عصام شلهوب
هل يعود لبنان بلداً سياحياً؟ وهل أن عودته إلى ما كان قبل الحرب تكفي في ظل التطور السياحي الذي طرأ في المنطقة، والتراجع الاقتصادي البنيوي الذي أصاب لبنان؟ وإلى أي حدّ يمكن أن يعود القطاع السياحي احد مصادر الدخل الرئيسية في لبنان؟
يتوقف القيّمون على المرافق السياحية كالفنادق والمطاعم وشركات السياحة والسفر في محاولتهم الإجابة على بعض هذه الأسئلة عند الوقائع التالية:
– أن لبنان كان بلداً لسياحة الدرجة الأولى وليس لسياحة العدد. ومرد ذلك إلى ضآلة وجود الفنادق من فئة الثلاث نجوم اللائقة بسائح دون الطبقة المتوسطة يريد أن يزور لبنان، فيقع امام خيارين: فنادق فخمة وباهظة، أو فنادق أدنى من المستوى المطلوب. وذلك على الرغم مما يعيشه القطاع السياحي من صعوبات في ظل الوضع القائم.
وتوضيحاً للصورة لا بدّ من مقارنة لأسعار الفنادق (5 نجوم) في لبنان بأسعارها في بعض الدول السياحية:
1 – الدوحة وقد حظيت بأعلى متوسط تعرفة للغرفة الواحدة والذي بلغ 234 دولاراً اميركياً.
2 – الرياض وبلغ متوسط تعرفة الغرفة الواحدة 214 دولاراً.
3 – المنامة وبلغ متوسط سعر الغرفة الواحدة 203 دولارات.
4 – أبو ظبي وكان متوسط سعر الغرفة الواحدة 197 دولاراً.
5 – بيروت وبلغ متوسط سعر الغرفة الواحدة 162 دولاراً.
تبين هذه اللائحة أن أسعار الفنادق اللبنانية من درجة خمس نجوم تتقارب إلى حدّ ما مع أسعار الفنادق في معظم دول الخليج الغنية والتي لا تشبه اوضاعها أوضاع لبنان، ولا تعيش الاضطراب السياسي والقلق الأمني.
ولكن هل يمكن تبرير مستوى الأسعار في لبنان بمقولة نحن بلد للسياحة الفخمة عندما تكون الأسعار هي وحدها في هذه الفئة؟
أن حركة السياحة في البلاد تعكس الصورة الحقيقية للواقع، لبنان لا يجتذب الطبقة المتوسطة من السيّاح الذين يجولون في العالم في اجازاتهم السنوية، كذلك لا يجتذب الاجانب طالبي السياحة الباهظة كون هؤلاء يفضلون المناطق السياحية في فرنسا واسبانيا مثلاً… فمن يجتذب لبنان إذاً؟
يقول رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار اشقر، أكثر من 50٪ من السيّاح إلى لبنان قبل الأحداث الأخيرة وقرار المقاطعة الخليجي كانوا من العرب، والأمر يتكرر دائماً عندما تستقر الأوضاع… لكن هل يجب الاكتفاء بهذا الرابط الطبيعي والركون إليه، مع معايشة مخاطره بين وقت وآخر؟ من دون التساؤل هل يقدم لهؤلاء السيّاح العرب ما لا تقدمه فرنسا وإيطاليا.
إن ما يُقدم لهم هو بلد تتمركز معظم فنادقه ومطاعمه الفخمة في العاصمة التي تعيش اليوم حالة فراغ، وهي لا تمثل اصلاً المركز الأهم بالنسبة إلى العرب الذين يحبون جبال لبنان، ومناطقه.. ثم إن غالبية الطبقة العربية التي تزور لبنان ليست الأكثر ثراء كالطبقة التي كانت تزوره سابقاً وتصرف مبالغ طائلة، وهي تفضل استئجار بيوت في المناطق الجبلية البعيدة.. على أن تنزل في الفنادق الفخمة والقليلة في المناطق الجبلية.
3 – حجوزات الفنادق اليوم لا تزال أقل من حجوزات العام الفائت. فقد أشار تقرير لمؤسسة «ارنست اند يونغ» أن معدل إشغال الفنادق في بيروت ارتفع إلى 51٪ وهو أدنى معدل نسبة اشغال فنادق بين عواصم المنطقة لفئة الخمس والاربع نجوم. في حين تصدرت أبو ظبي لائحة أعلى معدل إشغال وقد بلغ 78٪، تبعتها مدينة الدوحة 71٪ ومدينة الرياض 66٪.
ومن الملاحظ أن بعض فنادق العاصمة كانت تتكل على النزلاء من رجال الأعمال الذين يأتون في سياق انعقاد المؤتمرات والندوات، وهي اليوم تعيش جموداً منذ نحو تسعة أشهر أو أكثر.
مسؤول في أحد الفنادق الكبرى يتخوف من تكرار سيناريو عدم عودة السيّاح إلى لبنان السنة المقبلة لأن الكل ينزعج من الأجواء السياسية والأمنية إضافة إلى أمر مبك مضحك وهو الحفر في الطرق وعجقة السير والغلاء.
ويوضح هذ المسؤول (الذي فضل عدم ذكر اسمه أو اسم فندقه لأنه يمثل فندقاً ضخماً تعود ملكيته الى أحد الأثرياء العرب)، أن السائح العربي اليوم يفضل أوروبا وخصوصاً لندن، وهذا يلاحظ من عدد النزلاء الأقل هذه السنة، وتراجع عدد الحفلات.
ولاحظ مسؤول في فندق «فينيسيا» الذي يشهد عادة حركة سياحية مهمة، تراجع هذه الحركة، خلال الأشهر الأربعة الأخيرة عمّا كانت عليه سابقاً، مشيراً إلى انه لا يمكن القول أن لبنان قادر على استعادة بريقه السياحي قبل انتهاء جميع الأوضاع السلبية القائمة حالياً، وهو أمر صعب في المدى المنظور.
ويتخوف الأشقر من تكرار غياب مشهد السيّاح في شوارع لبنان السنة المقبلة على غرار السنوات الماضية، خصوصاً وأن الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان والجوار لا تزال متوترة، وتُشير التوقعات إلى لجوء السيّاح إلى دول أكثر أماناً واستقراراً.
لا يمكن القول أن لبنان سيعود قريباً إلى الخارطة السياحية، فالسائح يفتقد مستلزمات السياحة، من تنقل وحرية الحركة.
وعلى الرغم من أن القطاع السياحي شهد تقدماً ملحوظاً على صعيد: دور القطاعين العام والخاص في اعادة الحياة السياحية الى البلاد، والحفاظ على بريق الفنادق العالمية والفخمة التي ساهمت في الماضي وستساهم مستقبلاً في ابراز صورة لبنان السياحية.