Site icon IMLebanon

أسعار السلع في لبنان لا تتحرّك إلا صعوداً…الاحتكار يرفعها 30%

RetailMarkets
فراس أبو مصلح
للأسعار في لبنان اتجاه واحد، تصاعدي، لا يعكس ديناميات العرض والطلب والأسعار العالمية، كما في أنظمة «الاقتصاد الحر»؛ ذلك أن الاقتصاد المحلي احتكاري بامتياز، ما يفسر الارتفاع الدائم لمؤشرات الأسعار، حتى حين تنخفض الأخيرة عالمياً، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، مشيراً إلى أن انخفاض أسعار المشتقات البترولية أخيراً ما هو إلا الاستثناء التي يثبت القاعدة، إذ إن أسعار النفط «معروفة عالمياً، فيصعب إخفاؤها».

لا تزال جمعية حماية المستهلك تعمل على إعداد مؤشر أسعار المستهلك للفصل الأخير من السنة الجارية، لكن «الواضح أن لا تراجع في الأسعار حتى الآن، باستثناء أسعار مشتقات النفط والغاز»، يقول رئيس الجمعية برو. كان من المتوقع أن تنخفض الأسعار في السوق المحلي بالتوازي مع انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية نتيجة المسيرة الانحدارية لأسعار النفط الخام، حيث انخفض سعر الأخير منذ شهر تموز وحتى شهر تشرين الثاني من العام الجاري بحوالي 33%، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، فهبط معدل سعر برميل النفط بمختلف أنواعه من ما يفوق 100 دولار إلى ما دون 60 دولاراً في الفترة نفسها. يسد لبنان معظم حاجاته الاستهلاكية عن طريق الاستيراد، ما يحدو لتوقع انخفاض الأسعار محلياً كانعكاس لانخفاضها عالمياً، غير أن الاحتكارات القابضة على السوق المحلي لم تسمح بتدني الأسعار إلا بنسبة -0.09% بين شهري تموز وتشرين الثاني، بحسب أرقام إدارة الإحصاء المركزي، التي تُظهر أن الأسعار سجلت في شهر تموز من العام الجاري ارتفاعاً بنسبة 0.2%، والنسبة نفسها في آب، لتنخفض بنسبة -0.2% في أيلول، وتعاود الارتفاع بنسبة 0.18% في تشرين الأول، لتنخفض بنسبة -0.44% في تشرين الثاني.
باتت قصة سعر ربطة الخبز «كلاسيكية» في هذا الإطار، إذ ارتفع سعرها بحوالي 310% منذ عام 2000، حين كان وزنها 2000 غرام وسعرها 1000 ليرة، ليصبح وزنها الآن 900 غرام وسعرها 1500 ليرة؛ فهل ارتفعت أسعار الطحين والنفط (مدخلَي الإنتاج الرئيسييَن لهذه السلعة) بالمعدل نفسه؟ «طبعاً لا»، يقول برو، لافتاً إلى أن أصحاب الأفران، بعد انخفاض أسعار النفط، باتوا يتذرعون بارتفاع سعر طن النايلون بحوالي 300 دولار لتبرير رفضهم خفض سعر ربطة الخبز، علماً أن كلفة النايلون بالكاد تصل إلى 1% من كلفة الربطة، مقارنة بـ30% للطاقة، يقول برو! وفي الواقع، وبعدما بلغ المتوسط السنوي لسعر طن القمح الأميركي القاسي 330 دولاراً عام 2011، انخفض المتوسط إلى 327 فـ 322 فـ303 دولاراً في الأعوام 2012 و2013 و2014 على التوالي، بحسب مجلس الحبوب العالمي! وبالإجمال، وبعدما وصلت قيمة مؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره منظمة الغذاء والزراعة العالمية FAO إلى 229.9 نقطة عام 2011 (يشمل المؤشر أسعار سلة من أصناف اللحوم ومشتقات الحليب والحبوب والزيوت النباتية والسكر)، شهد المؤشر مسيرة انحدارية منذ ذلك التاريخ حتى أواخر السنة الجارية، حتى وصلت قيمته في شهر تشرين الثاني الماضي إلى 192.6 نقطة!
ترى جمعية حماية المستهلك أنه لا يمكن حل مسألة عدم انعكاس انخفاض الأسعار عالمياً على الأسعار التي يفرضها التجار محلياً في ظل استمرار هيمنة الاحتكارات على السوق المحلي، يقول برو، مشيراً إلى ضرورة إقرار قانون المنافسة ومنع الاحتكار «الموجود على طاولة مجلسَي النواب والوزراء منذ أكثر من عشر سنوات، الذي يجري تعطيله باستمرار». لبنان واحد من بلدين فقط في العالم لا يزال يعتمد نظام الوكالات الحصرية، على الرغم من أن استمرار الأخيرة «يناقض الاتفاقية التي وقعها لبنان مع الاتحاد الأوروبي، والتي تنص على ضرورة إنهاء كل أشكال الاحتكارات، بما فيها الوكالات الحصرية»، بحسب برو، الذي يضيف أنه برغم ورود نص صريح بهذا المعنى في المادة 37 من الاتفاقية المذكورة الموقعة منذ عام 2008، لا يمارس الأوروبيون ضغوطاً لتطبيق هذا البند من الاتفاقية بالتحديد، برغم مطالبة جمعية حماية المستهلك وجمعية الصناعيين بالتحرك في هذا الاتجاه.
يعني الاحتكار زيادة في الأسعار مقارنة بالدول المجاورة بنسبة تقدرها منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي بحوالى 30%، يقول برو، لافتاً في هذا الإطار إلى أن أبرز مهمات المجلس الوطني لحماية المستهلك الذي ينص على إنشائه قانون حماية المستهلك القابع في أدراج مجلسَي الوزراء والنواب منذ سنوات، هو متابعة الأسعار والتدخل من أجل الحد من ارتفاعها، وأيضاً «الادعاء على القطاع الخاص» إذا تراجعت الأسعار عالمياً وامتنع الأخير عن خفضها محلياً. من شأن إقرار قانون حماية المستهلك وإنشاء مجلس ومحكمة المستهلك الحد من تفلت التجار؛ أما تعطيل إقرار القانون المذكور على يد الأفرقاء السياسيين كافة، فهو أمر «مقصود لحماية التجار و(التغاضي) عن ممارساتهم»، يقول برو، مشيراً إلى أنه «في الدول الرأسمالية الكبرى، تتدخل الدولة دائماً عند الأزمات، أو عندما ترى مغالاة في اتجاه ما، ولا تتذرع بـ(مقولة) الاقتصاد الحر». وعلى أي حال، النظام اللبناني «نظام احتكارات، لا نظام حر»، يقول برو، لافتاً في هذا الإطار إلى قيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2009 بـ»الضغط على المتاجر الكبرى (لدفعها إلى) خفض الأسعار، تحت طائلة تدخل الدولة»، ما أدى إلى تجميد الأسعار؛ لذا «على الدولة لا التجار تسيير البلد»، يجزم برو.