أنطوان فرح
في الأسابيع القليلة المقبلة، تبدأ في الظهور تباعاً، النتائج التي حققتها المصارف اللبنانية عن أعمالها في العام 2014. وقد صار مؤكداً أن نسبة الأرباح ستكون شبيهة بالعام 2013، بما يعني ان القطاع حافظ على الحد الأدنى من حُسنِ الاداء، لكن هذا الثبات في الأرباح يعكس أيضا، عمق الأزمة، ويؤشّر الى تحديات جديدة ستواجهها المصارف في العام 2015.
أظهرت نتائج القطاعات الاقتصادية كافة تراجعا في الاداء خلال العام 2014، بما يسمح بتصنيف الوضع الاقتصادي برمته في دائرة الضغط الاضافي.
ومع أن المصارف استطاعت ان تتمايز نسبياً في هذا المناخ العاصف، ونجحت في الحفاظ على نسبة أرباح تضاهي نسبة العام 2013، إلا أن ذلك لا يعتبر انجازا في المطلق، لأنه يؤشر في الوقت نفسه الى تحديات اضافية صعبة يواجهها القطاع.
وبمجرد أن نلاحظ ان حجم الودائع ارتفع بنسبة تقارب الـ7 في المئة، من دون ان ينعكس ذلك ارتفاعاً في الأرباح، فهذا دليل صريح على وجود «أزمة»، في القطاع المصرفي أيضا، ولو أنها لم تصل الى مستويات الأزمات التي تعانيها القطاعات الاقتصادية الأخرى.
اذا استثنينا الوضع الاقتصادي العام المرتبط بالوضع الاقليمي المتفجّر والوضع الداخلي المتفلّت، يمكن ملاحظة مجموعة أسباب تراكمية تساهم في زيادة الضغط على المصارف.
هذه الضغوطات اختصرها مصرفي مخضرم في جلسة خاصة، بالنقاط التالية:
اولا – بدء تطبيق قانون فاتكا الأميركي. هذه العملية اضطرت المصارف الى ايجاد كادرات وظيفية جديدة متخصصة في هذا الشأن. كما ان المصارف تعمل تحت الضغط لأن أي خطأ، ولو كان غير مقصود، قد يكلف المصرف غرامة كبيرة قد تؤثر على مصيره.
ثانيا – التعاميم الجديدة التي تنظّم العمل المصرفي والتي تهدف الى تحصين القطاع ودفعه الى مجاراة ما هو معتمد في المصارف العالمية. لكن هذه التعاميم، على أهميتها، لديها جانب سلبي لجهة الكلفة الاضافية التي يدفعها المصرف من أجل الالتزام بها. على سبيل المثال، التعميم المتعلق بحجز مؤونات على القروض منذ تلكؤ المقترض في دفع اول سند. هذا التعميم، سيؤدي الى خفض في الأرباح أيضا.
كذلك فان التعميم الذي يرفع سقف الدفعة الاولى للاقتراض من اجل السكن او اقتناء سيارة، سيؤثر بدوره على حجم الاعمال. واستنادا الى آخر بيان لجمعية شركات السيارات الجديدة، تراجعت المبيعات بسبب هذا التدبير بنسبة 24 في المئة.
ثالثا – القرارات التنظيمية الجديدة للقطاع والمرتبطة في جزء منها بايحاءات خارجية، مثل حماية المستهلك. وقد أرسل مصرف لبنان الى المصارف قرارا بوجوب الالتزام بمندرجات حماية المستهلك في القطاع المصرفي، والتي تُلزم المصرف باطلاع الزبون على أدق التفاصيل المتعلقة بوضع المصرف، وحقوق العميل سواء كان مقترضاً ام مودعاً.
وهناك تخوّف من أن يتم فرض ايجاد قسم خاص بحماية المستهلك في كل مصرف، بما يؤدي الى زيادة الكلفة على المصارف. الى كل ذلك، هناك مسألة قرار الحد من اندفاعة المصارف نحو القروض الاستهلاكية. وهو قرار، وان كان يهدف الى حماية الناس والمصارف في وقت واحد، الا انه سيحدّ من هوامش الارباح التي تحققها المصارف لقاء هذا النوع من القروض.
