… إنّها “زينة”، العاصفة التي اجتاحت لبنان، كلّ لبنان، ساحلاً ووسطًا وجبلاً، لم تترك طريقًا ساحلية إلا وغمرتها بمياه البحر التي بلغت أمواجه ارتفاعًا قارب العشرة أمتار، ولم تأبى إلا أن أفاضت سيولا على الطرقات الداخلية وفي المناطق كافة، حيث شكّلت بركًا كبيرة وأنهار على الطرقات جرفت معها أشياء كبيرة وصغيرة، كذلك الرياح القوية التي اصطحبتها أوقعت بلافتات وأشجار بعضها تسبّب بأضرار مادية والبعض الآخر بخسائر في الارواح إلا أنّها ليست كبيرة.
“زينة” التي افتعلت “هرجًا ومرجًا” على السواحل، جراء الرياح الشديدة التي حملتها، إلا أنّها بيّضتها كما يُقال في الجبال، فألبست السلسلتين الشرقية والغربية، كما جبال لبنان كافة من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب، ثوبًا أبيض لا مثيل له، اشتاق اللبنانيون لرؤيته منذ سنوات.
عاصفة ليست كمثيلاتها، استدعت استنفارًا كاملاً من الوزارات والإدارات والمعنيين، جعلت الكل في حركة. وزارة التربية اتّخذت إجراءاتها اللازمة بإقفال المدارس والمهنيات ودور الحضانة رأفة بالتلاميذ من البرد القارس، القوى الأمنية والأجهزة المعنية من دفاع مدني وصليب أحمر وغيرها من غرف العمليات في كل المناطق الجبلية بلغت أعلى ذروات الجهوزية، كما حذّرت ولا تزال من عدم سلوك الطرقات الجبلية من قبل السيارت غير المجهزة والمواطنين الذين ليس لديهم ضرورة لسلوك هذه الطرقات. مطار بيروت الدولي كذلك اتّخذ الإحتياطات اللازمة في هكذا حالات، فأكّد رئيسه دانيال الهيبي أنّ حركة الملاحة لن تتوقف كليا، الا في حالات القصوى بسبب الموجات المناخية التي قد تعرض حياة المسافرين للخطر، داعيًا المسافرين أن يتابعوا الإرشادات عبر وسائل الاعلام، حيث قد يتأخر انطلاق بعض الرحلات وهبوط أخرى.
“زينة” ضربت عكار
الثلوج غطت معظم المرتفعات الجبلية اعتبارا من ارتفاع 1100 متر وما فوق ولتبلغ سماكة الثلوج على ارتفاع 1300 متر اكثر 35 سنتمترا الامر الذي تسبب بانقطاع معظم الطرقات الجبلية لا سيما طريق القبيات الهرمل اعتبارا من محلة المخزن، وطريق عندقت اكروم بيت جعفر الى طريق فنيدق القموعة الهرمل.
وتقوم جرافات تابعة لوزارة الاشغال العامة والبلديات بالعمل على اعادة فتح الطرقات داخل القرى والبلدات الجبلية وبين بعضها البعض، في الوقت الذي أقفلت فيه معظم المدارس الرسمية والخاصة والفروع الجامعية.
وضربت صاعقة ليلا محول الكهرباء الاساسي في بلدة مشمش، ما أدّى الى احتراقه وانقطاع التيار الكهربائي عن البلدة. ونصحت مراكز الدفاع المدني المواطنين بعدم سلوك الطرقات الجبلية الا للسيارات ذات الدفع الرباعي وفي الاحوال الطارئة.
اما في المناطق الوسطية والساحلية، فإنّ الرياح العاتية الماطرة فرضت ايقاعها على مجمل النشاط العام ما انعكس حركة خفيفة في الشوارع حيث اثر القسم الاكبر من اصحاب المحال والمؤسسات التجارية المكوث في منازلهم ما عدا محطات المحروقات والافران والصيدليات التي فتحت ابوابها لتلبية طلبات المواطنين الذيت اقبلوا على شراء الخبز ومادة المازوت.
