يطوي “حزب الله” صفحة العام 2014 على فضائح بالجملة، من فساد، كالأدوية واللحوم الفاسدة وتصنيع الكبتاغون والمعابر غير الشرعية لتهريب البضائع في مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي، أو في الاغتيالات عبر تورط خمسة من كوادره في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومؤخراً المعلومات التي سربتها وسائل اعلام قريبة من الحزب عن اتجاه المحكمة الخاصة بلبنان لاتهام النائب في الحزب علي عمار بضلوعه في اغتيال الحريري، ولم يفلت “حزب الله” من تورط مسؤولين كبار في صفوفه بالعمالة مع إسرائيل، وآخر فصول هذا الملف ما كشف عن تورط مسؤول العمليات الخارجية في الحزب محمد شوربة بتهمة العمالة لإسرائيل.
ولم يخل سجل “حزب الله” من البلطجة ولعل فيديو الأشرفية دليل موثق بالصوت والصورة لاعتداء عناصره على مواطنين أبرياء، وفي النهاية تأتي استقالة القيادي في الحزب الحاج غالب أبو زينب من مهمّاته في متابعة شؤون الملف المسيحي لتطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب والأهداف، الا ان المؤكد أن بيئة “حزب الله” ليست سوى “فساد واغتيالات وعمالة وبلطجة واستقالات”.
الأكثر حاضنة للعملاء
وأكد عضو المكتب السياسي في تيار “المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش لـ”اليوم”، أن “هذا نتاج طبيعي لحزب من نوع “حزب الله” الذي يخلط بين العقيدة والاستخبارات والعمل السري ودليل على ترهل الحزب الذي مضى على انشائه حوالي 30 سنة.
واضاف: إن كشف قتلة الرئيس رفيق الحريري كانت نقطة تحوّل كبرى على مستوى الحزب، ولكن هذه ليست القضية القذرة الاولى التي شارك فيها “حزب الله” على مدى سنوات طويلة وبعضها ترك مغلقا كاغتيال القادة الشيوعيين في الجنوب في الثمانينات، وقضايا اخرى بقيت طي الكتمان، اضافة الى قضايا الفساد المالي الكبرى التي حصلت داخل “حزب الله”، ناهيك عن ثروات جمعها الكثيرون من قادته بشكل نجهل مصدره أو طريقته، ومشاركة هائلة في قضايا فساد داخلية مثل حماية الحشيش وزراعته وحماية تصنيع الكبتاغون والادوية المغشوشة، ما فتح أعين بعض الحزبيين الذين ذهبوا الى أماكن أخرى”. وقال علوش: “لقد أكد هذا الحزب في الفترة الماضية أنه البيئة الحاضنة للعملاء. وعملياً نرى أن القضايا التي كشف عنها ولم تبق طي الكتمان تعد بالعشرات لأعضاء من “حزب الله”، حيث فضح أمرهم بالتجسس لصالح إسرائيل، وهناك قضايا أخرى بقيت طي الكتمان لأن الحزب عالجها بشكل سري، أما الآن فإن احتمال استدعاء علي عمار الى الشهادة هو تطور دراماتيكي ولكن كما قلنا يجب أن يكون مسنداً الى وقائع مهمة تؤدي الى التجريم، او على الاقل للاتهام قبل أن يستدعى لان القضية ليست بهذه البساطة خاصة اذا لم يكن هنالك اي مقومات اتهامية فهذا سيعد نكسة للتحقيق”.
اما بالنسبة الى قضية ابو زينب، فلفت علوش الى ان “هناك بعض الشائعات التي تتحدث عن قرابة بينه وبين العميل الاخير الذي اكتشف في “حزب الله” ويعتقد بأن استقالته او اقالته مرتبطة بهذه القضية، واضافة الى ان فيديو الاشرفية (اعتداء حزب الله على مواطن) قضية يعتبرها الحزب قضية متعبة بالنسبة له”.
حزب مترهل
وأكد علوش ان “حزب الله” “حزب مترهل اصبح مثل معظم الاحزاب العقائدية التي مرت على التاريخ وهو في النهاية يقع هو وافراده في الكثير من الخطايا”، مشدداً على ان “بيئة هذا الحزب مليئة بالفساد والاغتيالات والعمالة والبلطجة”.
