زكي طه
برغم ان قانون الإيجارات الجديد، أقر مطلع نيسان من العام الماضي بمادة وحيدة وبأكثرية نيابية موصوفة، واعتبره النواب الذين أعدوا القانون وسوقوا له، إنجازا تاريخيا لم يسبقهم اليه أحد، لأن القانون يحرر الإيجارات السكنية القديمة كمقدمة لتحرير غير السكنية منها، فأن ذلك حصل وسط تهليل الناطقين باسم تجمعات المالكين الذين رأوا ان حلماً راودهم طويلاً قد تحقق.
لم يعتقد من استسهل الإقرار وهلل له، ان القانون يحمل في طياته عناصر تعثر مسيرته نحو النفاذ، بدءاً من إقرار مبدأ تحرير العقود وعدم تأمين بدائل للسكن، الى الزيادات التعجيزية وإلغاء تعويض الإخلاء وغيرها مما يشكل مساً صريحاً بأسس العدالة الاجتماعية، وصولاً الى خرق مبادئ دستورية تتعلق بالمساواة أمام القانون.
شكل اعتراض المستأجرين وتصاعد حركة احتجاجاتهم واتساعها، عاملاً مقرراً لمصير القانون، الذي لم يوصف عبثاً بالقانون الأسود، اولاً لمضمونه التهجيريّ واعتدائه السافر على حق السكن وكل الضمانات المحققة خلال عشرات السنين، وثانياً طبيعته الكارثية على الوطن التي تمس الأمن الاجتماعي والعيش المشترك وتهدد بمستويات غير مسبوقة من الدمار، الوجدان الجمعي والذاكرة والتراث الإنساني المتكوّن عبر عقود طويلة من الزمن.
على امتداد أشهر، شكل الدور المبادر للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين، بالتنسيق مع بقية اللجان واتصالاتهم، فضحاً لمخاطر القانون ومطالباتها برده، أساساً لاستجابة رئيس الجمهورية وطليعة من النواب يمثلون كتلا ينتسبون اليها، الى الطعن به أمام المجلس الدستوري، وأتى القرار التسوية الذي أصدره المجلس إبطالاً لمادتين أساسيّتين وفقرة من القانون، ليُشرّع الباب أمام مستوى من السجال الدستوري والقانوني لا سابق له حول نفاذ القانون ام عدمه. مع تعدد الاجتهادات برز ارتباك القضاء بشأن التعامل مع قانون مبتور يفتقد لآلية تطبيقية، مقابل رأي جازم وغير ملزم لهيئة التشريع والاستشارات، ان مواد القانون من الثالثة حتى السابعة والثلاثين غير قابلة للتطبيق.
على الرغم من الإمكانات المتاحة للناطقين باسم تجمعات المالكين والتسهيلات الإعلامية المتاحة لهم، الى جانب الدعم الصريح من نواب يمثلون مصالح شركات عقارية ومصرفية وملاكين جدد، وهم أصلاً من كبار المالكين او محامين عنهم، لم تنجح في تسويق عدالة مزيفة للقانون الأسود، ولا في إقناع المستأجرين بالقبول به عبر تزوير الحقائق، ولا في جعلهم يسلمون بنفاذه لأنه نشر في الجريدة الرسمية، كما لم تُؤمن حملات التهويل والتهديد وتوزيع الاتهامات وتصنيف النواب وتوصيف المستأجرين بالمحتلين والمغتصبين إجازة مرور له.
مع احتدام السجال حول نفاذ القانون، استمرت حركة لجان المستأجرين في مطالبتها المجلس النيابي بسحب القانون من التداول وإعادة مناقشته في إطار خطة سكنية وإقرار قانون عادل يرفع الغبن عن المالك ويضمن حق السكن ويصون حقوق المستأجر القديم خاصة تعويض الإخلاء. ومع اقتراب الموعد المفترض لنفاذ القانون المُعطّل، ترافق تصاعد السجال والاعتصامات مع تقدّم عدد من النواب بثلاثة اقتراحات تعديل للقانون، ويتوج الأمر باقتراح تجميد المهل لحين إنجاز التعديلات وإقرار القانون ونشره من جديد، في موازاة استمرار العمل بالقانون الاستثنائي، مما يعكس اتساع الوعي لطبيعة القانون وفق الصيغة التي أقر بها وفي أعقاب تعطيل آلية تطبيقه، وحجم المخاطر التي سيؤدي إليها في حالة الإصرار على الإبقاء عليه والاكتفاء بترميم المواد التي جرى إبطالها، من دون إجراء تعديلات جوهرية تجعله مقبولاً من المستأجرين. وقد أتت مواقف رئيس المجلس النيابي التي أدلى بها أمام المستأجرين والمالكين على السواء، حول عدم قابلية قانون عُطلت مواد منه للتطبيق ومطالبته بتعديله كي يضمن العدالة للجميع، ومن ثم تعميمها أمام النواب ونشرها لتشكل ذروة الوضوح في ان القانون غير قابل للتطبيق، قاطعاً الطريق على من يفتعل إرباك لجنة الإدارة والعدل التي قذفت المشكلة بوجه القضاء.
ان معركة الدفاع عن حقوق المستأجرين ما زالت في بدايتها، والاكتفاء بتجميد القانون يشكل أقصر الطرق لخسارة كل الحقوق بدءاً من حق السكن وصولاً الى ضمانات حمايته أو الحصول عليه، فالذين أعدوا القانون لم يسلموا بالخسارة وهم بصدد هجوم لتجديد إقراره وفق مصالحهم التي لا تقيم وزناً للإنسان وحقوقه، لذا فإن الأمر هو بمثابة تحد يواجه المسـتأجرين ويتطلب وعيأ وجهداً استثنائييّن ومعهم كل المعنيين بمصالح الوطن وقضاياه المحقة، لخوض معركة قاسية جداً صونا لحق يسمو على كل الحقوق هو حق السكن .