Site icon IMLebanon

فضيحة جديدة: ضبط معدات مُشبعة بإشعاعات تتسبّب بأمراض سرطانية

AliKhalilPort
ايفا ابي حيدر
كشف وزير المالية علي حسن خليل عن فضيحة صحية من العيار الثقيل امس، تمثلت بضبط معدات صناعية وأوانٍ من ضمنها معدات منزلية مطبخية تحوي اشعاعات خطيرة جداً من مادة الـ«كوبالت60» المشع (CO 60) في المرفأ والمطار في بيروت مستوردة من الهند. ورغم ان عملية الضبط تمت قبل إدخال هذه المواد، الا ان السؤال المُقلق يتعلق بالمواد الشبيهة التي قد تكون دخلت من قبل الى الاسواق المحلية. وقد تبين ان هذا النوع من الاشعاعات، وبتأكيد الخبراء، يتسبّب بالأمراض السرطانية.
اكد وزير المال علي حسن خليل في مؤتمر صحافي عقده في العنبر رقم 6 في مرفأ بيروت ان الاجراءات المتخذة في ادارة الجمارك وعند المعابر مستمرة وهي التي أدت في خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية الى ضبط كميات من المواد المخدرة في مطار بيروت مشدداً على أنه من غير المسموح ان يكون لبنان مكباً للنفايات السامة والاشعاعات.

أعقب مؤتمر خليل جولة مع الاعلاميين اطلعوا في خلالها على المواد الشعاعية الخطيرة المضبوطة وعلى أجهزة السكانر المستخدمة في ضبط المواد الخطرة. قال خليل على أثرها:هناك مجموعة من الاجراءات يجري التحضير لها، وقد زرت مرفأ بيروت ثلاث مرات دون علم أحد ودون اعلام وحتى دون اعلام الادارة المعنية في المرفأ بذلك.

وأعلن ان الجمارك ضبطت في مرفأ بيروت ومطار بيروت ادخال بعض المعدات الصناعية والادوات المنزلية المطبخية والتي تحوي على اشعاعات بنسب عالية جداً ملوثة بمادة الكوبالت المشع CO 60 وهي من اعلى الدرجات المحظور ان تدخل الى لبنان والى اي دولة وفقاً للبروتوكول مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي اشعاعات خطيرة على الصحة العامة وعلى حياة الناس والمواطنين».

أردف: «نحن أمام مشكلة تتعلق بسلامة المواطنين الذين يتعرضون لموت بطيء وتسمم تدريجي يوصل الى القتل دون ان يكون هناك أي شكل من اشكال المعالجة الطبية لأنه أمر غير منظور ويدفع الانسان صحته ثمناً له دون أي انتباه».

تابع: «هذا التسمم البطيء للبنانيين قد وضعت اليوم اليد على تفصيل منه او جزء منه من خلال عملية الضبط التي حصلت في مطار بيروت لمعدات صناعية وأجهزة كشف، وفي مرفأ بيروت لأدوات مطبخية من صحون وملاعق وشوك وسكاكين يمكن أن تدخل الى كل بيت ومطعم ويجري استخدامها في تناول الطعام وتؤدي الى التسمم الخطير دون ان يدرك أحد بذلك».

أضاف: «من غير المسموح أن يكون لبنان مكباً للنفايات السامة وللمواد التي تحوي اشعاعات تضرّ بصحة المواطن. لقد أخّرنا الاعلان عن هذه القضية لمدة اسبوعين الى حين صدور تقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية والذي جاء فيه:

أنه بعد الفحص الدقيق الميداني تبين ان الطرود المذكورة في مطار بيروت تحتوي على اجهزة انذار كهربائية ملوثة بمادة الكوبالت المشع CO 60 ويحتوي الطرد على /13/ جهازا إضافة الى التفاصيل الفنية المتعلقة بهذه البضاعة».

وكشف: «ان البضاعة مستوردة من الهند وعلى التجار أن يسمعوا جيداً أن استسهال شراء بضاعة بأسعار رخيصة وملوّثة امر غير مسموح به ولن يمر وسيدفع كل صاحب علاقة ثمن هذا الامر». واعتبر «أننا أمام جريمة موصوفة وعملية قتل بطريقة غير مباشرة بطيئة وبالتالي يجب أن يحاسب كل مرتكب على هذا الاساس». وبالنسبة لتحليل المعدات المطبخية هناك عدد من الصناديق المضبوطة الملوثة بالمواد الاشعاعية نفسها موضبة لتوزّع وتباع الى المطاعم والمنازل».

وشدّد على «ان المسألة لن تقف عند حدود ضبط هذه العملية مشيراً الى « أنه لا توجد اي طريقة من طرق المعالجة لهذا الأمر في لبنان ولا يمكن لها ايضاً أن تُطمر في لبنان، فهذا محظّر دولياً ولا نستطيع تحمله على الاطلاق، ولا يمكن أيضاً أن يحفظ في مستودعات الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية لأن الكمية اكبر من ان تستوعب في مستودع الهيئة، وبالتالي فان الخطوة هي اعادة تصدير هذه البضاعة الى بلد المنشأ على مسؤولية الشركة التي يجب أن تُساءل وستُساءل بعد أن احيل هذا الملف اليوم الى التحقيق في النيابة العامة لاجراء المقتضى القانوني بحق هذه الشركات سواء كانت تعلم أو لم تعلم بما تحويه هذه المواد والادوات».

تابع: «المسألة الاخرى هي فتح ملف هذه الشركات وغيرها من الشركات لمعرفة ما إذا كان قد تم استيراد مثيلاً لهذه البضائع في وقت سابق».
وقال : «لا اريد أن أخلق حالة رعب وخوف بين الناس، لكن مسؤوليتنا اليوم تقتضي أن نعلن هذا الامر للرأي العام حتى نعمل جميعاً وزارات وادارات معنية وقضاء من اجل ضبط هذه العملية وحسمها نهائياً. »

وأكد أن « الملف سيفتح وهذه الشركات ستُساءل وسنعود الى لوائح الادخال للبضائع المستوردة التي أتت منها هذه المواد وللشركات التي ادخلتها او حاولت ادخالها في هذه العملية لنرى ما إذا كان هناك مثل هذه البضاعة قد ادخلت سابقاً. »

ولفت « الى ان مثل هذا الاشعاع يستمر لأكثر من 85 عاماً ما يعني اننا أمام مشكلة لا يمكن حلها في يوم او يومين». ودعا الى اقفال اي سجال بين الوزارات حول اي خطوة من الخطوات التي تحصل فلنتحول جميعاً الى ورشة عمل واحدة كل في اطار اختصاصه».

رأي الخبراء

على هذا الصعيد، أوضح الاختصاصي في الفيزياء النووي البروفسور ولسن رزق لـ»الجمهورية» ان المادة الاشعاعية التي تحدث عنها وزير المال في مؤتمره الصحافي ناتجة عن «cobalt 60» (كوبالت 60) وهذه المادة هي من المعدن وتستعمل فقط في التطبيقات الطبية للمستشفيات لا سيما في التشخيص الطبي، والمعالجة الفيزيائية الطبية ولبعض الاغراض الخاصة. ولفت الى ان هذه المادة كانت تستعمل في السابق الا أن استعمالها اليوم محظور لأنه يشكل خطراً على مستعمليه خصوصاً انها مادة مسرطنة.

واستغرب رزق دخول هذه المادة على الادوات المطبخية لأن هذه المادة لا عمل لها في المطبخ ولا يمكن ان تدخل في السكين أو الملاعق. وسأل كيف يمكن ان تصل هذه المواد الى أدوات المطبخ.

وأوضح أن هذه المادة تدخل في معدات طبية متخصصة جداً، ولا يمكن ان تدخل في الصناعات المطبخية المنزلية كما لا مجال للتلامس بينها وبين الادوات المطبخية من صحون وملاعق أو شوك أكانت من البلاستيك أو المعدن. وأوضح أن استعمال هذه المادة تستوجب استعمال ملاقط وأبر خصوصية.

وأوضح رداً على سؤال، ان «كوبالت 60» لا يستعمل الا في الصناعات الطبية، او في صناعات متطورة، لكنها تكون محددة جداً، ومتخصصة جداً. على سبيل المثال، ان المواد المشعّة تستعمل لتصنيع آلة تساعد في فحص او الكشف عن دقة تصنيع الالمينيوم والفولاذ أو الصناعات الدقيقة… وعمّا إذا كانت هذه المواد المشعة انتقلت الى لبنان من بلد يحمل هذه الاشعاعات، أكد رزق ان cobalt 60 لا يمكن ان تسرّب من بلد الى آخر، انما الحال هنا يفرض ان يكون هناك تلوث أو فساد من هذه المادة أثناء التصنيع وليس مجرد تسرب اشعاعي، أي أن التلوث أدخل خلال تصنيع هذه المواد الصناعية التي تحدث عنها خليل أو خلال تصنيع الادوات المطبخية.

وعن إمكان انتقال هذا الاشعاع الى كل السلع المحيطة به في المرفأ والمطار، قال: هذا الاشعاع لا ينتقل بالهواء، ولا شك ان مادة «الكوبالت 60» اذا ظهرت في المواد الصناعية فهذا يعني انها دخلت خلال التصنيع، وليس من خلال انتقال الإشعاعات، وتالياً هي ملوثة. ومتى اختلطت المواد الملوثة مع مواد نظيفة عبر التلامس تصبح كلها ملوثة. وطالب رزق بإعادة كل المواد الملوّثة وعدم ادخالها الى لبنان لأنه لا تتوفر لدينا الإمكانات لهذا النوع من المعالجات.

بدوره، علّق الباحث النووي البروفسور جاسم عجاقة بالقول: «إن هذا الأمر خطير جداً ويتطلب إقفال مناطق في المرفأ والمطار حتى يتم تنظيفه وتحديداً المحيط الذي تواجدت فيه هذه المواد، ذلك أن الإشعاعات النووية تجعل كل إنسان أو شيء يتعرض لها باللمس في حد ذاته مصدر تلوث.

وقال لـ«الجمهورية»: للإشعاع النووي تداعيات خطيرة من ناحية أنه يلوث الهواء (Ionization) ويضرب خلايا الإنسان ويحولها إلى خلايا سرطانية في وقت قليل جداً. أضاف: هذا الأمر يحتاج إلى تدابير خاصة كما ومساعدة دول غربية تملك تقنيات التنظيف من الإشعاعات النووية لا يمتلكها لبنان.

وإستغرب عجاقة كيف يُمكن لباخرة أن تحمل هذه الإشعاعات النووية في ظل المراقبة التي تقودها الولايات المُتحدة الأميركية لتتبع مصادر الإشعاعات . وطلب عجاقة المسؤولين بإقفال المناطق المشبوهة في المرفأ والمطار، وعزل كل ما يوجد من بضائع وأشخاص حتى يتم التأكد من كميات الإشعاعات التي تعرض لها المرفأ والمطار. وحمّل الحكومة اللبنانية مسؤولية الأمراض السرطانية التي ستنتج عن التلوث، ودعا إلى إعلان حال الطوارئ القصوى حتى تنجلي هذه القضية.