IMLebanon

انتعاش اقتصاد مصر على وقع التقدم السياسي

EgyptEconMoney
عدنان كريمة

في إطار سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي وعد بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، اتخذ أول قرار غير شعبي (وفق مصطلحات صندوق النقد الدولي) ويقضي بخفض دعم الوقود بمقدار 44 بليون جنيه (6.2 بليون دولار) إلى 100 بليون جنيه في موازنة العام المالي 2014 – 2015 الذي بدأ في 1 تموز (يوليو) الماضي، ويهدف هذا الخفض الذي صاحبه قرار بزيادة أسعار الكهرباء، إلى تقليص العجز في الموازنة الجديدة إلى 240 بليون جنيه، أو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 12 في المئة في موازنة العام المالي الماضي 2013 – 2014.
لكن في مقابل ذلك وحرصاً منها على تنفيذ سياسات متكاملة للإصلاح، تسعى الحكومة المصرية إلى رفع معدلات النمو على نحو يساعد خروج الفقراء من دائرة الفقر، ويساهم في تحسين أحوال محدودي الدخل، وهي تستهدف إزالة أسباب الفقر، وليس فقط التخفيف من أثره، من خلال رفع إنتاجية الفقراء، وإشراكهم في عملية التنمية، وفي هذا المجال أولت خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2014 – 2015 اهتماماً كبيراً إلى تحسين الخدمات العامة وتحقيق العدالة بين الأقاليم، من خلال استثمارات مستهدفة مقدارها 44.5 بليون جنيه، أو 47.7 في المئة من إجمالي الاستثمارات العامة المستهدفة في الخطة، وقد خُصصت مشاريع الإسكان الاجتماعي ومرافق مياه الشرب والصرف الصحي بنحو 19.5 بليون جنيه.
وفي تقرير حديث بشر صندوق النقد إثر مشاورات أجراها في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في القاهرة حول «المادة الرابعة» من شرعته بأن الاقتصاد المصري بدأ يتعافى بعد 4 سنوات من النشاط بوتيرة بطيئة، معتبراً ان الوقت الراهن يمثل فرصة لمصر التي تواجه العديد من التحديات، مشيراً إلى تزايد الإجماع الوطني في شأن ضرورة الإصلاح الاقتصادي.
ورفعت وكالة « فيتش» للتصنيف الائتماني الدرجة السيادية لمصر إلى «B» ومنحتها أفقاً «مستقراً، معتبرة ان السلطات في هذا البلد تبدو عازمة على تنفيذ برنامج إصلاحي واسع، خصوصاً بعدما تصدت لأزمات الطاقة ودفع المبالغ المستحقة إلى شركات النفط ومراجعة قوانين الاستثمار وتسوية الخلافات مع المستثمرين الأجانب. وتبرز الأهمية الإيجابية لهذا التصنيف بعدما سبق لمصر ان فقدت نحو 13 بليون دولار استثمارات خارجية منذ ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، وعانى الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية بسبب خفض التصنيف الائتماني 6 مرات، لكنه بدأ يتحسن بعد 30 حزيران (يونيو) 2014.
ولعل أهم مؤشر يؤثر في معيشة الشعب المصري هو التضخم الذي ينعكس ارتفاعاً في الأسعار في مقابل انخفاض سعر الجنيه وتراجع قيمته الشرائية، خصوصاً بعدما استنزفت التطورات السياسية وتداعياتها المالية والاقتصادية والاجتماعية جزءاً كبيراً من احتياط النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والذي انخفض من 36 بليون دولار نهاية 2010 إلى نحو 16.9 بليون دولار نهاية تشرين الثاني 2014، وخسر الجنيه المصري على مدار السنوات الأربع الماضية نحو 35 في المئة من قيمته، نتيجة ارتفاع سعر صرف «دولار القاهرة» من 5.9 جنيه إلى 7.7 جنيه في السوق الموازية، في حين يبلغ سعره الرسمي 7.15 جنيه، وكنتيجة طبيعية لذلك تجاوز معدل التضخم على أساس سنوي حاجز11.5 في المئة (علماً أنه في بعض الأشهر وصل إلى 14 في المئة)، وهكذا فإن ارتفاع معدل التضخم مع بقاء البطالة فوق سقف 13 في المئة من القوى العاملة، من شأنه ان يزيد كلفة المعيشة لشريحة واسعة من الفقراء، إضافة إلى الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة في المجتمع المصري.
ويلاحظ ان مسيرة الاقتصاد المصري تتأثر بالدعم الخارجي خصوصاً العربي، سواء كان ذلك من طريق المساعدات المالية والقروض والإيداعات، أم من طريق الاستثمار وتمويل المشاريع في القطاعين العام والخاص، وهذا الدعم يتحرك صعوداً أو هبوطاً وفق التطورات السياسية للعلاقات المصرية – العربية، ففي عهد الرئيس السابق محمد مرسي تدفقت الأموال والاستثمارات القطرية على مصر، ثم تراجعت في عهد السيسي، وأعاد البنك المركزي المصري نحو 6 بلايين دولار إلى الحكومة القطرية وسدد الدفعة الأخيرة وقيمتها 2.5 بليون دولار 28 تشرين الثاني 2014، وتبقى وديعة واحدة بقيمة 500 مليون دولار تستحق التسديد في النصف الثاني من 2015.
وفي مقابل ذلك تدفقت المساعدات الخليجية إلى مصر، وقدّر حجمها وزير المال هاني قدري دميان بـ 10.6 بليون دولار لدعم موازنة العام المالي 2013 – 2014، لكن وزارة التخطيط المصرية أشارت في تقرير رسمي إلى ان مصر تلقت منحاً من الدول العربية خلال العام الماضي بقيمة 13.8 بليون دولار، ومعظم هذا المبلغ جاء من السعودية والإمارات والكويت، ووصفت المؤسسات الدولية الدعم الخلــيجي لمصر بأنه أمر حيوي، خصوصاً مع ارتفاع الفجوة التمويلية خلال العام المالي الجاري إلى 11 بليون دولار.
إضافة إلى ذلك، يستفيد الاقتصاد المصري من ارتفاع حجم الاستثمارات الخليجية في تمويل مشاريع جديدة، مع الإشارة إلى ان عدد الشركات السعودية فقط، المؤسسة في مصر حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2014 قد بلغ 3302 شركه برأس مال مقداره 23.8 بليون دولار.
وتستعد مصر لعقد مؤتمر القمة الاقتصادية في 13 آذار (مارس) 2015 في مدينة شرم الشيخ تحت عنوان «الاستثمار في مصر: استثمار في المستقبل»، وينتظر ان يشهد هذا المؤتمر حشداً كبيراً يزيد عن ألف شخصية اقتصادية من رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، ومعظمهم من دول الخليج، وسيعرَض فيه نحو 100 مشروع استثماري بكلفة تصل إلى 50 بليون دولار. ومع تحقيق المصالحة الخليجية بعودة قطر إلى تفعيل دورها داخل مجلس التعاون من جهة، وكذلك المصالحة القطرية – المصرية برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من جهة ثانية، تتطلع الحكومة المصرية إلى ان يحقق مؤتمر شرم الشيخ نجاحاً كبيراً ينعكس تدفقاً للأموال والاستثمارات من كل دول الخليج، بما فيها قطر بما يحيي مشاريع سابقة في مصر، ويترجم أهمية الموقف الخليجي الموحد.