عاد الوضع الأمني في مدينة طرابلس ليتصدر واجهة الأحداث. فقد أقدم إنتحاريان على تفجير نفسيهما في مقهى عمران في منطقة جبل محسن. الأول فجر نفسه في المقهى، وعندما تجمع الناس في المكان، أقدم انتحاري آخر على تفجير نفسه أيضاً، ما أدّى إلى سقوط 9 شهداء و37 جريحاً، إضافة الى عدد من المصابين بإصابات طفيفة، وفق حصيلة أولية لوزارة الصحة، توزعوا على مستشفيات طرابلس وزغرتا.
وأعلنت “جبهة النصرة”، عبر حساب “مراسل القلمون” على موقع “تويتر”، عن تبنيها التفجير، وجاء في التغريدة: تم “إستهداف مقهى للحزب الوطني الديمقراطي النصيري في جبل محسن بعملية استشهادية مزدوجة ثأراً لأهل السنّة في سوريا ولبنان”. كما أعلن قيادي في “النصرة” لوكالة “الأناضول” عن أنّ “الاستشهاديين اللبنانيين اللذين نفذا العملية التي استهدفت مقهى في جبل محسن من “الجبهة”، وهما: طه كيال وبلال إبراهيم، وجرى تدريبهما في القلمون وإرسالهما إلى طرابلس لتنفيذ العملية”.
وعرف من الشهداء: الدركي يوسف علي عبدو، الطفل علي ابراهيم (فقوس)، علي الزيبار، يحيى عبدالكريم (سوري الجنسية)، علي خضور، علي (غير معروف باقي هويته)، سمير آغا المطلوب بمذكرة توقيف للاشتباه بصلته بتفجيري التقوى والسلام، إضافة إلى شهيد مجهول الهوية.
وإستقبلت مستشفى السيدة في زغرتا جثتي شهيدين، هما: عيسى خضور وعلي أبو ابراهيم، وحوالي 33 جريحاً. وقد شهد المستشفى حالاً من الهرج والمرج بسبب توافد الأهالي للاطمئنان على أبنائهم. كما إستقبلت مستشفى طرابلس الحكومي 6 جثث، ويوجد جثة واحدة في مستوصف جبل محسن، بالإضافة إلى أشلاء مجهولة.
أمّا الجرحى فتوزعوا بين مستشفى السيدة زغرتا ومستشفيات النيني والحكومي والشمال الاستشفائي في طرابلس، وعرف من بين الجرحى: علي حسن، فتحي حسن، حسن صالح، حسن احمد، جعفر طيبة، عمران ابن ابو عمران، سليمان الحسن، علاء خليل، خضر خضر، فتحي احمد، زين حامد، رجب ابراهيم وعمران صالح (غير معروف باقي هويته).
كما ذكرت “الوكالة الوطنية” أنّ الانتحاريين من منطقة المنكوبين في طرابلس، وهما: طه سمير خيال وبلال محمد رعيان الملقب بـ”ابراهيم”.
من جهته، أكد مسؤول الاعلام في الحزب “العربي الديمقراطي” عبد اللطيف صالح، في إتصال مع قناة “الجديد”، أنّ إنتحاريين إثنين فجرا نفسيهما في المقهى.
من ناحيتها، أعلنت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه في بيان، عن أنّه “بتاريخ اليوم السبت حوالي الساعة 19.30، استهدف أحد المقاهي في منطقة جبل محسن بتفجير انتحاري أدّى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المواطنين. وعلى الأثر، توجهت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على عزل المنطقة المستهدفة، كما حضر عدد من الخبراء العسكريين الذين باشروا الكشف على موقع الانفجار لتحديد حجمه وملابساته، فيما تولت الشرطة العسكرية التحقيق لكشف هوية الفاعلين”.
وقد طلب وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، من جميع المستشفيات، استقبال المصابين جراء التفجير في جبل محسن، ومعالجتهم على نفقة وزارة الصحة.
وفور وقوع الانفجار، فرض الجيش طوقا أمنياً مشدّداً في محيط المقهى، وحضرت الادلة الجنائية الى مكان التفجير لمعرفة حقيقة ما حصل. كما طوقت استخبارات الجيش منزلي منفذي الهجومين الانتحاريين الكائنين في محلة المنكوبين في طرابلس.
وفي هذا الإطار، أصدر محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا قراراً بناءً لتوجيهات وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، منع فيه التجول في منطقة جبل محسن ومحيطه، هذه الليلة ولغاية الساعة السابعة من صباح غد، بسبب الانفجار الذي وقع في جبل محسن.
كما أعلن نهرا عن عقد جلسة لمجلس الأمن الفرعي، صباح غد الأحد في سرايا طرابلس، سيحضرها القادة الأمنيون والمدعي العام الاستئنافي في الشمال.
وكلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، الشرطة العسكرية والأدلة الجنائية إجراء التحقيقات الأولية في مكان الانفجار. كما كلف الطبيب الشرعي إجراء فحوص الحمض النووي للأشلاء التي عثر عليها داخل المقهى.
