IMLebanon

رأسماليات صاعدة في أوروبا الوسطى وجنوب شرق آسيا

EmergingCapitalism
يكثر الحديث في الفترة الأخيرة عن الدول التي يتم توصيفها بـ «الصاعدة» وعن دورها في الاقتصاد العالمي اليوم…وغداً. وإذا كان النقاش يتركز على عدد من البلدان الكبرى وفي مقدمتها الصين والهند والبرازيل فإن دولا أخرى تسترعي انتباه بعض الباحثين الذين يهتمون بشكل رئيسي بمناطق أخرى من العالم.

هكذا يكرّس الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي والأستاذ في جامعة برلين «فرانسوا بافوال» كتابه الأخير للبحث عن «الرأسمالية الصاعدة في أوروبا الوسطى وجنوب شرق آسيا»،كما يقول عنوانه، وسرعان ما وجد هذا الكتاب اهتماما كبيرا في العالم الأنجلوسكسوني.

هذا الكتاب ليس عن الصين، كما قد يتبادر إلى الذهن من خلال ذكر تعبير جنوب شرق آسيا في عنوانه. ولكن الدول المعنيّة فيه هي، من جهة، تلك الواقعة في أوروبا الوسطى التي كانت تدور قبل سقوط جدار برلين وانهيار الشيوعية في فلك الاتحاد السوفييتي السابق، ثم انضمّ عدد كبير منها في إطار الاتحاد الأوروبي بعد انهيار الكتلة الاشتراكية.

ومن جهة أخرى بلدان جنوب شرق آسيا المنضوية في إطار «مجموعة أمم جنوب شرق آسيا» التي كانت قد خضعت بأغلبيتها للسيطرة الاستعمارية «الغربية» أو للإمبريالية «السوفييتية». ويتعرّض المؤلف لاقتصاد هذه البلدان «الصاعدة» في منظور المقارنة بين النموذجين.

إن المؤلف يدرس هذه الدول من خلال أربعة محاور رئيسية يتألف منها الكتاب. يخص المحوّر الأوّل « رأسمالية السوق والشيوعية والاستعمار» حيث يتم التعرض لشرح مسار التطوّر الذي عرفته «الأنماط التقليدية» للرأسمالية وبالتوازي مع ذلك دراسة تطوّر الاقتصاد «من النموذج السوفييتي». وهذا فصل ذو نزعة تاريخية واضحة حيث يتم التركيز على محاولة فهم الماضي القريب للإضاءة على الحاضر.

والمحوّر الثاني يحمل عنوان « رأسماليات سياسية ودول نفعية » وهنا تم دراسة كيفية «تعبئة الأسواق في ظل الأنظمة الشيوعية في أوروبا الوسطى» و«الزعامة المستبدّة والدول النفعية في جنوب شرق آسيا».

ويجد المؤلف أن الدول المعنيّة تجد قوتها، رغم افتقارها إلى مؤسسات التنمية المحليّة وعلى مصادر تلك التنمية، من خلال انفتاح سوقها على الاستثمارات الأجنبية. والإشارة أن مثل ذلك الانفتاح مشروط بالتفاوض مع «المجاميع الإقليمية» المتمثّلة بالاتحاد الأوروبي بالنسبة لدول أوروبا الوسطى وبمجموعة أمم جنوب شرق آسيا بالنسبة للمنطقة المعنيّة.

ويكرّس المؤلف المحور الثالث لدراسة «الأسواق الصاعدة» حيث يبحث في «الدروس من عملية التوحيد الاقتصادي والاجتماعي الألماني» بعد سقوط جدار برلين. و«خطط السوق المفتوح في جنوب شرق آسيا». الفصل الختامي موضوعه «بناء الرأسماليات الإقليمية» وهنا يميّز المؤلف بين الدول القوية والدول الضعيفة وبين المناطق القوية والمناطق الضعيفة وصولا إلى الحديث عن «قوّة الضعفاء».

ويتمثّل التوصيف الأساسي الذي يتبنّاه المؤلف من أجل توصيف «رأسمالية» تلك البلدان في نعتها بـ «الرأسمالية السياسية». وهو يحدد عدّة نماذج من هذه الرأسمالية السياسية التي يمكن أن تكون استعمارية أو تمثلها دولة اشتراكية تفتح اقتصادها على المنافسة أو حتى لبرالية على غرار النموذج السائد في سنغافورة.

في المحصّلة يقوم المؤلف على مدى صفحاته بعملية مقارنة بين المسارات الوطنية المتباينة، وأحيانا المختلفة، بين دول أوروبا الوسطى ،الشيوعية سابقا، وبين دول جنوب شرق آسيا التي عانت من تجارب ذات طابع استعماري. ومن خلال المقارنة يبيّن التداخل بين مفاهيم السوق وواقع البيروقراطية وأشكال السيطرة السياسية. وواقع تداخل ذلك كلّه مع الشركاء الأجانب.