دخلت مسألة الإيجارات القديمة مرحلة جديدة في مسار تدخّل الدولة لإعادة التوازن إلى العلاقة بين المالكين والمستأجرين. فالمالكون القدامى باشروا تطبيق القانون الجديد للإيجارات مستندين إلى آراء حقوقيّة عديدة في لجنة الإدارة والعدل، أبرزها لرئيسها روبير غانم الذي يعتبر ان القانون نافذ بعدما ردّ المجلس الدستوري الطعن به واكتفى بالإبطال الجزئي لمادتين وفقرة منه (7 و 13 والفقرة ب-4 من المادة 18).
وفي معلومات خاصّة لـ”النهار”، فإنّ قضاة الأمور المستعجلة بدأوا إصدار أحكامهم بردّ الدّعاوى التي تقدّم بها وكلاء المالكين ضدّ المستأجرين وفق قانون الموجبات والعقود بحجّة انتهاء العمل بالقانون الاستثنائي القديم للإيجارات 92/160 في 31 آذار 2012 وعدم لجوء مجلس النواب إلى تمديد العمل به في ظلّ العمل على إصدار القانون الجديد الذي صوّتت عليه الهيئة العامّة بعد عامَين في 1 نيسان 2014. ولا شكّ في أنّ هذا الإهمال القانوني لتلك الفترة من قبل مجلس النواب أدخل القضاء في حالة من الإرباك نتيجة الحملة التي قام بها المالكون وتقدّموا بموجبها بمئات الدعاوى القضائيّة في مهلة قصيرة.
إزاء هذا الواقع، باشرت نقابة المالكين التحضير لتطبيق القانون الجديد للإيجارات باعتبارها الورقة الأفضل للدفاع عن الحقوق، وخصوصاً بعد انتهاء العمل بالقانون القديم، وعجز النواب الطاعنين بالقانون الجديد عن تعطيل نفاذه في لجنة الإدارة والعدل، في ظلّ إصرار نواب آخرين، أبرزهم سمير الجسر ونعمة الله أبي نصر وغسان مخيبر على اعتباره نافذًا وفق الأصول التشريعية. وهي لهذه الغاية تقوم بحملة عبر لجنتها القانونية تشرح فيها لرؤساء الهيئات الحقوقية في الأحزاب موقفها من نفاذ القانون، كما أنّها وجّهت كتباً إلى المراجع الدينية تعلمهم فيها بوجوب تطبيق القانون في المباني العائدة إلى الأوقاف الدينية.
وعن خطوات التطبيق، قال رئيس تجمّع المالكين باتريك رزق الله لـ”النهار”، إنّ النقابة قامت بتوزيع كتيّبات على المالكين شرحت فيها آليّة التطبيق بكل مراحله، وخصوصاً مرحلة التطبيق الرضائي بحسب المادة 18 من القانون الجديد بالاتفاق بين المالك والمستأجر على بدل تخمين المأجور لاحتساب بدل المثل وفق القيمة الـتأجيرية التي تبلغ في بنود القانون الجديد نسبة 5% من القيمة الإجماليّة لسعر المأجور. وقد باشر عدد من المالكين والمستأجرين بتوقيع هذا الاتفاق الذي وزّعته النقابة أيضاً وفيه جدول الزيادات على البدلات طيلة السنوات التسع المقبلة، وذلك استناداً إلى المادة 15 من القانون الجديد وفق ما أكّد رزق الله. أما المرحلة الثانية، فهي المرحلة التي يلجأ فيها الطرفان إلى خبراء في التخمين العقاري لتخمين قيمة المأجور وقيمة بدل المثل. وفي هذا الإطار، أكّد رزق الله أنّ ثمة مفاوضات تجري مع نقابة خبراء التخمين العقاري للاتفاق على كلفة مقبولة للتّخمين وخصوصاً أنّ الطرفين غير قادرين على تحمّل التّكاليف الكبيرة. وفي حال نشوء نزاع بينهما، اشار رزق الله الى أنّ القاضي المنفرد المدني في القضاء هو المرجع الصالح لبتّ الدعاوى وذلك وفق أحكام المادة 50 من القانون الجديد. وأشار رزق الله إلى ورود عشرات المراجعات اليومية إلى اللجنة القانونية في النقابة والتجمع لمباشرة آليّة التطبيق.
بدورهم، يبقى المستأجرون عند موقفهم الرافض لتطبيق هذا القانون المجحف والتهجيري بحسب وصفهم، ويصرون على ما قاله رئيس مجلس النواب نبيه بري أمامهم بأن القانون مجمّد حتى يتم تعديله، في الوقت الذي يؤكد فيه المستأجرون أن مراجع دستورية رفيعة المستوى كانت وما زالت عند رأيها حول عدم إمكان تطبيق القانون بلا المواد والفقرات التي أبطلها المجلس الدستوري.
وفي سياق متصل، من المتوقّع أن تباشر لجنة الإدارة والعدل في بداية السنة المقبلة البحث في الاقتراحات المقدّمة أمامها لتعديل القانون أو ترميم المواد الثلاث التي أبطلها المجلس الدستوري على أمل الوصول إلى حلول ترضي الطرفين، رغم الانقسامات والإختلافات في الآراء داخل هذه اللجنة حول دستورية القانون. وفي النهاية يبقى السؤال: هل سيستطيع المالكون فعلياً تطبيق القانون الجديد؟ وفي حال صدور الاحكام، هل يُمكن تطبيقها مع ما تحمله من مخاوف أمنية وإجتماعية؟