لم يكن من السهل على الاطلاق تحقيق خرق على صعيد العلاقة بين “حزب القوات اللبنانية” و “تيار المردة”، بعد ذلك التاريخ الطويل من العلاقة الدموية بين الطرفين.. لكنها فترة الانفتاح المسيحي – المسيحي، وهو ما يبدو جليا في الحوار القائم بين الطرفين، ومثله الذي يحضّر له بين زعيم “التيار الوطني الحر” ميشال عون وزعيم “القوات” سمير جعجع.
من الواضح ان الهدف الاول من الحوار بين “القوات اللبنانية” و “المردة” يتمثل في كسر جليد العداوة التي كانت قائمة منذ أواخر السبعينيات، وتمكن الطرفان بالفعل من الانفتاح على بعضهما البعض منذ عامين وتطبيع العلاقات. لكن المسألة لا تبدو بهذه السهولة، اذ ان جبل الجليد هو من الارتفاع بمكان ان لا إمكانية لإذابته في غضون سنوات، لكن الاهم على هذا الصعيد كان في شروع الطرفين بحوار لم يكن ليجري في المرحلة الطويلة الماضية.
يأتي هذا الأمر بعد تواصل سابق بين التيارين كان هدفه الاساس ضبط بعض الأحداث التي حصلت في الشمال، البيئة الخصبة شعبيا بالنسبة الى الطرفين، وهو الامر الذي ساعد على التواصل وفتح الابواب أمام تعزيز العلاقة، بعد مطالبات شعبية لدى قواعد الطرفين بتنفيس الاحتقان في الشمال. فتح هذا الوضع المستجد الباب أمام مسعى البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي جمع زعيمي “القوات” و “المردة”، تحت ظلال البطريركية، وهو ما عد إنجازا، وان كان هذا الامر لم يحصل ثنائياً بل في إطار لقاء الأقطاب الموارنة، اذ ضم جعجع وفرنجية والعماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل.
اليوم، يتفق الطرفان على أن خرقاً تحقق بعد سنوات طويلة من العداوة، ويتبين من استبيان آراء الطرفين أن الهدف الرئيسي من وراء الحوار تحقق بالفعل عبر نقاش اللجنة المشتركة التي شكلت من النائب فادي كرم وإيلي خوري وطوني شدياق عن “القوات”، وعن “المردة” القيادي في التيار والوزير السابق يوسف سعادة إضافة الى وضاح الشاعر وميشال حايك.
ولعل صعوبة المهمة تفرض على الطرفين الاكتفاء بهذا الخرق حتى اليوم، من دون ان يعني ذلك ان اللقاءات توقفت، بل هي مستمرة وان ليس على الوتيرة المتسارعة السابقة، ومن المنتظر ان تعاود الانعقاد “عند الضرورة”، حسب ما قال سعادة لـ “السفير”. وهو يشدد على “اننا تمكنا من تنفيس الاجواء السلبية التي كانت قائمة على الارض والتي كانت تتأثر كثيرا بالتشنج القائم”. وهو أمر يوافقه عليه كرم الذي يذهب أبعد من ذلك في تصريح لـ “السفير”، عند وصفه العلاقة اليوم بين الجانبين بـ “الثابتة والتي من غير الممكن أن تتطور الى الافضل أكثر من ذلك.. لشدة إيجابيتها!”.
يشير كرم الى أن الطرفين تمكنا من الاتفاق على عدد من القضايا التي تهمهما. على انه من المنطقي ان يشكل “موضوع المسيحيين” أولوية بالنسبة اليهما. ويقول كرم ان خرقا تحقق عبر الاتفاق على “رجوع المسيحيين الى الدولة، وقبول كل طرف بالآخر، سواء على الصعيد الوطني أو على صعيد المناطق”. ويتفق سعادة مع هذا الامر بالتشديد على ان العلاقة تطورت “وبات باستطاعتنا الجلوس بعضنا مع بعض”.
على ان سعادة وكرم يلفتان النظر الى ان ثمة أموراً كبيرة لا تزال من دون حل، والخلافات بشأنها عميقة. ويشير سعادة الى ان ملف رئاسة الجمهورية على سبيل المثال التي من غير الممكن ان تحل من دون التوصل الى تسوية كبرى تتخطى لبنان، وهو الأمر المستبعد في الفترة الحالية ذلك ان النار تلف المنطقة التي بات استقرارها الهش على المحك.
من هنا، فإن أي حوار بين الاطراف المختلفة مرحب به من قبل “القوات” و “المردة”، سواء ذلك الدائر بين “حزب الله” و “المستقبل” أو ذلك الذي يحضر له بين “التيار الوطني الحر” و “القوات”. وعلى هذا الصعيد، ينفي كل طرف ان يكون التحضير للحوار بين عون وجعجع جاء على حساب الحوار بين “القوات” و “المردة”. بالنسبة الى “المردة”، فإن إجراء أي حوار في لبنان يعد إيجابيا في تنفيس الاحتقان في الشارع، من دون ان يعني اختزال ذلك الحوار القضايا الرئيسية التي تهم المسيحيين في البلد، والتي يجب ان يشارك فيها الجميع. ويدعو كرم، من جهته، الى توسيع الحوار المسيحي ليضم “القوات” و “التيار الوطني الحر” و “الكتائب” و “المردة”. لكن هذا الامر لا يبدو قريبا، ذلك ان الحوارات الثنائية يبدو انها ستبقى بديلة من الحوار الجماعي بين الأقطاب الموارنة.