وضع مأزوم
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي شارل جبور لـ”اليوم” ان “التطورات الأخيرة داخل “حزب الله” قد لا تكون مترابطة، ولكن ربطها يؤشر الى وضع غير مريح داخل الحزب، كما أنه يدفعنا إلى طرح جملة تساؤلات، بداية كونه حزبا أمنيا ومعروفا بتركيبته الأمنية، ولهذا عندما يكون هناك خرق كبير داخله من قبل اسرائيل فان هذا الامر يدعونا الى التكهن بمستقبل هذا الحزب، ثانياً، فإن اعلان استقالة مسؤول كغالب ابو زينب عن متابعة الملف المسيحي وهو الذي دامت مدة خدمته لهذا الحزب لنحو 14 عاماً بمعزل عن التبريرات التي رافقت النبأ، يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب والخلفيات والدوافع التي أدت الى هكذا قرار ولماذا الآن؟ وهل هو مرتبط تحديداً بالملف المسيحي أم أن “حزب الله” يريد اجراء تغييرات ما، أو ثمة وضع خاص لأبو زينب”.
وقال: “أما الأمر المستغرب الذي يطرح هنا والذي يتعلق بالحاج علي عمار والهدوء الذي لف خبر استدعائه الى المحكمة الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، فلم نشهد ردود فعل كبيرة حول هذا النبأ الذي لم يصدر رسمياً عن المحكمة حتى الآن واقتصر على تسريبات صحفية، وكأن الشعب اللبناني اعتاد على فكرة تورط “حزب الله” في جريمة العصر، وكأنه اراد من هذا التسريب جعله أمراً عادياً لا بل اجبار الناس على الاعتياد عليه كيلا تحصل ردود فعل كبيرة وواسعة حينما يعلم رسمياً من قبل المحكمة، الا انه كان يتوجب على الحزب الذي لم يحرك ساكناً في هذا الموضوع إصدار بيان يوضح خلفياته، الا انه يبدو انه لا يكترث الى هذا الموضوع وكيف لا وهو الذي لا يعترف حتى بهذه المحكمة”.
واوضح جبّور: ان “كل هذه العناصر تدل على وضع مأزوم يعيش فيه “حزب الله” وهذا أمر طبيعي نتيجة قتاله في سوريا ووضع إيران على مستوى المنطقة ونتيجة متوقعة لكل الأوضاع والأزمات والتحديات التي تواجه الحزب”، مشيرا الى انه “لا يعتقد بان هذه المؤشرات تعني نهاية “حزب الله” أو أنها ازمة خطيرة داخله، فجميعها أزمات طبيعية تحصل كونه هو أيضاً في حالة مواجهة مفتوحة مع كل القوى السياسية وبالتالي من البديهي مواجهة ازمات داخلية من هذا القبيل”.
وفيما خص تورط علي عمار بجريمة اغتيال الحريري، اعتبر المحلل السياسي انه “أول اشارة لشخص معلوم بعد المتهمين الخمسة غير المعروفين للشعب اللبناني والذين لم تتمكن القوى الأمنية من الاستدلال على أماكن سكنهم بعكس النائب عمّار المعروف مكان السكن، لهذا فان التطور في قضية الاغتيال سيواجهه الحزب على مستويات عدة، من حيث مواصلة “معزوفة” تخوين المحكمة وكل ما يصدر عنها على اعتبار أنها تهدف للنيل منه وأنها محكمة أمريكية ـ إسرائيلية، وقد يجد الحزب تبريراً لوجود اتصال بين علي عمار والمتهمين بالجريمة كونهم حزبيين واتصالهم بعمّار يندرج في هذا الاطار، وليس هنالك من دليل على ان التوصل الهاتفي كان للتنسيق حول جريمة الاغتيال”، مشدداً على ان “التحقيقات ستثبت ما إن كان عمّار متورطاً أم لا”.
رفع الحصانة
من جهته، قال الخبير في القانون اللبناني والقانون الدولي الدكتور أنطوان سعد لـ”اليوم”: انه “يجب أن نتأكد ما إذا ما يتردد عن استدعاء النائب في “حزب الله” علي عمار الى المحكمة الدولية هو استدعاء رسمي، لاننا لم نسمع به الا من الصحف”، موضحاً انه “اذا تأكد الخبر فقد يمتنع عمّار عن المثول امام المحكمة وسيتمسك بحصانته ويعتبر المحكمة إسرائيلية، الا ان المفاجأة الكبرى تبقى فيما لو حضر الى لاهاي”.
استقالة أبو زينب
وكان القيادي في “حزب الله” الحاج غالب أبو زينب، رفض تبرير سبب استقالته، قائلاً: “قدّمتها منذ نحو شهر وقد وافقَ الحزب عليها”، مؤكداً أنها “مسألة خاصة وليست للنقاش في الإعلام”، موضحاً أنه “استقالَ فقط من مهمّاته عن متابعة شؤون الملف المسيحي، وليس من الحزب”.
وترددت معلومات صحفية مفادها أن عضو المجلس السياسي في الحزب الحاج محمود قماطي “سيتولى المهمة التي استقال منها ابو زينب منها، علماً أنّ قماطي هو المسؤول عن ملفّ الأحزاب في حزب الله”.