نعمت أبو الصوف
الانخفاض الأخير في أسعار النفط يعيد تشكيل قطاع الغاز العالمي. إن انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال المرتبطة بالنفط (Oil-Linked)، خفف الأعباء عن كاهل المشترين في كوريا الجنوبية واليابان، لكنه يضغط على المنتجين في أستراليا والولايات المتحدة التي تتطلع لبدء الصادرات في السنوات القليلة المقبلة.
هذه التطورات تمثل حقبة جديدة لقطاع الغاز بعد أن تمتع المنتجون في السنوات الأخيرة بأسعار للنفط فوق 100 دولار للبرميل وارتفاع الطلب من اليابان رفع أسعار الغاز الطبيعي المسال، خاصة في آسيا. في شهر كانون الأول (ديسمبر)، دفعت اليابان نحو 12 دولارا لكل مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي المسال، بانخفاض نحو 40 في المائة من 19 دولارا التي دفعتها في الفترة نفسها من العام الماضي. هذا الفرق يوفر نحو 20 مليون دولار للمشترين اليابانيين عن كل شحنة غاز طبيعي مسال.
يميل الآن ميزان القوى لمصلحة المشترين في الوقت الذي يحاول فيه المنتجون والمستهلكون جاهدين التفاهم على مجموعة من التساؤلات التي ستحدد مستقبل هذه الصناعة.
– يريد المشترون خفض أسعار الغاز المسال من خلال وضع حد للتسعيرة المرتبطة بالنفط. ويريدون إدخال مؤشرات جديدة للأسعار وزيادة مراكز (Hubs) التداول في آسيا. في حين يقول المنتجون إن هناك حاجة إلى أسعار عالية لتمويل مشاريع الغاز الطبيعي المسال الباهظة الثمن ليتسنى لها توفير الإمدادات التي تحتاج إليها الدول الآسيوية المفتقرة إلى هذه الموارد.
– لا يريد المشترون الارتباط بعقود تجهيز طويلة الأمد في وقت يصعب عليهم التنبؤ بكميات الغاز التي يحتاجون إليها في غضون خمس سنوات، ناهيك عن 30 سنة. في المقابل تقول الشركات المنتجة إنها لا تستطيع الحصول على التمويل المطلوب لتنفيذ المشاريع من دون ضمانة على المدى الطويل.
– يرغب المشترون أن يكونوا قادرين على بيع الغاز الذي تعاقدوا على شرائه في حال لا يحتاجون إليه فعلا، وهو أمر محظور بموجب معظم عقود الغاز الطبيعي المسال. حيث يقولون إن بإمكان التجار أن يفعلوا ذلك، فلماذا لا نستطيع نحن؟ وجهة نظر المنتجين تقول إنهم لا يرغبون أن يتحول المشترون إلى منافسين لهم في الأسواق الفورية التي هي في الأصل صغيرة وقليلة السيولة.
حالة عدم اليقين الناجمة عن الجمود بشأن هذه المسائل تلقي بظلالها على صناعة الغاز المسال. حيث توقف نمو التبادل التجاري، والكميات المتداولة الآن هي أقل مما كانت عليه في عام 2011. وفي الوقت نفسه لا تتم الموافقة على مشاريع جديدة. نتيجة لهذه التطورات علقت الصناعة في دورة سلبية، التي فيها يتردد المشترون في توقيع عقود جديدة يعتقدون أنها ليست عادلة، في حين يتردد عديد من المنتجين في المضي قدما في مشاريع جديدة لأنهم لا يستطيعون توقيع عقود طويلة الأجل تضمن لهم استثماراتهم الضخمة.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه صناعة الغاز الطبيعي المسال اليوم هو كيفية مواصلة النمو وتطوير الموارد في بيئة غير مستقرة وسط تباين النظرة بين المشترين والمنتجين.
