مّر عام 2014 دون وقوع كارثة فعلية فى الاقتصاد العالمي، ولكنه كان الأسوأ ضعفت معه الاقتصادات الكبرى، وكادت تتوقف الاقتصادات الناشئة، حيث شهدت معدلات نمو الناتج العالمى فى العام الحالى هبوطًا.ترجع التوقعات ان يكون نمو الاقتصاد العالمى 3.3٪ فى 2014 وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولى التى عرضها اوليفييه بلانشار كبير الخبراء الاقتصاديين لدى الصندوق فإن الزيادة فى معدل نمو الاقتصاد العالمى بفضل انخفاض النفط ستتراوح بين .3٪ و .7٪ فوق خط الاساس لتنبؤات الصندوق للنمو العالمى والبالغ 3.8٪.
هبوط أسعار الذهب .. يجرح المعدن النفيس
تهاوت أسعار الذهب عالميا لأدنى مستوى لها منذ أربعة سنوات حيث وصل سعر الأوقية إلى 1154 دولارا، وسط تراجع واضح فى الطلب على المعدن الأصفر، وزيادة حركة التخلص منه من قبل المستثمرين بالبورصة العالمية، وحتى نهاية العام 2014 قد تهبط أسعار الذهب إلى 1000 دولار للأوقية، وذلك لأول مرة منذ عام 2009، وكان ذلك تأثراً بالحالة الاقتصادية المتراجعة عالميا، وعدم استقرار أسعار النفط، إضافة إلى التذبذب فى أسعار العملات الدولار واليورو، وتفاعلات أسواق الأسهم وخاصة فى أعقاب الخطوة المفاجئة التى اتخذها بنك اليابان المركزى لتوسيع برنامجه للتيسير الكمي، وهو ما أدى إلى تراجع الين الياباني، والدعم القوى الذى حصل عليه الدولار فى بيانات الناتج المحلى الإجمالى الأمريكي.
انهيار أسعار النفط .. هل أفلت زمام التحكم ؟
خسرت أسعار النفط حوالى 50٪ من قيمتها منذ منتصف يونيو الماضى بسبب ارتفاع العرض ووجود فائض فى الإمدادات، وارتفاع قيمة الدولار، وضعف الطلب فى ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، وبعد أن سجلت أسعار النفط ارتفاعا فى مطلع العام الجارى حتى وصلت إلى 110 دولارات للبرميل نتيجة إلى قيام العديد من الشركات وبخاصة فى الولايات المتحدة الامريكية، وكندا باستخدام تقنيات حديثة لاستخراج النفط من أعماق الأرض، أو استخراج النفط الصخرى لأنه أصبح مجديًا من الناحية الاقتصادية، وهو ما نتج عنه ضخ حوالى 4 ملايين برميل إضافى من النفط إلى الأسواق، إضافة إلى ذلك عودة بعض المصدرين للتصدير من جديد بكميات أكبر فى بعض الدول، مثل: ليبيا، والعراق، واستيلاء تنظيم داعش الإرهابى على حقول نفط سورية ومحاولة السيطرة على مصافى نفط عراقية بالتزامن مع تراجع الطلب على النفط من الاقتصادات الكبرى فى آسيا الصين واليابان ومعهما ألمانيا، وبالتالى أصبحت هناك تخمة فى الأسواق، وتراجع على الطلب، وهو ما أدى إلى انخفاض سريع فى الأسعار حتى وصل انهيارها قرب نهاية العام إلى نحو نصف سعر البرميل.
وفى مثل هذه الحالة فإن هناك اختيارين لدى الدول الكبرى المنتجة للنفط، إما أن تقلص إنتاجها من النفط لترتفع الأسعار من جديد ولكن فى هذه الحالة هى تخاطر بخسارة حصتها من السوق، وقد لا يلتزم آخرون بالتخفيض بل يزيدون الإنتاج لأخذ هذه الحصة فتبقى الأسعار منخفضة وتخسر الجهة التى خفضت الإنتاج، أو الاختيار الثانى أن تحافظ على كمية إنتاجها للحفاظ على حصتها فى السوق مقابل تحملها للخسائر الناجمة عن ذلك الهبوط الملحوظ فى الأسعار إلى أن تتوازن قوى العرض والطلب، ولكن ما حدث بالفعل هو أن أغلب الدول المنتجة للنفط بقيت تتنافس فى تخفيض الأسعار للحفاظ على الطلب على نفطها، والاستمرار فى الإنتاج فى الوقت الذى يتراجع فيها الطلب نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي، وتباطؤ وانكماش نشاط القطاع الصناعى فى الصين للمرة الأولى بما يشير إلى مزيد من الضعف فى أكبر الاقتصادات العالمية، إضافة إلى التوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي، وبالتالى يستمر الخلل فى ميزان العرض والطلب معلنًا معه انهيار أسعار النفط.
