Site icon IMLebanon

كتاب “اقتصاد السعادة”… قوة العوامل الثقافية والنفسية

EconomieBonheur
تتميّز المجتمعات الغربية بنزعة فردية واضحة يتم التأكيد عليها في جميع ميادين الحياة والنشاط الإنساني. وقد ركّزت هذه المجتمعات في الفترة الأخيرة على أهمية فكرة «السعادة» التي أصبحت نوعاً من الهدف الأوّلي للخيارات السياسية نفسها. لكن كيف يمكن قياس مسألة ذاتية مثل «السعادة»؟.

على مثل هذا السؤال حاول الأخصائيون الاقتصاديون تقديم بعض المعايير لقياسها. وشرع العديد منهم بالبحث والتقصّي بهذا الشأن في إطار العديد من مراكز البحث والجامعات منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن، عبر سؤال الأفراد في مجتمعاتهم عن السبل التي تولّد لديهم الإحساس بالسعادة. النتيجة الرئيسة التي تمّ التوصّل لها تكمن أساساً في القول إن «الثروة» تلعب دوراً كبيراً في خلق السعادة.

واليوم تقدّم الأستاذة في جامعة السوربون وفي مدرسة اقتصاد باريس«كلوديا سينيك» كتاباً تحت عنوان «اقتصاد السعادة». وهي تنطلق في تحليلاتها من تأكيد ظاهرة سائدة في فرنسا وهي الشعور العام بـ «عدم الرضا» وبـ «نقص الإحساس بالسعادة» وتكاثر الأصوات التي ينبئ أصحابها أن البلاد تسير نحو «منحدر».

المهمّة التي تطرحها المؤلفة على نفسها في هذا الكتاب، تتمثّل في البحث بطريقة علمية عن الأسباب البعيدة والقريبة الكامنة وراء «نزعة التشاؤم»السائدة لدى الفرنسيين. ومحاولة إيجاد المحددات التي تلعب دوراً في صياغة «مفهوم السعادة». وعمّا إذا كان ممكناً تفسير أو تبرير حالة «تقطيب الجبين» السائدة في فرنسا بالاعتماد على الوضع الاقتصادي وحده؟.

الفكرة الأساسية التي تشرحها المؤلفة على مدى الصفحات الأولى من هذا الكتاب الصغير الحجم ــ عدد صفحاته 128 صفحة ــ مفادها أن النمو الاقتصادي له ميزة كبيرة هو أنه يسمح بـ «جعل درجات الإحساس بالسعادة متجانسة بين مجموع السكان المعنيين فيه». ذلك بمعنى أن «الفارق يتضاءل بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم تعساء جداً وبين الذين يرون أنهم سعداء جداً».

وضمن هذا النهج من التحليل تصل المؤلفة إلى القول إن مدى اتساع الرقعة التي تغطيها دائرة الخدمات العامّة المتوفّرة للسكان ومدى فاعلية تلك الخدمات على أصعدة الضمان الاجتماعي والبنى الأساسية «التحتية» والتمتع بالحرّيات وبالحقوق الفردية والسياسية أمور تسهم كلّها في «تعميم» الإحساس بالسعادة.

ولا تتردد المؤلفة في التأكيد أن «جعل مفهوم السعادة موزّعاً بشكل منسجم بين المعنيين فيه هو خبر ممتاز بالتأكيد. إذ من لا يريد العيش في مجتمع تتوزع فيه السعادة بصورة متساوية؟».

تشير المؤلفة إلى أنه يمكن إيجاد نوع من العلاقة بين «مستوى المعيشة» في بلد من البلدان وبين«معدّل السعادة المصرّح بها» من جهة أخرى. لكن مثل هذه العلاقة ليست «خطيّة»، بمعنى أنها لا تنطبق بشكل «ميكانيكي» على جميع الحالات.

مثلاً تشرح المؤلفة أن الخط البياني الذي يربط بين مستوى المعيشة والسعادة هو «أكثر انخفاضاً في فرنسا مما هو في البلدان الأوروبية الأخرى» ذات مستوى المعيشة المتناظر. لكن هذا لا يمنع إمكانية القول رنه «عندما يكون الاقتصاد جيّداً يكون الفرنسيون بحالة نفسية أفضل». وهذا«التباين» يؤكّد استمرار فعل الأسباب الثقافية العميقة.

وما تؤكّده المؤلفة في هذا الإطار هو أن المشاعر السائدة في فرنسا بـ «الخسارة» قياساً إلى الماضي لا تعود إلى تراجع الاقتصاد، بل بالأحرى إلى «تقهقر دور الدولة». وعلى المستوى الثقافي ترى أنه هناك «خلط بين نزعة المساواة التي نعلنها ــ الفرنسيون ــ وبين النزعة النخبوية الضيّقة وما ينجم عنه ــ الخلط ـ أشكال إحساس بالحرمان لا حصر لها». وتركز على قوة وأهمية العوامل النفسية والثقافية.

والنتيجة من ذلك كلّه تحددها مؤلفة الكتاب بالقول إنه من دون نمو اقتصادي لن يكون هناك تقدّم، وبالتالي لن يكون هناك استشراف لحالة أكثر أماناً واستقراراً، وفي المحصلة لن تكون هناك «سعادة». الاقتصاد؟. نعم. ولكن دون نسيان العوامل الثقافية والنفسية.