Site icon IMLebanon

معركة المالية العامة تحدد حكام بريطانيا المقبلين

BritishMoneyUK
مارتن وولف

بيان الخريف الأخير حدد بداية الدعاية الانتخابية الجادة للانتخابات العامة البريطانية في أيار (مايو) المقبل. جورج أوزبورن، وزير المالية من حزب المحافظين، حدد وجهة نظره بوضوح. ومن جانبه، رد إد ميليباند، زعيم حزب العمال، لاحقا. فأين يكمن الاختلاف بين الحزبين الرئيسيين؟ وما فرصة أي منهما للوفاء بما وعد به؟

لنبدأ من السؤال الثاني. إلى حد بعيد حالة عدم اليقين الاقتصادي الأكثر أهمية تتعلق بالإنتاجية. وكما يلاحظ مكتب مسؤولية الميزانية، فقد ازدادت الإنتاجية في المتوسط بنسبة تبلغ 0.5 في المائة فقط سنويا منذ عام 2008. وإذا كانت ستبقى منخفضة جدا، فربما ينخفض النمو الاقتصادي إلى 1 في المائة عام 2016/2017 وبعدها سيبلغ حتى أدنى من هذا، وفي الوقت الذي يصل فيه الاقتصاد إلى التوظيف الكامل. لكن إذا كان سيكون لدى الإنتاجية موجة من النمو بعد فترة هدوء طويلة، فقد يتوسع الاقتصاد بنسبة 4 في المائة سنويا لعدة سنوات. ونظرا لعوامل اللبس المذكورة، لدينا فكرة بسيطة عما سيحدث في الاقتصاد والوضع المالي.

حالة اللبس السياسي لافتة للنظر أكثر حتى من ذلك وفقد الحزبان الرئيسيان سيطرتهما على الناخبين ولا يرجح أن يفوز أي منهما بشكل قطعي. ويشير استبيان أجراه موقع يوجوف إلى أن الأحزاب الأخرى معا لديها الآن من الدعم أكثر مما لدى المحافظين أو العمال. وقد يصبح لدى الحزب الوطني الاسكتلندي أخيرا أكثر من 40 مقعدا في وستمنستر. والنتيجة المرجحة هي ائتلاف، أو حكومة أقلية. ولفترة طويلة ظلت بريطانيا دولة ديمقراطية مستقرة بشكل ممل. ولا تزال دولة ديمقراطية، لكن ليس بشكل ممل.

ومع ذلك، الخيارات في المالية العامة بالنسبة للأحزاب الرئيسية ستعمل على تشكيل الخيارات بالنسبة للحكومة المقبلة. ويتعين على صناع السياسة اتخاذ قرارين مهمين: الأول، حول الأهداف من أجل التوازن في المالية العامة والدين العام. والآخر، حول العلاقة بين زيادة الضرائب وخفض الإنفاق.

بالنسبة لهاتين النقطتين تعتبر خطة المحافظين واضحة بشكل يستحق الثناء. فهم يشيرون إلى رغبة في إيصال فائض المالية العامة الكلي إلى 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2019/ 2020، مقابل عجز يصل إلى 5 في المائة في العام المالي الحالي (و10.2 في المائة في 2009/2010). يمكن الوصول إلى هذا الرقم عن طريق فرض قيود على الإنفاق، الذي يتوقع أن ينخفض من 40.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام (45.3 في المائة في 2009/ 2010) إلى 35.2 في المائة في عام 2019/ 2020 – وهي أدنى نسبة منذ الثلاثينيات. وفي الوقت نفسه، نسبة عائدات الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي سترتفع قليلا، من 35.5 في المائة إلى 36.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. إذا تم تحقيق ذلك، من شأن هذه الخطط أن تضع بريطانيا في المكانة نفسها التي عليها الولايات المتحدة اليوم من حيث حجم “الحكومة العامة”. وهي بالتأكيد خطط راديكالية.

في الجانب الآخر، إعلان ميليباند يعتبر أقل وضوحا. لكن حزب العمال ملتزم بوجود فائض في الموازنة الحالية وحدها (باستثناء الإنفاق على الاستثمار). في عام 2019/ 2020، وبناء على توقعات مكتب مسؤولية الميزانية، يمكن للإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي – في حال تساوي العوامل الأخرى – أن يكون أعلى بواقع نقطتين مئويتين في إطار خطط حزب العمال ـ 37.5 في المائة. وعليه، فإن الانخفاض في الإنفاق سيكون 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل أكثر من 5 في المائة في ظل المحافظين. سيخفض حزب العمال الإنفاق، لكن بمعدلات أقل بكثير.

أي هدف في المالية العامة هو الأكثر منطقية؟ في الأوقات العادية، تحقيق التوازن في الميزانية الحالية هو الخيار الأفضل. وهذا صحيح بشكل خاص عندما يتسنى للحكومة، كما هو الحال الآن، الاقتراض للاستثمار في أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل مقابل فائدة تقارب الصفر. الحجة المضادة لذلك هي أن صافي دين القطاع العام الآن مرتفع جدا، عند نحو 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعليه، الفائض قد يجلب نسبة الدين إلى نحو 30 في المائة بحلول منتصف العقد الرابع من هذا القرن، في حين إن الميزانية الحالية المتوازنة تعيدها إلى 60 في المائة.

إلا أن هذا الأخير ليس هو الاعتبار الوحيد. فمن غير المرجح أن مزيدا من التخفيضات الجذرية في الإنفاق التي ألمحت إليها خطط وزير المالية يمكن تقديمها دون المساس بالقدرة على تقديم مستوى الخدمات العامة ونقل توقعات العامة. وكون التخفيضات حدثت دون رد فعل سياسي هائل حتى الآن لا يدحض هذه الفكرة.

علاوة على ذلك، لدى خطط الوزير أيضا مضامين تتعلق بالتوازن بين الدخل والإنفاق في بقية قطاعات الاقتصاد. ويتوقع مكتب مسؤولية الميزانية للقطاع العائلي أن ينتقل إلى عجز مالي “كبير لم يشهد من قبل”، ليبلغ 3.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، في حين إن نسبة ديون الأسر إلى الدخل قد تبلغ ذروتها أكثر من أي شيء آخر. هذا أمر يبعث على القلق.

الحجة الداعية إلى تحقيق فائض إجمالي في المالية العامة في الدورة البرلمانية الجديدة ليست حجة قطعية. فرصة اقتراض مزيد من المال لتمويل الاستثمار تتمتع بقيمة كبيرة فوق الحد، رغم أن الميزانية الحالية يجدر بها بالتأكيد أن تحقق وضع الفائض. فضلا عن ذلك، إذا كان الهدف هو تحقيق فائض إجمالي، فلا بد من رفع الضرائب. بخلاف ذلك، يقع قدر من التكاليف فوق الحد على عاتق أكثر الناس عرضة للتأثر بالنفقات. وتنشأ أسئلة مهمة حول الكيفية التي تحتاج إلى أن تكون عليها بريطانيا الحصيفة في مجال المالية العامة. هناك أسئلة على القدر نفسه من الأهمية حول من الذي ستقع التكاليف على عاتقه؟