حتى صور عصت على الوقوف بوجه “زينة”
العاصفة التي تضرب لبنان حاليا أثرت على حركة التجول في صور ومنطقتها إذ خفت تخوفا من سيول وانقطاع الطرق. وقد ألحقت العاصفة اضرارا جسيمة بالمزروعات وسهول الموز والحمضيات والخيم البلاستيكية. كما وصل ارتفاع موج البحر على مدخل صور الشمالي الى 3 امتار وحمل معه الحجارة والرمول الى وسط الشارع.
وقد تكسّر بعض زجاج المحال التجارية بفعل اشتداد سرعة الرياح. وتساقط جدار في بلدة معروب وانقلعت شجرة وقطعت طريق طرفلسيه النهر عمل شباب البلدة على ازالتها. وأقفلت المدارس الحكومية والخاصة ابوابها وشهدت المؤسسات الرسمية شبه إقفال. ولا تزال الهيئات الاسعافية والدفاع المدني مستنفرة تحسبا لحصول اي طارئ.
الأشرفية أخذت حصّتها من “زينة” أيضًا
حبات البرد في الاشرفية بلغت ذروتها عند الثامنة والنصف من صباح اليوم، فقد غطت طبقة من البرد السيارات والشرفات وقد بلغت الحرارة 6 درجات.
“زينة” مرّت بزغرتا ومكثت في إهدن
جميع الطرق في أقضية زغرتا – الزاوية وبشري والبترون مقطوعة اعتبارًا من 800 متر وما فوق بسبب الثلوج. والأمطار لم تتوقف منذ ساعات الصباح في مدينة زغرتا وضواحيها، فشكّلت السيول على الطرقات وروت المزروعات بخيرات السماء إلا أنّ الكثير منها تضرّر جراء الرياح القوية.
مناطق عدّة لم تنجو من “زينة”
كما أفيد عن أنّ الطرقات الرئيسة والفرعية في زحلة وقضائها مقطوعة في ظل غياب البلديات ووزارة الاشغال. أمّا طريق شبعا فمقطوعة وجرافات البلدية ووزارة الاشغال تواجه صعوبة في فتحها. وفي جزين الطرق مقطوعة بدءًا من بلدة روم على ارتفاع 800 متر.
الثلوج التي وصلت إلى 700 متر في بعض مناطق الشمال وأدّت الى انقطاع الانترنت والكهرباء عن عدد منها، قابلتها فيضانات في أخرى حيث فاض نهر الغدير على أهالي حي السلم وحلّ نقمة عليهم، الأهالي ناشدوا الدولة والمعنيين إيجاد حلّ قبل حصول كارثة على عشرات العائلات التي تعيش على مجرى النهر.
“زينة” تبلغ ذروتها مساء
“زينة” ستبلغ ذروتها مساء اليوم بحسب مصلحة الأرصاد الجوية حيث سيستمرّ طقس الأربعاء 7/1/2015غير مستقرّ، عاصف، ماطر وبارد مع إنخفاض درجات الحرارة، إضافة الى أمطار غزيرة مع سيول، كما تتساقط وتتراكم الثلوج على ارتفاع 800 متر ويمتدّ تساقطها إلى الـ600 متر وربما أقلّ في المناطق الشمالية، الرياح ستكون جنوبيّة غربيّة قويّة ويتساقط البرد على الساحل. كذلك سيشهد يوم غد الخميس في 8/1/ 2015، طقسًا باردًا جدّا، أمطار وثلوج على الـ500 متر وربما أقلّ، بحيث يتشكّل الجليد ليلاً على الـ600 متر شمالاً وفي البقاع.
رغم روعة ما ستتركه “زينة” من حلّة بيضاء تكسو لبنان والدول المجاورة، حيث بانتهائها يعلن بدء موسم سياحي خيّر على لبنان طالما انتظره اللبنانيون، إلا أنّها مخلّفاتها ستكون “سوداوية” وسيّئة على البعض الآخر.
عسى أن تحمل “زينة” أملاً جديدًا للبنان، بحيث يحلّ البياض في قلوب السياسيين أيضًا، وكما فعلت فعلها لما فيه خير الوطن، يفعلون أيضًا لما فيها مصلحته ويأتونا برئيس توافقي صاحب صفحة بيضاء تكون بداية للبنان جديد…