كتب طوني أبي نجم
في موضوع الاعتداء على أسبوعية “شارلي إيبدو” الفرنسية في قلب باريس، لا أحد يناقش القبول أو عدم القبول بمسّ الشعائر الدينية. ليس هذا هو الموضوع المطروح على الإطلاق!
صحيح أنّ هذه الجريدة الأسبوعية أساءت أو تهكمت أو سخرت من كل الأديان وفي طليعتها وبشكل مركّز المسيحية، قبل أن تتناول الإسلام. لكن الصحيح أنّ هذه المطبوعة تصدر في فرنسا وتخضع للقوانين الفرنسية ولا تخضع للشريعة ولا لأيّ دولة خلافة أو ما شابه.
وفرنسا دولة ديمقراطية، علمانية وتؤمن بشعاراتها المعروفة التي قامت عليها الثورة الفرنسية الأشهر في التاريخ: “حرية، مساواة، إخاء”. وبالتالي على كل مسلم أو غير مسلم لا يؤمن بهذه المفاهيم والقيم الانسانية أن يترك فرنسا بكل بساطة وينتقل ليعيش في أي دولة إسلامية تعاقب قوانينها كل من يتعرّض للدين الإسلامي ورموزه!
لا يمكن للبعض أن يهاجروا من دول إسلامية الى أوروبا أو أستراليا أو الولايات المتحدة أو كندا ليستفيدوا من الحرية في هذه الدول ومن خيراتها وتقديماتها الاجتماعية، ومن ثم ينقلبون على قوانينها ونظامها بالعنف والإرهاب!
هؤلاء أغبياء فعلاً لأنّهم هاجروا من دولهم الأم، هم أو ذووهم، بحثاً عن فرص أفضل لو وجدوها في دولهم الأم لما هاجروا أصلاً. فكيف يسعى هؤلاء الأغبياء الى ضرب هذه الدول؟ أي مستقبل يريدون؟
ولكن قبل مستقبل هؤلاء الأوباش، ثمة أسئلة كثيرة عن الحرية كمبدأ وقيمة ونمط حياة. وهنا لبّ الموضوع وأساس المعركة والمواجهة.
إنّها ليست مواجهة بين أديان على الإطلاق. إنّها مواجهة ستكون مفتوحة، ويجب أن تكون مفتوحة، بين ثقافتين: ثقافة الحياة وثقافة الموت. ثقافة السلام وثقافة الإرهاب. ثقافة القوانين المدنية وثقافة الشرائع الدينية.
وفي هذه المواجهة الجميع معنيون، وأيّ متخاذل تحت أي شعار، ديني أم غير ديني، هو متواطئ. فالدين لله والوطن للجميع!
إذا اعتبر أيّ كان أن ثمة أمر مسيء فليلتجئ الى القضاء والقانون لا الى تنفيذ أحكام إرهابية على طريقة هجوم “شارلي إيبدو”.
وهذه المواجهة يجب أن تكون على مستويين: مستوى أول هو ثورة إسلامية داخلية ترفض العنف والتبشير بالعنف والمنطق الجهادي وتنتقل بالدين الإسلامي الى الحداثة عوض العودة به الى القرون الوسطى. ومستوى ثانٍ تتحمّل مسؤوليته الدول المتطورة من خلال ضرورة تنمية الدول الإسلامية التي تُعتبر في أكثريتها من دول العالم الثالث حيث تنتفي الديمقراطية والتنمية، فيعيش شعوبها فقراً يدفعهم نحو التطرّف!
التضامن الواجب مع “شارلي إيبدو” ليس تضامناً مع أيّ إساءة الى الأديان على اختلافها، بل تضامناً مع الحق المقدس بالحرية، وفي طليعتها حريّة التعبير مهما كان الثمن. وبهذا المعنى فقط نعم “Je suis Charlie”.
وفي المعركة المقبلة علينا خيار بين اثنين لا ثالث لهما: إما مع الحرية وإما ضدّها… وليتعظ الجميع أن التاريخ لا ولن يعود الى الوراء.