تراجع تاريخى للعملات الكبرى
هبط الدولار الأسترالى إلى أدنى مستوياته فى أربع سنوات ونصف مع انخفاض أسعار حديد التسليح فى الصين بسبب ضعف الطلب من قطاع العقارات هو ما ساهم فى تراجع الدولار الأسترالى الذى هبط بالفعل بعد صدور البيانات الصينية، كذلك هبط اليورو إلى أدنى مستوياته منذ 28 شهرا قبل إجراء جولة ثانية من التصويت على منصب رئيس الدولة فى اليونان، فى حين أن العملة الروسية الروبل انهارت بنحو 45٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام بسبب انخفاض أسعار النفط والعقوبات الأوروبية على موسكو، وأدى انهيار الروبل الذى لا سابق له إلى زعزعة الاستقرار، وتسارع وتيرة التضخم الذى يقارب الـ 10٪ على أن تؤدى الزيادة الملحوظة لمعدلات الفائدة من قبل المصرف المركزى والتى بلغت 17٪ فى مقابل 10.5 ٪ إلى رفع كلفة القروض مما يزيد من مخاطر دخول روسيا فى حالة مستمرة من الانكماش خاصة بعدما منح البنك المركزى الروسى 30 مليارروبل لمصرف لمنعه من الإفلاس، وتعد هذه أول عملية إنقاذ لمصرف روسى منذ انهيار قيمة الروبل.
الضربات تنهال على الدول الكبرى من الداخل والخارج
يواجه الاقتصاد الصينى عدة أزمات جعلت 2014 هو الأسوأ منذ 5 سنوات، فانخفض معدل النمو إلى 7٪ وهو أضعف أداء للاقتصاد الصينى منذ الأزمة المالية ليدخل الاقتصاد فى مرحلة تباطؤ ملحوظة انتقلت من الهبوط الحاد فى أسعار العقارات بسب التقييم المبالغ فيه للأسعار خلال الأعوام الماضية، وهبطت أسعار العقارات بنحو 2.5٪، وهى أكبر نسبة للتراجع منذ أكثر من 4 أعوام، وهى ما تشكل خطرًا على البنوك التى تعتمد على وجود عقارات كضامن للقرض، ويعنى تراجع أسعار العقارات بشكل كبير
عدم وجود ضامن لسداد هذه القروض، ما يهدد بحدوث أزمة تشبه الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 .
أدى الركود الاقتصادى فى أوروبا واليابان إلى تراجع نشاط المصانع الصينية بأكثر من المتوقع وتباطؤ نمو الصادرات، وانخفاض معدلات الاستهلاك المحلي، وهو ما أدى لتباطؤ نمو الاقتصاد بشكل كبير خلال العام الحالي، فضلاً عن أن هناك عددا من الشركات الصينية تواجه تعثر فى سداد ديونها وهى ظاهرة لم تحدث من قبل، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن ديون الشركات.
بعد أن فشل البنك المركزى الروسى فى محاولاته لضمان استقرار العملة بشرائه الروبل من الأسواق ورفعه معدلات الفائدة بوتيرة متسارعة أمام انهيار أسعار النفط والمخاوف من تنفيذ العقوبات المتعلقة بأوكرانيا، بالتالى سيتراجع الاقتصاد الروسى بنسبة 4٪ والذى سيؤثر بدوره على الاقتصاد الألمانى التى انخفضت صادراتها بشكل حاد إلى الأسواق الروسية، إضافة إلى ذلك فإن تعثر اقتصاد اليابان بعد زيادة الضريبة على الإنفاق الاستهلاكي، والارتفاع الهائل فى الديون، وتعرض منطقة اليورو لخطر الكساد، والمشكلات الاقتصادية المستمرة فى الولايات المتحدة التى على الرغم من خروجها من الأزمة المالية العالمية ولكن معدلات النمو بالكاد أن تتحرك إيجابيا بدرجة لا تمكنها من القضاء على معدلات البطالة المتزايدة وتجعلها أضعف من أن تساعد على زيادة الدخول، لذلك ألقت تلك المشكلات بتأثيرها السلبى على منطقة أوروبا الغربية، وعلى صناعات الدول الأخرى القائمة على التصدير.
الاقتصادات الإفريقية الواعدة تعطلت بين سياسات الصندوق ومواجهة الأوبئة
كادت بعض الاقتصادات الإفريقية تخرج من حالة الركود التى عانت منها لفترات طويلة نتيجة الحروب والصراعات الأهلية، ولكنها سرعان ما تراجعت لتصد هجمات وباء الإيبولا، بل وكان لزاما على المجتمع الدولى أيضا أن يواجه ذلك الوباء بتقديم
المساعدات برامج الإصلاح التى طالب بها صندوق النقد الدولى تسببت بإبطاء تطوير الخدمات الصحية الفاعلة فى غينيا وليبيريا وسيراليون وهى الدول الثلاث الأكثر تضررا بالوباء، وبالتالى كان أحد الأسباب الرئيسية لسرعة انتشار الوباء هو ضعف الأنظمة الصحية فى المنطقة التى أضعفتها مطالب الإصلاحات الاقتصادية من قبل الصندوق، وخفض النفقات العامة، ورواتب القطاع العام، إضافة إلى لا مركزية الأنظمة الصحية فى العديد من الدول الإفريقية، وتحرك صندوق النقد بتقديم المساعدات المالية بقيمة 130 مليون دولار للتصدى للوباء، وهو ما يضغط بدوره على المؤسسات النقدية الدولية، وكذلك الدول.
لذلك، بالكاد قد مر الاقتصاد العالمى من أزمة كارثية تعددت أبعادها بين السياسة والاقتصاد، فما بين العقوبات على أثر الأزمة الأوكرانية، وانهيار أسعار النفط، وصعود تنظيم داعش، والأحداث فى سوريا، وليبيا، وأزمات منطقة الشرق الأوسط، وأزمات منطقة اليورو المتوالية كاد أثرها جميعا يفضى بكارثة اقتصادية يحاول الاقتصاد العالمى أن يتمسك بزمام الأمور أمامها حتى الآن.