمية ومستوياتها. فتحرير الاقتصاد من هيمنة الدولة والتثبيت الاقتصادي الذي استهلت به الحكومة برنامجها كان شرطا ضروريا لتحسين الأداء الاقتصادي والتعبير عن التزام الدولة بتوجهها السياسي والاقتصادي المعلن. إذ أن مبدأ التحرير يضمن فك القيود المفروضة من جانب الدولة على مجال السوق في تحديد الأسعار والتجارة ودخول شركات الأعمال المختلفة بحرية في الأنشطة الاقتصادية على أساس قواعد السوق وليس غيرها. أما التثبيت الاقتصادي فهدفه الرئيسي خفض التضخم واستقرار العملة الوطنية واحتواء الخلل في موازين الاقتصاد الكلي المحلي منها والخارجي. وهذان العنصران حيويان وضروريان لكي ينخرط القطاع الخاص في البناء والتنمية.
الاقتصاد المتوازن ليس المقصود منه تدخل الدولة لتحقيق التنمية من خلال نظام‏‏ رأسمالي, بل المقصود منه أن تبادر الحكومة إلى وضع أسس تنظيم السوق وحماية المواطن من جشع التجار وأن تمنع تحول السوق اللبنانية إلى مكب لنفايات العالم بل على الدولة أن تضع الأسس للصناعات الحديثة والمتطورة بما يمكن الاقتصاد من تطوير قدراته التنافسية‏.‏
وأمام هذا الوضع المأزوم، لا حل أمام الحكومة سوى إصلاح المنظومة الاقتصادية بالبلاد، ومباشرة كل ما أفسده الدهر والسياسات العرجاء السابقة وتصفية التركة الثقيلة للحكومات المتعاقبة بكل شجاعة. لقد بات إذن الإصلاح ضرورة ملحة ولم يعد ترفا أو قضية خلافية أومزايدات سياسية، فاتخاذ القرار بات ضروريا لان الوقت ليس في مصلحة احد والتصدي للاختلالات بحسم أفضل كثيرا من تأجيلها ولأن رصيد المواطنين بدأ ينفذ ورصيد الحكومة سوف ينفذ قبل رصيد المواطنين والناس تريد أن تشعر بتحسن ملموس ولو قليلا، خاصة علي صعيد أسعار الغذاء والدواء والماء والكهرباء وتكلفة الحياة عموما ولا تريد الحديث عن وعود فضفاضة حتى لا يتراكم مزيد من الإحباط لدى المواطنين الذي قد يؤدي لا قدر الله إلى انفجار اجتماعي لا يحمد عقباه!