المشكلة الأولى للمنتجين هي تدهور اقتصاديات قطاع الغاز الطبيعي المسال. المردود الذي تحققه شركات النفط والغاز على استثماراتهم اليوم هو أقل مما كان عليه في عام 2001. ومن المرجح أن تزداد الحالة سوءا في ظل ارتفاع التكاليف وانخفاض الأسعار. إن التراجع الكبير في أسعار النفط سوف يؤثر في مردود مشاريع الغاز الطبيعي المسال القائمة ويهدد المشاريع المستقبلية.
والمشكلة الثانية لقطاع الغاز الطبيعي المسال هي في الوقت الذي تواجه فيه الصناعة انخفاض المردود تواجه أيضا مخاطر جديدة ومعقدة. على سبيل المثال، التأخير وتجاوز التكاليف هي من التحديات المزمنة في هذه الصناعة، وليس هناك أي مؤشرات على انفراجها تلوح في الأفق. حيث تجد الشركات العاملة صعوبة في العثور على العمالة الماهرة التي يحتاجون إليها لمثل هذا النوع من المشاريع المعقدة. كما أن السياسات المتعلقة بتصدير الغاز الطبيعي المسال اتضح أنها معقدة، ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن أيضا في أماكن أخرى مثل كندا وتنزانيا.
مع كل هذه التحديات لا يوجد هناك نقص في المشاريع المحتملة. تتجه الولايات المتحدة إلى تصدير أول شحنة للغاز الطبيعي المسال، على الأرجح خلال عام 2016. ولكن لا يوجد توافق في الآراء بشأن كمية الغاز التي ستقوم الولايات المتحدة بتصديرها إلى الأسواق الآسيوية. الكثير سيعتمد على أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية والولايات المتحدة. عامل الجذب الرئيسي للغاز الطبيعي المسال الأمريكي هو سعره المرتبط بأسعار الغاز الطبيعي في مركز هنري Henry Hub وليس بأسعار النفط. في الواقع هذه الحالة كانت جذابة جدا عندما كانت أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل وأسعار الغاز في مركز هنري أقل من أربعة دولارات لكل مليون قدم مكعبة. ولكن إذا بقيت أسعار النفط دون 60 دولارا أو أقل واستمرت أسعار الغاز في الولايات المتحدة فوق أربعة دولارات لكل مليون قدم مكعبة، عندها من غير المرجح أن يكون الغاز الطبيعي المسال الأمريكي أرخص بكثير من الشحنات المنافسة المرتبطة بأسعار النفط.
في هذا الجانب تعتقد وكالة الطاقة الدولية أنه عند أسعار مركز هنري قرب 4.5 دولار لكل مليون قدم مكعبة، الغاز الطبيعي المسال الذي سيتم شحنه من مشاريع ساحل الخليج الأمريكي إلى اليابان سيكلف نحو 12 دولارا لكل مليون قدم مكعبة. وإذا لم تتمكن الشحنة المرور عبر قناة بنما، الطريق الأسرع، فإن التكلفة سترتفع إلى نحو 14 دولارا لكل مليون قدم مكعبة.
كندا وشرق إفريقيا هما من المناطق الواعدة الأخرى التي يتم الاعتماد عليها لتوفير إمدادات جديدة. لكن كلتاهما يتقدمان ببطء. في الوقت الحاضر هناك ثمانية عشر مشروعا مقترحا للغاز الطبيعي المسال للساحل الغربي لكندا، لكن لم يحصل أي واحد منهما حتى الآن على قرار الاستثمار النهائي.
سوف تراقب الصناعة من كثب التقدم الحاصل في مشروع الغاز الطبيعي المسال في موزمبيق، حيث برزت البلاد بسرعة كمورد محتمل كبير للغاز. ولكن موزمبيق ليست لديها خبرة في أعمال الغاز الطبيعي المسال، كما يتم بناء المشروع في منطقة تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات اللوجستية.
إن الصناعة تحتاج إلى تشغيل عديد من هذه المشاريع للمحافظة على استمرار نمو الإمدادات بعد عام 2020. ويتفق الجميع تقريبا على أن أفضل طريقة لضمان نجاح ما يفعلونه هي من خلال توثيق التعاون بين المنتجين والمستهلكين، ولا سيما في آسيا حيث سيأتي معظم الطلب الجديد منها.