Site icon IMLebanon

في تونس «ربيع» اقتصادي بعد السياسي؟

TunisEcon1
عامر ذياب التميمي
يمكن الزعم أن تونس هي البلد الوحيد بين بلدان «الربيع العربي» التي تمكنت من الوصول إلى الاستقرار والديموقراطية. لكن ماذا عن اقتصادها وهل يمكن النظام الديموقراطي الجديد أن يواجه متطلبات الإصلاح الاقتصادي والارتقاء بمستويات المعيشة وتأمين الوظائف للمتدفقين الجدد إلى سوق العمل؟ لا شك في أن أي حكومة جديدة في تونس تعلم علم اليقين بأن المعضلات الاقتصادية والمعيشية ليست بسيرة وتتطلب جهوداً مضنية ودعماً دولياً مناسباً يتمثل في زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة والقروض الميسرة البعيدة الأجل.
يقدر عدد السكان في تونس بـ 10.8 مليون شخص، في حين يقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ 105.3 بليون دولار أو 10 آلاف دولار سنوياً للفرد. ويُعتبر الاقتصاد التونسي من الاقتصادات شبه الشمولية إذ تتدنى رتبة البلاد في مقياس الحرية الاقتصادية، وتثقل الضرائب قطاع الأعمال إذ تصل الضريبة على الأرباح الصافية إلى 30 في المئة، كما أن الضرائب على المداخيل الشخصية والعائلية مرتفعة وتصل إلى 35 في المئة، ناهيك عن الضريبة على القيمة المضافة على مبيعات السلع والخدمات. ويصل العبء الضريبي الشامل إلى 21 في المئة من الناتج.
وتخصص الحكومة موارد مهمة للإنفاق الجاري والرأسمالي تقدر بـ 35 في المئة من الناتج. وتقترض الحكومة من أسواق المال المحلية والأجنبية وتصل نسبة الدين العام إلى الناتج إلى 45 في المئة. وعانت البلاد الأمرّين بعد تراجع الأداء الاقتصادي خلال السنوات الأربع الماضية التي تلت تنحي الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وبعد تقلص إيرادات السياحة وتعطل التصدير إلى الأسواق التقليدية في أوروبا. وتُعَد السياحة أهم مصدر للإيرادات السيادية في تونس، ويُقدَّر الدخل من السياحة العام الماضي بـ 3.6 بليون دولار. وتعتمد السياحة على الاستقرار السياسي والأمني.
وفيما قطعت تونس شوطاً مهماً باتجاه الاستقرار، إذ تمكنت من تجاوز الاستحقاقات السياسية، مثل انتخاب المجلس التشريعي وانتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية العام الماضي، واستطاعت تأكيد التعددية السياسية في البرلمان، يُحسَب للنخبة السياسية معالجتها خلال السنوات الأربع الماضية الإشكالات السياسية من خلال الحوار بما أدى إلى عزل القوى المتطرفة وتهميش قدراتها على التخريب الأمني. وتعتمد السياحة في تونس على مصدرين هما الاتحاد الأوروبي وليبيا، ويعاني الأول ركوداً اقتصادياً يدفع المواطنين إلى ترشيد النفقات، فيما تواجه ليبيا مصاعب سياسية وأمنية وتراجعاً في إيرادات النفط بما يؤدي إلى تعطل حركة السياحة الخارجية.
ومهم أن تطرح الحكومة الجديدة برنامجاً للإنعاش الاقتصادي يأخذ في الاعتبار مختلف العوامل المؤثرة في الاقتصاد، ولا مناص من أن يعزز البرنامج إصلاح القوانين التي عطلت دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي. ومن الضرورات درس تقليص الدين العام من خلال التفاوض مع الجهات الدائنة. لكن متطلبات التنمية تظل من أهم العوامل الدافعة إلى الاقتراض من الخارج، فهناك مشاريع حيوية بات إطلاقها ملحاً، في قطاعات البنية التحتية والمرافق والخدمات، وهي تستلزم توفير أموال مهمة لإنجازها بما يساعد على الارتقاء بمستويات المعيشة.
واعتمدت تونس مثل بلدان أخرى، على تمويلات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وصناديق التنمية العربية والدعم المباشر من الحكومات، خصوصاً حكومات الخليج. لكن هل يمكن هذه المؤسسات وهذه الحكومات أن تلبي متطلبات تونس بعد تراجع أسعار النفط، خصوصاً في ضوء التداعيات المرتقبة في بلدان الخليج؟ سيكون الأمر امتحاناً مهماً للحكومة التونسية وقدرتها على برمجة مشاريع التنمية وتطوير أدوات تمويل وطنية خلال السنوات المقبلة.
وثمة عناصر يمكن أن تساعد تونس على الانطلاق نحو اقتصاد نشط خلال سنوات. فتونس تتمتع بعدد صغير نسبياً من السكان، وثمة نسبة مهمة منهم ممن تلقوا تعليماً جامعياً أو مهنياً مناسباً. ونظراً إلى تطور الحياة الحضرية في تونس، تراجع معدل النمو السكاني إلى واحد في المئة سنوياً، وهو معدل يقارب معدلات البلدان المتقدمة. وتُعتبَر التركيبة العمرية للسكان متوازنة فـ 39 في المئة من السكان تقل أعمارهم عن 25 سنة، في حين تبلغ نسبة من هم في الفئة العمرية 25 – 64 سنة 53 في المئة، ولا تزيد نسبة من هم فوق 65 سنة عن ثمانية في المئة.
والعامل الآخر الذي يساهم في تحسين فرص الانتعاش الاقتصادي في تونس موقعها الجغرافي القريب من أوروبا، ما يعزز إمكانيات التعامل مع الاقتصادات الأوروبية من خلال اتفاقات تعاون. ويُتوقَّع أن تعمل الحكومة الجديدة لدفع العلاقات مع أوروبا والبلدان الرئيسة الأخرى في العالم، مثل الولايات المتحدة واليابان والصين، إلى مقاربات جدية ونافعة. ويُرجَّح أن تعمل بلدان الخليج العربية قدر المستطاع لتوفير الدعم للاقتصاد التونسي فتحسين الأوضاع هناك سيؤدي إلى تحقيق الأمن والاستقرار. ويتعين منح الحكومة التونسية الجديدة مزيداً من الوقت لتلمس طريق البناء والتنمية وتجاوز العراقيل ومواجهة التحديات.