رابعا – المعطيات الجديدة المتعلقة بالمصارف المراسلة. اذ تم ابلاغ المصارف اللبنانية ان المصارف المراسلة لم تعد تقبل بالرسوم التي تتقاضاها لقاء إنجاز عمليات التحويل عبرها، وسوف تفرض على المصرف الذي تخدمه دفع حصته من الكلفة التشغيلية العامة التي يتكبدها المصرف المراسل لانجاز هذا النوع من الاعمال.
والمشكلة هنا انه يصعب قياس هذه التكلفة وبالتالي، فان المصارف المراسلة ستفرض على المصارف التي تتعامل معها، الرسوم التي تقررها هي من دون ان تكون لدى المصرف-الزبون اي قدرة على دراسة هذه الرسوم ومناقشتها.
خامسا – عدم إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يعني ان المصارف التي لديها فائض في الودائع لن تتمكّن من تشغيل هذه الاموال، التي تدفع الفوائد لجذبها.
افريقيا على الخريطة
هذه الأسباب التراكمية تساهم في زيادة الضغط على القطاع المصرفي، لكن في المقابل، لا يزال هذا القطاع قادرا على ابتكار الحلول للصمود والنمو في الظروف المقبلة، والتي قد لا تكون أقل خطورة من ظروف 2014.
يرى المصرفي نفسه، انه وباستثناء سوريا، فان المصارف التي توسعت في الاسواق العربية عادت لتجني الأرباح. وقد تبين ان اسواق الاردن ومصر وسواها بدأت تعطي نسب ارباح للمصارف اللبنانية المتواجدة فيها اكبر من نسب السوق المحلي. هذا الأمر يشجّع على استمرار التوسّع.
كذلك فان السوق العراقي يعطي نتائج جيدة رغم الظروف الصعبة التي يمر بها البلد. والمقصود هنا ليس اربيل فقط، بل المناطق العراقية الاخرى ومن ضمنها بغداد. ويبدو ان السلطات العراقية التي تنبهت الى الهجمة المصرفية على أسواقها وضعت شروطا أقسى على المصارف الراغبة حاليا في دخول السوق.
يضيف المصرفي، ان الهدف الرئيسي للمصارف اللبنانية في المرحلة المقبلة قد يكون الاسواق الافريقية النامية حيث نسب الارباح جيدة، وهناك مجالات واسعة للعمل، خصوصا في البلدان التي تتواجد فيها جاليات لبنانية كبيرة.
لكن المصرفي يحذّر من ان هذه الاسواق هي موضع شبهة، وبالتالي، على المصارف التي تتوسّع باتجاه هذه الاسواق ان تحرص على شفافية كبيرة لضمان عدم تسلّل اموال وسخة الى جهازها المصرفي، بما قد يؤدي الى كارثة، في ظل الرقابة الاميركية المتشددة في هذا المضمار.
وعن السبب الذي يجعل افريقيا تحديدا نقطة جذب للمصارف اللبنانية رغم «ايبولا» والفساد المستشري، يوضح المصرفي ان المخاطر والفساد عاملان يرفعان نسب الارباح، شرط التعاطي معهما بحرَفية ودقة، وهذه المهارة متوفرة لدى المصارف اللبنانية.
يختم المصرفي كلامه بالاستنتاج، أن القطاع المصرفي في لبنان، والرقابة التي يمارسها مصرف لبنان غير موجودة في معظم دول المنطقة، اذ انها متطورة في لبنان كثيرا، وهي تضاهي مثيلاتها في الدول المتطورة في الغرب.
وبالتالي، القطاع في وضع سليم جدا، وقادر على النمو في الظروف الصعبة المحيطة به، لكن الامور ستتغيّر نحو الأفضل بسرعة فور انتهاء الكوارث الاقليمية المحيطة بالبلد، وفور تأمين الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني.