مرفأ بيروت مهدد اليوم بفقدان حوضه الرابع، نتيجة أعمال الردم التي باشرتها لجنة ادارة واستثمار المرفأ، رغم رفض النقابات العاملة فيه لهذه الخطوة التي تعرض لقمة عيشهم للخطر، والاصوات التي أكدت أن تداعيات المشروع ستكون سلبية على الاقتصاد الوطني اضافة الى ما حملته عملية التلزيم من تساؤلات، بعدما قررت ادارة المرفأ توقيع عقد بـ”التراضي” مع شركة “حورية” لتنفيذ المشروع.
في 10 تشرين الثاني 2014، وقع رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الاشغال غازي زعيتر، مشروع توسيع محطة الحاويات في مرفأ بيروت من جهة الغرب، الذي اعدته لجنة ادارة واستثمار المرفأ من خلال ردم الحوض الرابع. وبحسب القيمين على المشروع سيؤدي تنفيذه لزيادة القدرة الاستيعابية للمرفأ وبالتالي استيعابه للنمو الجيد الذي تحققه حركة الحاويات ويفوق 8% سنويا. والمعلوم أن مرفأ بيروت سجل تداول 1,117 مليون حاوية نمطية في 2013 ومن المتوقع ان يتداول حوالي 1,225 مليون حاوية نمطية في 2014 وحوالي 1٫340 مليون حاوية في 2016 هو الحد الاقصى للقدرة الاستيعابية الحالية. كذلك سيساهم المشروع، بحسب القيمين عليه، في تفادي تجدد أزمة الازدحام في محطة الحاويات والباحات وتفعيل دور المرفأ على صعيد حركة المسافنة نحو مرافىء البلدان المجاورة.
هذه الارقام، تؤكد ان لعملية الردم تداعيات ايجابية على حركة المرفأ، ولكن السؤال الذي يطرح: هل وافق فعلا مجلس الوزراء على اعادة تلزيم اشغال ردم الحوض الرابع بواسطة عقد بالتراضي بقيمة تراوح بين 120 و130 مليون دولار مع شركة “حورية” للتعهدات؟ أو أن ردم الحوض الرابع يندرج ضمن العقد الذي تم توقيعه مع شركة “حورية” عام 2009، والتي رست عليها المناقصة حينها لاتمام توسيعة الرصيف 16 لمرفأ بيروت؟. ولماذا لم تنظم مناقصة جديدة لتلزيم المشروع وتم الامر بتوقيع عقد بالتراضي مع الشركة؟ ألم يتم انشاء الحوض الرابع بموسوم جمهوري وقع في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي ما يجعل استحالة ازالته أو طمره الاَّ عبر مرسوم جمهوري آخر؟ (المرسوم رقم “1996/9040” والذي اعطى الحق لادارة المرفأ باجراء التوسعة شرقاً حتى مصب نهر بيروت وينص هذا المرسوم على انشاء للحوضين الرابع والخامس)؟ وهل تصل فعلا كلفة ردم الحوض الرابع الى 130 مليون دولار في الوقت الذي تشير فيه بعض الدراسات الى ان الكلفة لا تتخطى 70 مليون دولار؟ مع التذكير، بأن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي كان أوقف قرار تنفيذ المشروع عبر مراسلة لوزارة الاشغال آنذاك، الا ان المشروع اعيد احياؤه بعد رسالة من الامين العام لرئاسة مجلس الوزراء سهيل البوجي يعلم فيها الوزارة ولجنة ادارة المرفأ ان بامكانهم اتمام المشروع بما ان الموضوع يقع ضمن صلاحية لجنة ادارة واستثمار المرفأ. وهنا يفتح ملف آخر، وهو صلاحيات “لجنة ادارة واستثمار المرفأ”. فهذه اللجنة تقوم فعلياً بردم البحر، علما بأنها وضعت موقتاً بعد انتهاء امتياز الشركة الخاصة التي كانت تدير المرفأ عام 1993، ولا تتمتع بأي هيكلية تنظيمية أو قانون داخلي واضح ما يضع علامة استفهام على آلية اتخاذ القرارات داخلها، ومدى الصلاحيات التي تتمتع بها، وخصوصا في ما يخص ردم البحر وتوسعة مساحة الاراضي اللبنانية التي تتطلب مرسوماً جمهورياً أو قراراً من الحكومة. علماْ ان هذه اللجنة هي هيئة مستقلة تخضع لسلطة وصاية وزير الاشغال العامة وليست ادارة عامة، وهي مثلها مثل أي شركة خاصة تحتاج الى ترخيص بردم البحر، ما قد يجعل من أعمال الردم مخالفة للدستور.
بدورها، ترفض النقابات العمالية في المرفأ المشروع. فالحوض الرابع يعتبر من أهم الأحواض في الشرق الأوسط من حيث عمقه الذي يصل الى 14 متراً مع 3 أرصفة طول كل منها يزيد عن 450 متراً ويسمح برسو عدد من السفن الكبيرة في آن واحد، وردم الحوض يمنع رسو السفن المخصصة للبضائع المختلفة غير المستوعبات في الوقت الذي لا يوجد بديل لها على بقية الأرصفة، ما يؤثر على عمل حوالى 1500 شاحنة بالاضافة الى العمال ومتعهدي التحميل والتفريغ. كما يعتبر رافضو المشروع أن ردم الحوض الرابع (الأرصفة 12، 13 و14) سيمنع أن ترسو البواخر التجارية التي تتخطى حمولتها الـ 50 ألف طن، والعسكرية التي تحتاج الى عمق بين 10 و14 متراً. كما يمكن أن يؤدي ردم الحوض، الى إغراق وسط بيروت والمناطق المحيطة بروائح كريهة ستنتج عن بواخر المواشي الكبيرة التي ستضطر الى أن ترسو على رصيف 4 أو 5. وفي هذا السياق، عقدت لجنة الأشغال العامة جلسة برئاسة النائب محمد قباني وحضور المدير العام لمرفأ بيروت حسن قريطم، مدير المشاريع في المرفأ ميشال مخول والمنسق العام في المرفأ مارون أبي عاد. وبعد الاجتماع، طرحت اللجنة ملاحظات وتساؤلات عن المشروع، مؤكدة ضرورة أن يرتبط أي مشروع جدي لتطوير المرفأ بالحاجات المطلوبة في ضوء التطورات في المنطقة ومنه عملية إعادة إعمار سوريا والعراق. كما أشارت الى إمكان توسيع المرفأ شرقاً الى ما بعد نهر بيروت بعد إقرار الاجراءات القانونية، وقبل الإقدام على ردم الحوض الرابع. كما طالبت بالإسراع في إنشاء الهيئة العامة للنقل البحري وتطوير مداخل المرفأ. وتساءلت عن كيفية تلزيم مشروع بـ130 مليون دولار بالتراضي، علماً أنه ليس استكمالاً للالتزام الحالي. وطالبت اللجنة أيضاً من الحكومة وقف العمل بالمشروع. وبدورها نفّذت نقابة مالكي الشاحنات في المرفأ إضراباً وأقفلت مداخل المرفأ بالشاحنات رفضاً للمشروع، الذي وصف بالتهجير لكل العاملين بالمرفأ.