أشارت أرقام مصلحة الجمارك أخيراً الى ارتفع عجز الميزان التجاري في لبنان مع نهاية تشرين الاول الماضي الى 14660 مليون دولار مقارنة بـ 14230 مليوناً في الفترة ذاتها من العام الماضي. وذكرت مصلحة الجمارك اللبنانية في تقرير لها أن العجز ارتفع بقيمة 3435 مليون دولار خلال السنوات الأربع الماضية نتيجة لارتفاع قيمة الواردات وانخفاض الصادرات، في وقت ارتفعت قيمة الواردات خلال الاعوام الأربعة الاخيرة بنحو 2779 مليون دولار، فيما انخفضت قيمة الصادرات بنحو 656 مليوناً.
ويعود ارتفاع العجز في الميزان التجاري الى إرتفاع فاتورة الاستيراد حتى نهاية تشرين الاول 2014، الى17 مليار دولار و452 مليوناً في الوقت الذي بلغ فيه حجم الواردات حوالى مليارين و792 مليون دولار. وعلى صعيد سنوي سجلت قيمة الواردات تراجعاً بلغ 208 ملايين دولار بين 2014 و 2013، اذ تراجعت الواردات خلال هذه الفترة من 17 مليارا و660 مليون دولار في تشرين الاول 2013 الى 17 مليارا و452 مليوناً في تشرين الاول 2014، أي بإنخفاض 1.2%.
وفي سياق متصل، توقع تقرير معهد التمويل الدولي “Global Economic Monitor”، أن يصل العجز في الميزان التجاري اللبناني نهاية السنة الجارية الى حوالى 4 مليارات دولار مقابل 5 مليارات نهاية العام 2013، ليعود ويرتفع الى 5 مليارات دولار مجددا في 2015. وحذر معهد التمويل من اي توسع لرقعة التوترات القائمة حالياً في سوريا والعراق على حركة التجارة الخارجية في الدول المحيطة بهما، ومنها لبنان.
ويشهد الميزان التجاري اللبناني عجزًا هيكليًا تاريخيًا ينتج من سلسلة اسباب، أهمها طبيعة البنية الصناعية التي لا يمكنها تلبية كل حاجات الاستهلاك الداخلي، بالاضافة الى ضعف القدرة التنافسية للعديد من المنتجات الصناعية اللبنانية في الأسواق الإقليمية والعالمية، باستثناء بعض الصناعات التحويلية والغذائية. ويعود الضعف في التنافسية الذي تعاني منه العديد من الصناعات اللبنانية، إلى التكاليف الباهظة التي تتكبّدها هذه الصناعات للحصول على عوامل إنتاجها، وأهمها كلفة رأس المال واليد العاملة، والمواد الأولية والطاقة مع غياب التعرفات التفضيلية. من هنا يسعى القيمون على القطاع الصناعي الى خفض تكاليف عوامل الإنتاج، وتطبيق سياسات اقتصادية محفّزة من شأنها تشجيع المؤسـسات على الاستثمار في معدات حديثة ومتطوّرة وذات تقنيات عالية، ما يحسّن الإنتاج ، ويسمح بخفض الأسعار وتسهيل ترويج الإنتاج في الأسواق المحلية، والعالمية. ومن الخطوات التي يجب العمل عليها أيضاً لرفع أحجام الصادرات اللبنانية خفض العجز التجاري اللبناني، الاستثمار في رأسمال البشري عبر إعداد الكوادر البشرية وتطوير مهاراتها في استعمال الأساليب التسويقية الحديثة والتقنيات المتطورة بالاضافة الى تفعيل القدرات الإبتكارية، والتكنولوجية.
في سياق متصل، وفي ظل المنافسات الشديد التي تشهدها الاسواق العالمية وإرتفاع أحجام الحواجز التي أصبحت تصعب أكثر فأكثر عملية إختراق البضائع والصناعات لهذه الاسواق، للإستفادة من حصص سوقية منها، بات من المهم جدا مطابقة الصناعات والخدمات اللبنانية لمواصفات ومعايير الجودة المعروفة عالميًا عبر حصولها على شهادة الـ International Organization for Standardization (ISO)، لتتمكن من اختراق هذه الأسواق، لكون المنافسة بالجودة أصبحت تساوي وتضاهي المنافسة بالأسعار الى حد كبير.
ولابد من التوضيح، بأن الخلل الذي تعاني منه التجارة الخارجية في لبنان، يوصف بالهيكلي، ويمكن معالجته عبر تقديم التحفيزات للمستثمرين والمنتجين اللبنانيين، بالاضافة الى ترشيدهم نحو كيفية تحسين نوعية وعملية إنتاجهم عبر رفع المواصفات وخفض “الأكلاف” وتحسين القدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية (وهذا ما تسعى اليه اليوم مؤسسة تشجيع الاستثمارات في لبنان “ايدال” وشركة كفالات عبر تقديم الحوافز المالية والادارية للمستثمرين) بالاضافة الى العمل على فتح أسواق جديدة لهذه المنتجات تكون أسواقاً إستهلاكية على المدى الطويل للمنتج اللبناني وليس ظرفية. كذلك يجب العمل على إعادة ترشيد الصناعات اللبنانية نحو صناعة المنتجات ذات القيمة المضافة التي تتناسب مع الطلب الداخلي حتماً ولكن أيضا مع الطلب الخارجي. ويبقى الاهم في هذا الملف، هو توفير الاستقرار السياسي والأمني في لبنان لتفعيل العجلة الاقتصادية التي تُشكل حتماً منطلقاً إيجابيا نحو خفض، ليس العجز التجاري فحسب، وإنما كل أنواع العجز التي تعاني منها القطاعات اللبنانية.