عصفَت النفايات بمجلس الوزراء فعلَّقته على مطمرِها، وانتفضَ رئيس الحكومة تمام سلام للمرّة الأولى على هذا المستوى غاضباً ومستاءً لطريقة التعاطي مع نقاش بند النفايات، فرفعَ الجلسة وأكّد أنّه لن يدعوَ الى اخرى ما دام التوافق على خطة النفايات لم ينجَز.
ففي أوّل جلسة لمجلس الوزراء لهذا العام، هدّدت النفايات مصير الجلسات المقبلة كما هدّدت مصيرَ شوارع بيروت وجبل لبنان التي ستغزوها وتملأها بعد تاريخ 17 الجاري، موعد إقفال مطمر الناعمة وانتهاء العمل بعقد سوكلين الممدد.
وذكرت صحيفة «الجمهورية» أنّه وبعد الوقوف دقيقة صمت عن روح الرئيس الراحل عمر كرامي قال سلام إنّه لن ينتقل الى أيّ بند آخر قبل الاتفاق على خطة النفايات، لأنّ الوقت اصبح داهماً والملف أشبِعَ درساً، ولا مبرّرَ للتأجيل.
وقبل البدء بمناقشة بند النفايات صافحَ وزير الاقتصاد آلان حكيم وزير الصحة وائل ابو فاعور وقبَّله، لكنّ مصادر وزارية أكّدت لـ«الجمهورية» أنّ السلام كان فاتراً وأنّ الطرفين اتّفقا على ان تكون المخاطبة بين وزارتيهما بالمراسلات المكتوبة وضمن العمل المؤسّساتي، وليس عبر المنابر الإعلامية.
وعند البَدء بالنقاش طرحَ وزيرالعمل سجعان قزي ملاحظات وتعديلات «الكتائب» على الجلسة. توتّرَت الاجواء وامتعض بعض الوزراء من طريقة النقاش فخرجَ قزي من الجلسة مبرّراً خروجه بأنّه بسبب ارتباطه بموعد مسبق، لكنّه قال عند المغادرة:» أدّيت قسطي للنفايات». واستمرّ النقاش الذي علت حدّته، لكنّه لم يصل الى حدّ الصدام.
ثمّ خرج حكيم بسبب ارتباطه بموعد قصير مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في عين التينة. وعند انتهاء الموعد تلقّى حكيم من سلام اتصالاً يستعجله فيه بالعودة لاستكمال النقاش.
ولدى عودته، طرحَ وزير الزراعة اكرم شهيّب مخرجاً جديداً لإحدى النقاط الخلافية العالقة والتي تدور حول اختيار المطمر من قبَل المتعهّد أو الدولة.
وقد اتّصل شهيّب بالنائب وليد جنبلاط امام الجميع ونال موافقته على طرحه. ودارت اتصالات جانبية، فكان قزي يتّصل مباشرة برئيس حزب الكتائب أمين الجميّل وحكيم يتصل بالنائب سامي الجميّل.
وروّجَت مصادر وزارية لتباين كتائبي ـ كتائبي، إلّا أنّ حكيم نفى لـ«الجمهورية» ان يكون هناك خلاف كتائبي ـ كتائبي، مؤكّداً أنّ الكتائب تريد الوصول الى معايير افضل في ملف يكلّف الدولة باهظاً». وقال: «نحن نريد الشفافية ولا زال لدينا شكوك بأنّ هناك تركيبة وتمريرَ أمرٍ ما من تحت الطاولة من خلال العقود الموضوعة».
واشارت «الجمهورية» الى أنّ وزراء الكتائب الثلاثة كانوا عقدوا اجتماعاً صباح الخميس في البيت المركزي للحزب في الصيفي بحضور خبراء الحزب الذين شاركوا في الإجتماعات التي أدّت الى وضع الصيغة النهاية للإتفاق الذي جرى التفاهم بشأنه مع ممثّلي وزير البيئة ومجلس الإنماء والإعمار في لقاءات أمس الاوّل وقرّروا المضيَّ في الموقف الى النهاية.
مصادر كتائبية
وكانت مصادر كتائبية قالت لـ«الجمهورية» إنّ البند الوارد في الاتفاق بين الكتائب ومجلس الإنماء والإعمار وممثلين عن وزارة البيئة، والذي تمّ التراجع عنه في مجلس الوزراء هو البند الثالث المتعلق «بتخصيص موقع لمطمر صحّي في كلّ قضاء من قبَل مجلس الوزراء» وليس من قبَل الشركات الخاصة.
وأكّدَت «أنّ إصرار وزراء الكتائب على حصر اختيار مواقع الطمر بمجلس الوزراء هدفه تحصين الشفافية في التعاطي مع هذا الملف تفادياً لوقوع الشركات الملتزمة في فخّ مشكلة إيجاد مواقع الطمر، وبالتالي الدخول في لعبة المحسوبيات لتأمين المواقع وإسكات البلديات وإلى ما هنالك من نتائج سبق وشهدَها هذا الملف، وكي لا ندفع بالشركات مُكرَهةً على المرور بالمراجع السياسية لتسيير أمورها.
