Site icon IMLebanon

السعودية تتجه لتأمين حصتها في أوروبا بعد استقرارها في آسيا…ورفع الأسعار اختبار للسوق

SaudiOil2
وائل مهدي
ماذا تقول قائمة أسعار «أرامكو» السعودية لمبيعات النفط لشهر فبراير (شباط) المقبل، والتي صدرت أول من أمس في وقت تشهد فيها السوق حالة من «الكونتانقو» (تعريف يعبر عن الحالة التي يكون فيها سعر النفط مستقبلا أعلى من سعر النفط اليوم، وهو ما يشجع على تخزينه وبيعه لاحقا) في أسعار النفط ستسهم في زيادة تخزينه بدلا من بيعه؟

هناك أمور واضحة في القائمة، وهناك أمور غامضة. أما الأمور الواضحة فأهمها هو أنه ليست هناك حرب أسعار تقودها السعودية. أما الأمور الغامضة فهي تتعلق بالتخفيض الكبير المقدم لأوروبا؛ إذ إن هناك محاولة واضحة للسعودية للحفاظ على حصتها السوقية في أوروبا التي تعد أصغر الأسواق بين أسواق «أرامكو السعودية». والأمر الغامض الثاني أن «أرامكو» رفعت أسعار البيع على الزبائن في آسيا رغم كل العلامات التي تدل على ضعف الطلب هناك.

واتفق المحللون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أو أولئك الذين أصدروا مذكرات لعملائهم بالأمس أنه لا وجود لحرب أسعار تقودها المملكة بين المنتجين داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). والسبب في ذلك أن «أرامكو» قللت من التخفيضات لآسيا أهم سوق تتنافس عليها دول أوبك حاليا وهذا يعني أنها لا تحاول أخذ المزيد من الحصص هناك.

ويقول المحلل الكويتي المستقل والرئيس التنفيذي السابق لشركة البترول الكويتية الدولية كامل الحرمي: «يبدو أن السعودية ضمنت حصتها في آسيا، ولهذا فهي تقول للجميع من خلال رفع الأسعار إننا نحن في قمة الارتياح ولا نحتاج للدخول في صراع مع أحد. ولكن هذا الأمر لا نراه في أوروبا، حيث إن (أرامكو) زادت الأسعار بشكل كبير هناك وهذه معناها أنها لن تسمح بأي حصة لها في أي سوق بأن تذهب لغيرها».

ويضيف الحرمي: «التخفيضات ما زالت في مستوى يسمح للسعودية بالتحرك بسهولة في اتجاه أخذ المزيد من الحصة في الأسواق لو أرادت وكأنها تقول لأي منتج يتنافس معها على حصتها إن عدتم عدنا».

وتعاني السوق النفطية من تخمة كبيرة في المعروض النفطي تقدر بنحو مليوني برميل يوميا أثرت في أسعار النفط في نيويورك ولندن لدرجة جعلتها تدخل في مرحلة «الكونتانقو».

* دبي والضعف في آسيا

ويرى جون أسفاكياناكيس، مدير الشرق الأوسط بشركة «آشمور للاستثمار»، أن السعودية الآن تقوم بعملية اختبار للأسواق من خلال هذه التسعيرة. ففي التسعيرة الأخيرة تفاعل السوق بشدة مع التخفيضات لأنها كانت ضخمة جدا ومن قبل كل المنتجين، والآن جاء دور «أرامكو» حتى تكتشف كيف ستكون ردة فعل السوق مع زيادة الأسعار.

وقد يكون الغموض حول حرب الأسعار قد زال بالأمس، ولكن الغموض حيال رفع «أرامكو» لأسعار آسيا لا يزال قائما لدى بعض المحللين الذين ينظرون لأساسيات السوق.

ورفعت السعودية سعر البيع الرسمي لشحنات فبراير من كل الخامات التي تبيعها إلى آسيا بين 55 سنتا للعربي الخفيف السوبر، وهو أجود أنوع النفط الذي تبيعه «أرامكو»، و70 سنتا للعربي الثقيل، وهو أقل الأنواع السعودية جودة.

ويقول المحلل الكويتي عصام المرزوق، وهو تنفيذي سابق في مؤسسة البترول الكويتية في أوروبا: «كان يجب على السعودية أن ترفع أسعارها إلى شرق آسيا، رغم أني كنت متوقعا أن ترفع الأسعار بأكثر من المعلن، وفي تقديري كان يجب أن ترفع الأسعار بنحو دولار على الأقل».

ويشرح المرزوق السبب في ذلك قائلا: «لأن التخفيضات التي أعطتها السعودية لآسيا في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي كانت كبيرة جدا، ولكن كانت هناك علة واضحة لذلك التخفيض الكبير، وهي أن القائمة صدرت خلال أقل من 10 أيام بعد انتهاء اجتماع (أوبك)، وكانت السوق تعيش حالة خوف واضحة حيال الطلب، ولهذا كان يجب أن تكون الأسعار مشجعة للزبائن».

