السيد سليمان وأحمد رمزي
يبدو الاحتياطي الأجنبي لأكبر بلد عربي من حيث عدد السكان تحت ضغوط شديدة مع بدء الحكومة المصرية في سداد حزمة من مستحقات شركات الطاقة واقتراب موعد سداد قسط «نادي باريس» الذي تدفعه القاهرة مرتين كل عام، أحدهما في يناير (كانون الثاني) الحالي.
وسددت القاهرة 410 ملايين دولار إلى شركات الطاقة العالمية خلال الأيام الماضية، حيث تلقت «بي جي» البريطانية نحو 350 مليون دولار من مستحقاتها، فيما تلقت «دانة غاز» الإماراتية 60 مليون دولار.
ومع قسط «نادي باريس» المزمع دفعه خلال الشهر الحالي، والبالغ 700 مليون دولار، تكون القاهرة قد دفعت 1.1 مليار دولار.
وتجمع «نادي باريس» يتألف من 19 دولة بالعالم يحددها صندوق النقد الدولي، ويهدف إلى إيجاد حلول للصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدول المدينة في سداد ديونها.
وقال محللون لـ«الشرق الأوسط» إن سداد الحكومة لديونها، سواء لشركات الطاقة أو لـ«نادي باريس»، سيؤثر سلبيا على الاحتياطات الأجنبية وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار، لكنه يعزز في الوقت نفسه من قدرتها على الاستدانة من خلال تراجع التكاليف.
وتظهر حسابات لـ«الشرق الأوسط» انخفاض أرصدة الاحتياطي المصري من النقد الأجنبي إلى 15.882 مليار دولار بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة مع 16.909 مليار دولار في نهاية أكتوبر (تشرين الأول)، لتفقد بذلك 1.027 مليار دولار.
ويعتبر هذا الانخفاض هو الأول منذ 5 أشهر، حيث شهد الاحتياطي نموا خلال الفترة من يوليو (تموز) إلى أكتوبر، ويصل بذلك إلى أدنى مستوياته منذ يونيو (حزيران) 2013، والذي شهد آنذاك أدني مستوياته منذ عام 2004.
وردت مصر في نوفمبر الماضي وديعة قطرية بمبلغ 2.5 مليار دولار، وهو ما ألقى بظلاله السلبية على الاحتياطي الأجنبي. ويتبقى للدوحة وديعة واحدة بقيمة 500 مليون دولار تستحق السداد في النصف الثاني من عام 2015.
وفي يناير الحالي، يحل أيضا موعد سداد سندات دولية أصدرتها القاهرة بضمان الولايات المتحدة في 2005 لآجل 10 سنوات. وتبلغ قيمة تلك السندات 1.25 مليار دولار، فيما يبلغ العائد عليها نحو 4.5 في المائة.
وتظهر الموازنة المصرية للعام المالي الحالي 2014-2015 ارتفاع التزاماتها الخارجية إلى 35.6 مليار جنيه (5 مليارات دولار)، مقابل 14.2 مليار جنيه (1.98 مليار دولار) العام المالي الماضي. ويبدأ العام المالي في مصر في مطلع يوليو من كل عام.
وقال هاني عمارة، اقتصادي أول لدى «سي آي فايننشيال سرفيس» لـ«الشرق الأوسط»: «لاشك أن سداد الالتزامات المالية للحكومة المصرية سينال بصورة أو بأخرى من احتياطات النقد الأجنبي، ولكن في الوقت نفسه ستتراجع كلفة التأمين على الديون المصرية ضد مخاطر عدم السداد، وهو ما يعني استدانة الحكومة بكلفة أقل في ظل سعيها لإصدار سندات دولية العام الحالي».
وتظهر بيانات اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، صادرة عن «ماركت للأبحاث»، تراجع تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر من 800 نقطة في يوليو الماضي إلى نحو 270 نقطة بنهاية العام الماضي.
