IMLebanon

رأيان في إدارة الفوائض المالية السعودية

SaudiBanks
عبدالله بن ربيعان
برز أخيراً رأيان حول إدارة الفوائض المالية السعودية المحققة في سنوات الطفرة النفطية الماضية بعد التدهور الأخير لأسعار النفط. ويعود الرأيان إلى رجل الأعمال البليونير الأمير الوليد بن طلال ووزير المال إبراهيم العساف الذي أمضى في منصبه نحو عقدين. والرجلان أكثر من صديقين، فالولد الوحيد للأمير الوليد، الأمير خالد، تزوج قبل أعوام ابنة العساف، ما يعني أن رأييهما خلاف في وجهات نظر وليسا اختلافاً.
يرى الأمير الوليد ضرورة وجود صندوق سيادي بأسرع وقت، وهو رأيه المعلن في المقابلات الأخيرة التي أجريت معه، وآخرها الخميس الماضي مع صحيفة «عكاظ» التي جعلت ما قاله عنواناً عريضاً كالتالي: «الأمير الوليد بن طلال لعكاظ: المملكة بحاجة إلى صندوق سيادي لا تقل عائداته عن 8 في المئة». وقال في المقابلة: «المملكة الآن في أمس الحاجة (إلى الصندوق) أكثر من أي وقت مضى في ظل تراجع أسعار النفط، ونحن نعلم بأن المملكة لديها الآن احتياطات تتعدى 2.6 تريليون ريال (693 بليون دولار)، كما أن رأس مال شركة سنابل الاستثمارية يبلغ 20 بليون ريال، ومهما زادت عائدات تلك الشركة فلن تسمن ولن تغني من جوع، كما أن حجم عائدات الأموال التي تستثمرها الدولة لا يتعدى 1 في المئة، وهذا ما أعلن خلال جلسات الشورى، لذلك لا بد من تفعيل تلك الأموال بطريقة تعود على الدولة بربحية أعلى، وذلك لن يحصل من دون إنشاء صندوق سيادي يعود بعائدات تتراوح بين 8 و10 في المئة سنوياً مثلما يحصل في النرويج والصين وأبو ظبي والكويت وسنغافورة وغيرها من الدول».
وقال العساف بعدم ضرورة وجود هذا الصندوق، وأكد في لقاء تلفزيوني بعد إعلان موازنة العام الجديد الخميس الماضي أيضاً، أن استثمار الصناديق داخل المملكة أجدى وأنفع من استثمارها خارجياً، مضيفا أن عائد استثمارات الصناديق السعودية يفوق ما حققته الصناديق السيادية للنرويج وسنغافورة، كما أن استثمارات الصناديق داخلياً جنَّب السعودية التأثير الكبير للأزمة المالية التي ضربت عائدات الصناديق السيادية الكبيرة في العالم. ورأى أن ليس هناك صندوق سيادي لا يمس، فبعض الدول عادت للأخذ من صناديقها السيادية بعد تأثرها بالأزمة العالمية.
وأضاف العساف: «إن احتياطات المملكة التي تديرها مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) تصنف دولياً على أنها صندوق سيادي وتدر عائداً يماثل الذي تحققه الصناديق السيادية العالمية»، قبل أن يختم بالقول إن «العائد من استثمار الاحتياطات في المملكة يماثل أو قد يزيد في بعض الأعوام على عائد الصندوق السيادي النرويجي، ففي الأعوام الخمسة الماضية كان عائد احتياطات مؤسسة النقد العربي السعودي نحو 11 في المئة، وفي الأعوام العشرة الماضية كان نحو 7 أو 8 في المئة».
لكن العساف لم يوضح ما إذا كان العائد المقصود من استثمارات الدولة في الداخل أو في الخارج أو هو متوسط الاثنين. وعلّق الكاتب الاقتصادي عبدالرحمن السلطان بالقول إن «حديث العساف كان عن نسبة النمو في حجم الفوائض المالية وليس عن عائدها السنوي»، فالنمو في حجم الفوائض المالية «ينتج عن عائد استثمارها كما ينتج أيضاً عن تحويل مزيد من الإيرادات النفطية إليها، والأمر المؤكد أن نمو حجم فوائضنا المالية ناتج عن تحويل مزيد من الإيرادات النفطية إليها وليس عن ارتفاع عائد استثمارها، فمعظم فوائضنا المالية موظفة في سندات الخزانة الأميركية التي قد لا يتجاوز عائدها 1 في المئة، ما يجعل من غير الممكن أن يزيد عائدها عن عائد صندوق التقاعد النرويجي الذي يستثمر موجوداته في أدوات مالية تتصف بالتنوع وارتفاع العائد». («الجزيرة»، الثلثاء الماضي).
واتفاق الأمير الوليد والسلطان على أن العائد على استثمارات السعودية خارجياً لا يزيد عن 1 في المئة، يحمل كلام العساف على أن يكون العائد الذي تحدث عنه هو على استثمارات الصناديق الحكومية داخلياً. ولكن هل هذه الاستثمارات داخلياً بلا كلفة؟ الإجابة هي لا، فالصناديق الداخلية تتركز ملكيتها في الشركات الكبيرة في سوق الأسهم، إذ إن «سابك» و «الاتصالات» و «البنك الأهلي» وغيرها من الشركات الكبيرة مملوكة غالبيتها لصناديق الحكومة، ما يجعل الأموال الباقية للمتداولين تتزاحم على 45 في المئة، هي نسبة الأسهم المتاحة في السوق. والنتيجة هي تذبذب سوق الأسهم مع كل نسمة هواء، ما يجعل العساف يصرح بأن السوق في وضع جيد، ما يطمئن الناس موقتاً ولا يحل المشكلة الهيكلية في السوق.
خلاصة القول أن استثمار العائدات النفطية للحكومة في صناديق داخلية أوجد ظاهرة «التزاحم» في سوق المال المحلية، ولعل ما ضخ في اكتتاب «البنك الأهلي» من مبالغ هائلة يدعم ضرورة إخراج الصناديق من السوق. وهذا وغيره يجعل كثيرين من الاقتصاديين يميلون إلى ما يقوله الأمير الوليد أكثر مما يقوله العساف، فالبحث عن العائد الاستثماري الأسهل محلياً أفرز سلبيات، وحرم السعودية من فرص استثمار كبيرة في الخارج تسابقت عليها صناديق العالم السيادية بعد الأزمة.