أين خطوط الصدع في الأسواق المالية؟ ما الذي يمكن أن يُثير أكبر الاضطرابات في عام 2015؟ لدى مختصي استراتيجية الاستثمار قوائم طويلة من المخاوف المحتملة، بدءا من عثرات البنوك المركزية وصدمات النفط إلى المخاطر الجيوسياسية والسياسية، أو ببساطة الوفرة المفرطة.
مجموعة الأمور التي يمكن أن تحدث بشكل خاطئ قد تبدو مخيفة – أزمة العملة في روسيا، وعدم الاستقرار السياسي في اليونان، والتأثير المُضاعف لانخفاض أسعار النفط عوامل أوجدت مزاجا متقلّبا في نهاية عام 2014. لكن من الأفضل التحوط ضد قائمة المخاوف. كثير مما كان يخشاه المستثمرون قبل عام لم يحدث. وإذا كانت المخاطر معروفة، فينبغي احتسابها في الأسعار. المخاطر الحقيقية، بالطبع، هي المجهولة.
المخاطر المباشرة – والواضحة – التي حددها مختصو الاستراتيجية الذين سألتهم “فاينانشيال تايمز”، تأتي من انخفاض أسعار النفط. ومع أن انخفاض تكاليف الطاقة ينبغي أن يعمل على تعزيز النمو الاقتصادي، إلا أن الآثار لن تتغلغل داخل الاقتصاد إلا بشكل بطيء. في الوقت نفسه، هناك خاسرون كبار في القطاعات والبلدان المُنتجة للطاقة، مثل روسيا. يقول إيوين كاميرون وات، كبير مختصي استراتيجية الاستثمار في بلاك روك: “لا أعتقد أنك يمكن أن تحصل على انخفاض في السلعة المُتداولة الأكثر أهمية في العالم دون أن يكون هناك بعض الاضطراب المالي الناجم عن ذلك”.
في الشهر الماضي، دخلت اليونان في أزمة سياسية. ومواجهة روسيا مع الغرب تُهدد بمخاطر جيوسياسية – مثلما تفعل التوترات في الشرق الأوسط. ستيفاني فلاندرز، كبيرة مختصي استراتيجية السوق في بنك جيه بي مورجان لإدارة الأصول، تشعر بالقلق بشأن “السخط السياسي الذي يدمدم تحت السطح” تجاه الأحزاب الرئيسة في كل أنحاء أوروبا. وتقول: “لم نشهد ذلك يُترجم إلى سياسات وحكومات مناهضة لليورو بعد، لكني أعتقد فعلاً أن هذا مصدر قلق ربما يصل حتى نهاية عام 2015 أو عام 2016”.
والمملكة المتحدة هي الأخرى ليست مُحصّنة، إذ يحذر أندرو ميليجان، رئيس قسم الاستراتيجية العالمية في ستاندرد لايف إنفستمينتس، من أن صعود حزب الاستقلال البريطاني أضاف إلى عدم اليقين بشأن الانتخابات العامة المقررة في أيار (مايو) المقبل، الأمر الذي “يمكن أن يؤدي إلى إعادة تقييم لاستقرار الحكومة”.
قائمة القلق التي كانت مُهيمنة العام الماضي شملت الخوف من ارتكاب الاحتياطي الفيدرالي أخطاء. لكن الذي حدث هو أن الاحتياطي الفيدرالي حافظ على هدوء ملحوظ، على الرغم من التقلّب الأخير. ويمكن القول إن هذا يؤدي فقط إلى زيادة المخاوف بشأن ما إذا كان عام 2015 يمكن أن يكون العام الذي تخفف فيه البنوك المركزية قبضتها. البنوك المركزية مرة أخرى تتصدر قوائم القلق.
ويُحذّر محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانتز، قائلا: “القدرة المتكررة للبنوك المركزية على قمع تقلّبات السوق (…) تزيد من خطر وقوع حوادث الأسواق في عام 2015، خاصة إذا لم يتم التحقق من صحة أسعار الأصول بثبات من خلال التحسن في الأساسيات الاقتصادية”.