ولذلك أصرَّ وزراء الكتائب على أن تكون الحكومة هي الجهة الحصرية التي ستحدّد هذه المواقع المخصّصة للطمر، بما يقطع الطريق على منطق التسويات والزبائنية».
بنود الاتفاق والخلاف
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ بنود الإتفاق في ملف النفايات شملت: أوّلاً: أن تكون مطامر العوادم في مواقع الكسّارات، ثانياً: أن تكون خطة النفايات مرحلية للوصول الى التفكك الحراري، ثالثاً: تقسيم المناطق: بيروت والضواحي ـ كسروان وجبيل ـ بعبدا وعالية والشوف ـ البقاع وبعلبك ـ طرابلس وعكار ـ الجنوب والنبطية.
أمّا البنود التي بقيَ الخلاف حولها فهي:
النقطة العالقة الأولى: تقسيم ملف النفايات الى مرحلتين، المرحلة الاولى: الكنس والجمع والنقل لمتعهّد وفق دفتر شروط، والمرحلة الثانية: الطمر والمعالجة لمتعهّد آخر وفق دفتر شروط آخر، لكنّ «حزب الله» رفض تقسيم النفايات الى مرحلتين وأصرَّ على متعهد واحد يستلم المرحلتين من الألِفِ إلى الياء، فيما أصرَّت الكتائب على فصلِها.
النقطة الثانية العالقة تتعلق بمطامر العوادم. فبحسَب الخطة الموضوعة تحدّد الشركة المتعهّدة موقع المطمر، لكنّ الكتائب رفضت هذا الأمر، واعتبرَت أنّ هذه العملية ستُدخِل المتعهدين بسمسرات مع أصحاب العقارات والنفوذ، وببازارات سياسية لا تصبّ في مصلحة المواطن، وأصرّوا على أن تحدّد الدولة موقع المطمر.
وهنا تقدّمَ شهيّب باقتراح يُلزم المتعهّد بأن يعود الى المخطط التوجيهي لوزارة البيئة والذي يحدّد مجموعة مواقع يختار المتعهد موقعاً منها.
وذكرت «الجمهورية» أنّ وزيرَي الاشتراكي شهيّب وابو فاعور طرحَا إعادة النظر في آلية عمل الحكومة، وقال ابو فاعور إنّ القضايا الاستراتيجية الكبرى والقضايا الوفاقية التي تتعلق بالأمن المشترك والسِلم الاهلي نصرُّ على أن تنال تواقيع 24 وزيراً، لكنّ البنود الاخرى يجب ان تمرّ بتواقيع الأغلبية. فأجابه سلام: «لا أحد يسمع الآن، ولا نريد الدخول في هذا الأمر في الوقت الراهن».
المشنوق لـ«الجمهورية»
وقال وزير البيئة محمد المشنوق لـ«الجمهورية»: إستطعنا أن نجد حلولاً لنقاط عدّة كانت عالقة ثمّ وجدنا أنّ اعتراض «الكتائب» أصبح بالشكل وبالصياغة، وهذا الاعتراض غير مبرّر وغير مفهوم، والرئيس سلام لن يبحث في أيّ ملف آخر سوى ملف النفايات».
شهيّب
بدوره، قال شهيّب لـ«الجمهورية»: حقّ الفيتو خطير من البداية، ونحن لا نعرف ماذا تريد «الكتائب»، ويبدو أنّ الموضوع أخذ أبعاداً أكبر من ملف النفايات. هناك دَلع ولامسؤولية من قبَل البعض في مناقشةِ القضايا المهمة، والخلاف أصبحَ كبيراً. تعاطينا بإيجابية مع كلّ ملاحظات «الكتائب»، ولكن يبدو أنّ «الكتائب» نفسَها لا تعلم ماذا تريد، وما تقوم به هو الطريق الأقصر للتمديد للشركة المشغّلة حاليّاً».
درباس لـ«الجمهورية»
وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«الجمهورية» : «أقسمتُ اليمين بأن لا أحضرَ أيّ جلسة لمجلس الوزراء تناقش النفايات، لأنّني جلستُ خمس ساعات ولم أقتنع بكلّ النقاش الدائر. أنجزنا دفترَ شروط، والوزير أكرم شهيّب قدّمَ اقتراحاً جيّداً، وإذا نفِد صبر الرئيس سلام يعني نفِد صبرُ الوطن».
ريفي
أمّا وزير العدل اللواء أشرف ريفي فقال لـ«الجمهورية» : «يجب أن نجد حلولاً لخطّة النفايات وأن نتّفق على خطة متوسطة المدى وأخرى بعيدة المدى، ولا وقت أمامنا للاتفاق.
وعمّا تسرّب أمس الاوّل من أنّ رئيس الحزب الديموقراطي علي عيد عائد الى جبل محسن، قال ريفي: «واهِمٌ مَن يعتقد أنّ هناك تسوية على دماء شهداء تفجيرَي مسجدَي التقوى والسلام أو على حقوق الضحايا والمصابين، وأنا واحدٌ منهم».
حرب
من جهته، قال وزير الاتصالات بطرس حرب لـ«الجمهورية»:» لا مفرّ من إيجاد حلّ لمشكلة النفايات يؤمّن الشفافية والبيئة السليمة، ومقاربة الملف تحصل من كلّ الزوايا».