ويضيف عمارة: «قد نرى المزيد من الدعم الخليجي خلال الفترة المقبلة مع اقتراب موعد المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر في مارس (آذار) المقبل». وحصلت مصر على دعم من دول الخليج قدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات بنحو 20 مليار دولار. وفي مطلع الشهر الحالي، تسلمت مصر من الكويت فعليا مبلغ مليار دولار كمنحة من الحكومة.
وفي تلك الأثناء، يواجه الجنيه المصري ضغوطا أكبر مع وصوله إلى أدنى مستوى له في نحو 20 شهرا مقابل الدولار. وقال محمد الصيرفي، مدير بإحدى شركات الصرافة في وسط العاصمة المصرية القاهرة، إن «الطلب على الدولار مرتفع بشدة هذه الأيام في ظل ندرة من المعروض». وتابع: «الكل يتابع عن كثب ما ستؤول إليه أرقام الاحتياطي الأجنبي خلال الفترة المقبلة مع الالتزامات الكثيرة التي تواجه الحكومة».
ومنذ يونيو 2012 وحتى الآن، قفز سعر الدولار مقابل الجنيه بنحو 115 قرشا، حيث كان الجنيه يتداول حينها عند مستوى 6.04 جنيه للشراء و6.07 جنيه للبيع. وفي السوق الرسمية الآن يتداول الدولار في المتوسط مقابل 7.14 جنيه للشراء و7.17 جنيه للبيع، وفقا للبيانات المستقاة من موقع البنك المركزي المصري.
وفي الشهر الماضي، فاجأ البنك السوق بحزمة من القرارات في إطار مساعيه إلى ضبط سعر الصرف، حيث قرر زيادة عدد المزادات الدولارية التي ينظمها البنك أسبوعيا إلى 4 مزادات بدلا من 3، في خطوة جديدة لمواجهة السوق الموازية للدولار والقضاء عليها.
واستحدث البنك المركزي في أواخر 2012 نظاما جديدا لتوفير السيولة الدولارية للبنوك المحلية، وذلك من خلال آلية العطاءات. ويطرح البنك نحو 3 عطاءات أسبوعية بشكل منتظم، بالإضافة إلى العطاءات الاستثنائية. وتجري هذه العطاءات بنظام المزايدة من أجل الوصول إلى قيمة عادلة للجنيه أمام الدولار.
وتبلغ قيمة العطاءات الدولارية التي طرحها البنك المركزي 8.16 مليار دولار حتى نهاية أبريل (نيسان) الماضي وفقا للبيانات المستقاة من موقع البنك المركزي المصري، إضافة إلى عطاءات استثنائية بقيمة 4.2 مليار دولار.
وتعاني مصر منذ ثورة 25 يناير عام 2011 من أزمة اقتصادية تآكل معها احتياطي النقد الأجنبي في البلاد، من 36 مليار دولار بنهاية عام 2010 إلى 16.9 مليار دولار بنهاية الشهر الماضي.
وقال نعمان خالد، المحلل الاقتصادي في «سي آي كابيتال لإدارة الأصول» إن «سعر الجنيه يرتبط بحجم الاحتياطي، حيث ارتفع الدولار خلال الفترة الماضية في السوق الموازية تأثرا بالأخبار والتوقعات، فحينما اقترب ميعاد رد الوديعة القطرية وأيضا دفع بعض الالتزامات لدى شركات البترول الأجنبية ارتفع الدولار، بالإضافة لقيام بعض تجار الذهب بشراء دولار؛ ومن ثم استيراد الذهب ليستغلوا هبوط سعره».
ويغطي الاحتياطي الأجنبي لمصر حاليا واردات البلاد السلعية لفترة لا تتجاوز 3 إلى 4 أشهر. ويعلن البنك المركزي المصري خلال الأيام القليلة المقبلة عن رصيد البلاد من الاحتياطات الأجنبية بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي.