عصام شلهوب
يبدو لبنان اليوم سوقاَ كبيرة للعروض – التي طاولت أصغر السلع الغذائية وأرخصها – نتيجة الأزمة الاقتصادية والانكماش الذي يطاول كل الأسواق والأصناف، ويعتبرها بعض التجار سبيلاً للخروج من الجمود الذي تشكو منه الأسواق لناحية ضآلة البيع، وهذا ما تأكد خلال موسم الأعياد، فحدة الوضع والأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية تشغل الناس جميعاً فيقصرون مشترياتهم على الضروريات.
ويرى بعض الاقتصاديين أن للركود أسباباً محلية وعالمية، وأن التدهور الحاصل يرتبط بسياسة التقشف القائمة وبتراجع المداخيل وهبوط قوتها الشرائية، إلا أن لجميع الناس نظرتهم وحساباتهم… فالصبية التي وقفت في سوبرماركت في بيروت، قرب كمية من منتوجات شركة تعمل فيها، لم تدع سيدة تمر قربها من دون أن تبيعها عرضاً على مجموعة من مساحيق التنظيف مثلاً وقد خفض سعرها قرابة الخمسة آلاف ليرة، بالإضافة الى عرض آخر على الزيوت والحبوب وغيرها من المواد الغذائية. مما سمح لربات المنازل من شراء بما وفروه بشراء كيلوغرام لحم وكيلوغرامي بطاطا، وبالتالي أمّنوا الغذاء لعائلاتهم على حساب باقي المواد…
سمر سيدة تحمل في يدها كيساً يحتوي مواداً اشترتها من السوبرماركت تقول: هذه الأشياء بسيطة، هناك أشياء كثيرة أحتاج إليها لم أستطع شراءها، وتعتبر أن تحسن الوضع الاقتصادي أفضل من العروض.
بعض السوبرماركت الكبيرة الحجم اعتمدت أسلوباًآخر من العروضات فهي تقدم حسماً معيّناً على سلع منتجة بإسمها، وهذا العرض سمح لإحدى السيدات التي قبضت لتوها معاش زوجها التقاعدي وجاءت الى السوبرماركت، تقول العرض جيد، فأنا أحتاج الى علبة ذرة واحدة لكني اشتريت ثلاثاً بسعر اثنين ووفّرت 1500 ليرة من ثمن علبة «جيف»…
وقالت كلير سجعان: الأوضاع التي نعيشها في لبنان «خربت» الأسواق طوال السنة وليس في موسم الأعياد فقط، والتداعيات السلبية التي نعيشها للأزمات المتلاحقة، قلصت عدد المشترين الخائفين مما هو مقبل.
منال العلم التي جاءت بإجازة الى لبنان من المملكة العربية السعودية لتمضية فترة الأعياد لاحظت «أن الناس ليسوا كما كانوا في السابق، فالهمّ والترقب يعيشان في قلوبهم، والخوف يسيطر عليهم بانتظار المستقبل».
واتفقت منال مع مريم الأشقر بأن فرحة العيد تبقى محصورة بالجو العائلي، وأن الناس في السوبر ماركات يعتمدون على العروضات لأنهم يسعون الى التوفير بالمصاريف، وعلى الرغم من ذلك فإن حركة الشراء ضيقة جداً… فالناس خائفون ومن يملك بعض الليرات يخشى صرفها».
اما مسؤولو التعاونيات فيرون أن النّاس يفضلون العرض ويقول بعضهم أن الزبون يفكر في كيلو البطاطا الذي سيحصل عليه في الوقت الراهن خصوصاً وأن كل شيء متوافر.
ويؤكدون أن النّاس متساوون امام العروض، غنياً وفقيراً، وكلاهما يفضل العرض ويبحث عنه.. وهذا ما حدا بصاحب دكان صغير الى إعطاء ربطة خبز هدية مع كل ربطة تباع، علماً أن سعر ربطة الخبز 1500 ليرة، ولا تربح اكثر من 250 ليرة، وتالياً إعطاء ربطة مجاناً مع كل ربطة لا يعوضها الا مبيع خمس ربطات، لكن صاحب الدكان جورج نخلة يقول «لا ابغي من بيع الخبز ربحاً بل اكتسب زبائن والربح يعوض في مواد اخرى».
وحماسة المعلنين لم يعد لها اثر في المستهلكين الذين بدوا مقتنعين أن العرض لم يعد عرضاً ينتهي بعد مُـدّة قصيرة، بل مستمر، خصوصاً أن السوبرماركات وصلت عروضها في بعض الاحيان إلى 60 صنفاً، مع كل كيلو لحم 2 كيلو بندورة أو بطاطا أو زيتون أو زيت.. هذه عينة من النشرات التي تلاحقها اعين المستهلكين في كل ارجاء السوبرماركات أو يسمعونها عبر مكبرات الصوت.
اما المحلات والدكاكين الصغيرة فهي تشكو قلة المشترين، وقلة الحركة والشلل المستمر في كل الأسواق التجارية، وأن فرصة الأعياد غير موجودة. وكل العروض المقدمة لم تسمح باستعادة حركة الأسواق الطبيعية.
ولفت عمر فقيه وهو تاجر احذية إلى أن «اجواء هذا العام أسوأ مما كانت عليه العام الماضي، وعلى الرغم من الحسومات والتنزيلات والعروضات، فالحركة اقل من عادية. والقضايا السياسية والهموم الامنية تضغط على جميع المواطنين»، مؤكداً «إننا نتوجه عاماً بعد عام من سيئ إلى اسوأ».
لكن ما تسعى إليه الشركات من العروض هو تسويق بضائعها الكاسدة قبل انتهاء مدتها قبل أن يداهمها «ابو فاعور» على ما يقول أحد أصحاب هذه الشركات على سبيل المزاح، أو املاً بتحسن البيع او دخول السوق بأصناف جديدة… وهذا الأمر قد لا ينطلي على كل المواطنين إذ يعتبر بعضهم ان العرض عبء إضافي على المستهلك. ويقول أحدهم أن في هذا البيع كثيراً ما يعرض علي ما لست بحاجة إليه. ويكلف مصروفاً ليس في الحسبان. غير أن أصحاب السوبرماركات يؤكدون على أن العروض عملية تشجيع وتنمية للمبيعات، وتعمل الشركات على المساعدة فيها.