ويُضيف ميليجان: “كسب الوقت – هذا كل ما تستطيع البنوك المركزية فعله في الظروف الراهنة، بدعمها الاقتصادات والأسواق المالية في الوقت نفسه الذي تكون فيه العملية البطيئة لتخفيض الرفع المالي جارية، أو أن تمضي الحكومات قُدماً بالإصلاحات الهيكلية”.
الأمر الذي يُسبّب الاضطراب منذ الآن هو ارتفاع قيمة الدولار على خلفية التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي سيرفع أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2006. ويُحذّر بيتر أوبنهايمر، كبير مختصي استراتيجية الأسهم العالمية في جولدمان ساكس، قائلا: “نحن لا نعرف ماذا ستكون الآثار المترتبة على رفع أسعار الفائدة من مثل هذه المستويات المنخفضة”. ويضيف: “الخطر الكبير هو أن تكون تحركات الأسعار قوية. من الصعب معرفة كيف يتم احتساب الأشياء عندما لا تكون أسعار الفائدة بمقدار صفر بعد الآن. الانتقال من عالم غير طبيعي إلى عالم طبيعي أكثر يتعلق بالتخمين”.
وفي حين تشهد الولايات المتحدة حالة من الانتعاش، تواجه منطقة اليورو خطر الانكماش. ومن المتوقع أن ينضم البنك المركزي الأوروبي إلى بنك اليابان لإطلاق برنامج للتسهيل الكمي هذا العام.
على صعيد النفط، تراجع أسعار الخام ترك البنوك المركزية في مواجهة خطر عدم تحقيق أهداف معدلات التضخم فترات طويلة مقبلة. كذلك عمل انخفاض أسعار النفط وزيادة قيمة الدولار على تغذية التقلّب في عملات الأسواق الناشئة. وبحسب العريان: “أسعار الصرف ستستمر في كونها مستوعب الصدمات الوحيد. هناك خطر أن يؤدي تقلّب العملات الناتج في النهاية إلى زعزعة استقرار الدعامات الاقتصادية والمالية المؤكدة للنظام العالمي”.
بالانتقال إلى الصين يبدو “التحول السريع نحو النمو البطيء في الاقتصاد” مصدر قلق دائما. الأمر الذي يخشاه كثيرون هو خطر نشوب حرب عملات شاملة. يقول تشارلز ديبل، رئيس الاستراتيجية الكلية في شركة أفيفا إنفسترز: “من المرجح أن سياسة اليابان ستلقى استجابة صينية، وهناك بلدان آسيوية أخرى يمكن أن تستجيب. الخطر هو أن حروب العملات ستعمل على زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي (…) الأمر الذي يتطلب استجابة من الولايات المتحدة”.
ألبرت إدواردز، المحلل الاستراتيجي في بنك سوسييتيه جنرال، الذي يؤمن بالسوق الهابطة، قال في السنة الماضية إن السيناريو الذي ينطوي على “أكبر المخاطر” في رأيه لعام 2014 كان تكرار أزمة العملات الآسيوية لعام 1997 والانكماش الذي كتم أنفاس الانتعاش الضعيف في الولايات المتحدة وأوروبا، تتبعها “موجة من حروب العملات والإجراءات الحمائية”. وبالنسبة لعام 2015، تظل قائمة الأمور المثيرة للقلق بالنسبة إليه هي نفسها “لكن على نحو أسوأ من قبل”.
كذلك رأى محللون استراتيجيون إمكانية حدوث مفاجآت سارة. ولأن النمو الاقتصادي لعام 2014 كان أقل من التوقعات، كان الاقتصاديون مترددين في التنبؤ بحدوث قدر لا بأس به من التحسن. ويقول أوبنهايمر: “تماما في الوقت الذي توقف فيه الناس عن التنبؤ بحدوث تحسن في النمو، يمكن أن يكون عام 2015 هو السنة التي تحدث فيها بالفعل مفاجأة على الجانب الإيجابي”.