التراجع الحاد في أسعار النفط يعتبر بشرى سارة تقليديا بالنسبة للاقتصاد العالمي ولمستوردي النفط في العالم المتقدم. لذلك هناك أسباب للابتهاج بانخفاض الأسعار إلى النصف تقريبا منذ ذروتها في حزيران (يونيو) الماضي. الميزة الإضافية بالنسبة للغرب تعتبر جيوسياسية: بعض الأنظمة الأقل جاذبية في العالم – روسيا وفنزويلا وإيران – لحقت بها خسائر فادحة نتيجة تقلص عائداتها النفطية، على الرغم من أن أي ارتياح يجب تخفيفه من خلال الاعتراف بأن الاقتصادات المنهارة يمكن أن تدفع الأنظمة الضالة إلى مغامرات سياسة خارجية خطيرة.
هناك أسباب اقتصادية، أيضا، للتفكير في أن هذا الانخفاض في أسعار النفط قد يكون أقل فائدة للنمو مما كان عليه في الماضي، لأسباب ليس أقلها أن اقتصاد منطقة اليورو يواجه الانكماش. وانخفاض أسعار النفط يضيف إلى الضغوط الانكماشية. ومع ذلك، الغرائز النقدية فائقة الحذر لدى البنك المركزي الألماني تقيد قدرة البنك المركزي الأوروبي على معالجة المشكلة – خذ مثلا تحركات البنك المركزي الأوروبي مثل السلطعون نحو التسهيل الكمي الكامل، بما في ذلك شراء السندات السيادية.
يمكن لبلدان شمالي أوروبا المجادلة بأن التجربة اليابانية التي تظهر التهديدات الانكماشية هي تجربة مبالغ فيها. كان الانكماش في اليابان معتدلا ونصيب الفرد من النمو كان بصحة جيدة على مدى العقدين ونصف الماضيين منذ انفجار الفقاعة اليابانية. في ذلك الوقت انخفضت مدخرات الأسر إلى مستويات لا تذكر، الأمر الذي لا يكاد يشير إلى وجود عقلية انكماشية، حيث أرجأ المستهلكون عمليات الشراء على أمل انخفاض الأسعار. العقلية الانكماشية تعتبر أكثر وضوحا في قطاع الشركات حيث كانت الشركات تمتنع عن الاستثمار وتدخر من أجل الفائض، لكن يمكن بسهولة معالجة ذلك من خلال ترقيع النظام الضريبي.
وحتى مع ذلك، الوضع السكاني في اليابان، التي لديها أكبر عدد من السكان المسنيين بين الدول المتقدمة الكبيرة، تجعل المقارنات المحتملة مضللة. الرقم الصافي لادخار الأسر قد يجمع بين الظواهر المتباينة – جيش متزايد من المتقاعدين يستخدمون مدخراتهم بشراسة لتكملة المعاشات التقاعدية الهزيلة، في حين إن القوى العاملة المتقلصة تؤجل الاستهلاك بسبب المخاوف المستمرة من الانكماش.
في هذه الأثناء، الانكماش في منطقة اليورو هو بالفعل حقيقة واقعة بالنسبة للبلدان التي تعرضت لأكبر الأضرار، بل هو أيضا يلوح في الأفق بالنسبة للاقتصادات الأقوى من الناحية الصحية. والخطر يكمن في أن التوقعات الانكماشية تصبح راسخة لدرجة أنها يمكن أن تحقق ذاتها بذاتها، بحيث يؤدي تراجع الإنفاق إلى تراجع التضخم أو انخفاض الأسعار.
باري أيكنجرين، المختص الاقتصادي الذي حلل الكساد العظيم في الثلاثينيات، يشير إلى أن التوقعات الانكماشية يمكن أن تتحول إلى توقعات تضخمية – وبالتالي تعمل على تشجيع مزيد من الإنفاق – فقط من خلال إيجاد سياسات تشتمل على الصدمة والرعب. ومن الضروري اتخاذ تدابير جذرية لإقناع الأسر والشركات بأن المستقبل سيكون مختلفا عن الماضي.
في تموز (يوليو) عام 2012، أظهر ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، ما يمكن أن يتحقق عن طريق الصدمة والرعب، من خلال التزامه بعبارته الشهيرة بأنه سيفعل “كل ما يلزم” لوقف تفكك الاتحاد النقدي. اليوم، الصدمة والرعب تعني الالتزام بالتحرك نحو التسهيل الكمي الكامل على الطريقة الأمريكية. ومن الصعب أن نرى كيف يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يبلغ رقم التضخم المستهدف، الأدني من 2 في المائة، لكن على مقربة منها، ولا سيما مع هبوط سعر النفط الآن. ومع ذلك، البنك المركزي الألماني يشكل عقبة كبيرة أمام مثل هذا الالتزام، بسبب شعوره بالقلق من آثار التضخم، على الرغم من الركود في اقتصاد منطقة اليورو.
في نفس الوقت، يخشى شمالي أوروبا من أن يجعل التسهيل الكمي الكامل من السهل على الحكومات تأجيل تصويب الأوضاع في المالية العامة والإصلاح الهيكلي. لكن كليهما يعتبر تضخميا في المدى القصير. في اقتصاد يعاني ركودا كبيرا، أصحاب العمل سيخفضون الأجور، في حين إن زيادة المنافسة من شأنها أن تسبب انخفاضا في أسعار السلع. هناك بطبيعة الحال حجة منطقية لمصلحة تصويب أوضاع المالية العامة والإصلاح الهيكلي، لكن دول شمالي أوروبا تفشل في إدراك أن هناك مشكلة في التسلسل. هذه السياسات لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا قهر التنين الانكماش أولا.
ويحتاج برنامج شراء السندات الحكومية إلى أن يكون كبيرا وصادقا إذا أردنا أن تكون له أي فرصة في النجاح – وهو أمر سيكون صعبا في اقتصاد منطقة اليورو الذي يهيمن عليه الإقراض المصرفي. بدلا من ذلك البنك المركزي الأوروبي مكتوب عليه من قبل الثقافة الأوروبية الشمالية أن يتوخى الحذر المالي والسياسة النقدية المتدرجة. وما لم يجد دراجي وسيلة للخروج من هذا المأزق السياسي المستعصي، فإن نصيب البنك المركزي الأوروبي غير المريح سيكون إلى الأبد هو إعطاء القليل دون الحد، وبعد فوات الأوان.