وبالفعل فإن شهر يناير الحالي شهر منافسة شديدة جدا بين دول «أوبك» على آسيا؛ إذ انضمت إيران إلى العراق والكويت والسعودية، لتقدم تخفيض على نفطها الخفيف هو الأعلى منذ 14 سنة للمشترين في آسيا لتحميل شهر يناير. وأعلن العراق والسعودية والكويت في الشهر الماضي قائمتها بتخفيضات ضخمة جدا، حيث قدم العراق تخفيضا هو الأعلى منذ 11 عاما على البصرة الخفيف، ولحقته الكويت بعد أن قدمت خصومات كبيرة على نفطها لشهر يناير القادم هي الأعلى منذ ست سنوات. أما «أرامكو» فقد قدمت أعلى تخفيض على العربي الخفيف لم تشهده السوق منذ عام 2000.

ويضيف المرزوق أنه ما زال هناك مجال لـ«أرامكو» أن تزيد الأسعار أكثر؛ إذ إن الفرق السعري الكبير بين نفط دبي وبرنت معناه أن النفط السعودي في آسيا في مأمن حاليا من منافسة النفوط القادمة من منطقة برنت مثل نفوط غرب أفريقيا.وتقول شركة «جي بي سي» للاستشارات في مذكرة أمس اطلعت عليها «الشرق الأوسط»: «لقد تم رفع أسعار آسيا بين 55 و70 سنتا للبرميل على الرغم من الحالة الضعيفة لهيكلية سوق نفط دبي».

والسبب في تركيز «جي بي سي» على سوق نفط دبي هو أن دبي هو الخام الذي تستخدمه أغلب الدول في منطقة الخليج العربي في تسعير نفطها المتجه لآسيا. وتسعر دول مثل السعودية والكويت والعراق النفط إلى آسيا على أساس متوسط السعر لنفطي دبي وعمان اللذين يبيعان في السوق الفورية مما يجعلهما خامات خاضعة للسوق تماما.

وبحسب الأرقام التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» فإن الفرق بين سعر نفط دبي ونفط برنت اتسع كثيرا خلال الأسابيع الماضية ووصل حتى 4.85 دولار، ما يعني أن الطلب على نفط دبي ليس قويا، وهذا مؤشر على أن آسيا تعاني من ضعف في الطلب. واتسعت الفجوة في السعر بين عمان وبرنت كذلك إلى أعلى مستوى منذ أشهر طويلة وهو علامة أخرى أن الطلب على آسيا ضعيف.

التخفيضات الكبيرة لأوروبا

ما أثار دهشة الجميع هذا الشهر هو التخفيضات التي قدمتها «أرامكو السعودية» إلى أوروبا على جميع نفوطها المتجهة هناك في شهر فبراير بما فيها لنفطها الخام العربي الخفيف، وهي خطوة قال المحللون إنها ترجع إلى حرص المملكة على حماية حصتها من السوق.

وقالت «أرامكو» إنها زادت تخفيضاتها على سعر البيع الرسمي لخاماتها في فبراير إلى شمال غربي أوروبا بين 1.50 دولار إلى 1.70 دولار. وبذلك سيحصل كل مشتر للخام العربي الخفيف في أوروبا على النفط بسعر برنت منقوصا منه 4.65 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى له منذ عام 2009.

وتقول شركة «جي بي سي» للاستشارات: «في تقييمنا فإن أوروبا هي الإقليم، حيث النفط السعودي هو الأقل جاذبية بين جميع النفوط المنافسة».

ويعتقد بعض المحللين الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» أن «أرامكو» تريد أن تقطع الطريق على النفوط المنافسة هناك في فبراير مثل العراق والذي توصل إلى اتفاق مع كردستان سيساعده على تصدير كميات أكبر من النفط إلى أوروبا من خلال مرفأ جيهان التركي. كما أنها تريد قطع الطريق على النفط الروسي الأورال؛ إذ إن روسيا تنوي زيادة إنتاجها هذا العام.

وتقول «جي بي سي»، إن واردات أوروبا من الأورال في زيادة منذ ديسمبر (كانون الأول) بسبب تعديل الضرائب عليه، كما أن العراق يريد أن يصدر كميات إضافية من الشمال تقدر بنحو 500 ألف برميل يوميا خلال الربع الأول من العام الحالي.

ويقول المحلل الكويتي المرزوق: «عندما أنظر للتخفيضات الكبيرة التي قدمتها السعودية لأوروبا وأتجاهل كل العوامل الأساسية فلا أجد تفسيرا سوى أمر واحد وهو تحصين حصتها من المنافسة القادمة، ولا أستطيع التفكير في منافسين في أوروبا الآن سوى العراق وروسيا».