مواقف
وفور وقوع الإنفجار، توالت المواقف المندّدة والمستنكرة.
إذ دان الرئيس ميشال سليمان، في بيان، “الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة مدنيين طرابلسيين”، معتبراً أنّ “الإرهاب مهما حاول، لن ينجح في جرّ طرابلس وأبناء المدينة إلى الفتنة التي لا تخدم أيّ لبناني بقدر ما تخدم أعداء لبنان، في هذه اللحظات المفصلية التي تعيشها البلاد، وفي ظل “الحوار المطلوب”، عله يؤدي إلى تخفيف الاحتقان المذهبي من جهة، وانتخاب رئيس للجمهورية من جهة أخرى”. وشدّد على “ضرورة وحدة الصف لمواجهة الإرهاب بالتكاتف والتضامن ونشر الوعي والعمل على تعزيز القواسم المشتركة بين جميع الأطراف”.
ودان رئيس الحكومة تمام سلام “التفجيرين الارهابيين اللذين استهدفا منطقة جبل محسن”، معتبراً أنّها “تحدّ للدولة وقواها الامنية، ومحاولة جديدة لزرع بذور الفتنة فيها، واعادتها الى اجواء الفوضى والعنف، التي طالما عانت منها طرابلس”.
وشدّد على أنّ “هذه الجريمة لن ترهب اللبنانيين، والطرابلسيين خصوصاً، ولن تضعف عزيمة الدولة وقرارها في مواجهة الارهاب والارهابيين، وجميع اشكال الخروج على القانون في جميع الاراضي اللبنانية”، مؤكداً أنّ “جيشنا وقوانا الأمنية على اعلى درجة من التنبه والجهوزية، وماضيان في تنفيذ الخطة الأمنية، وفي تعقب ومحاسبة كل من يريد الاذى بلبنان واللبنانيين”.
ودعا سلام أبناء طرابلس الى أيّ جهة أو طائفة انتموا، إلى “الالتفاف حول القوى المسلحة الشرعية، واظهار اعلى درجات المسؤولية لتفويت الفرصة على قوى الظلام، في استدراج ردود فعل تخدم مخططاتها الفتنوية”.
ودان الرئيس سعد الحريري بـ”شدة جريمة التفجير الإرهابي التي استهدفت منطقة جبل محسن”، معتبراً أنّ “هذا العمل الإرهابي يندرج في إطار إثارة البلبلة وتأجيج الفتنة وزعزعة الأمن في عاصمة الشمال، بعدما تمكن الجيش اللبناني والقوى الأمنية من وقف دورات العنف والاقتتال ومكافحة التنظيمات الإرهابية وتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وقال: “إن هذه الجريمة الإرهابية النكراء تتطلب تضافر جهود جميع اللبنانيين ووقوفهم بقوة وراء الجيش اللبناني والقوى الأمنية، للقيام بالإجراءات المطلوبة في حفظ الأمن وملاحقة المرتكبين ومن يقفون وراءهم لإلقاء القبض عليهم وإحالتهم على الجهات المختصة لمحاكمتهم”.
من ناحيته، دان الرئيس نجيب ميقاتي “التفجير الذي وقع في منطقة جبل محسن”، معتبراً أنّه “محاولة متجدّدة لإعادة الفتنة إلى المدينة”.
وإستنكر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع التفجير الانتحاري الذي وقع داخل مقهى “أبو عمران” في جبل محسن في طرابلس، معتبراً أنّ أيّ عمل أمني يطال أيّ لبناني على أيّ بقعة من الأراضي اللبنانية يطال اللبنانيين جميعاً. وطالب جعجع السلطات القضائية والأمنية المختصة متابعة التحقيقات بجدية وعمق للتوصل الى توقيف الفاعلين والمخططين وسوقهم الى العدالة في أقرب وقت ممكن.
من جهته، قال رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية “إنّنا كلنا مدعوون للوقوف الى جانب الجيش في مواجهة الارهاب والتمسك بالخطة الامنية”.
وإستنكر وزير الثقافة ريمون عريجي “العمل الاجرامي الجبان في جبل محسن”، داعياً الى “الوحدة والتماسك بوجه الارهاب الاعمى الساعي الى بث الفتنة المذهبية بين اللبنانيين”.
من ناحيته، دان عضو كتلة “المستقبل” النائب خضر حبيب “الجريمة الإرهابية الحاقدة التي وقعت في جبل محسن”، مناشداً “الدولة اللبنانية منع ايّ محاولات مشبوهة لضرب السلم الأهلي، واجراء ما يلزم لإلقاء القبض على المخططين والفاعلين وانزال أشهد العقوبات بحقهم”.
وأكد عضو المكتب السياسي في تيار “المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش أنّ “ايّ مكروه يصيب ابناء جبل محسن يصيب مدينة طرابلس”، داعياً الى ان “نتضامن كلنا، ونقف يداً واحدة لمواجهة ايّ منطق ارهابي”.
من جهته، إعتبر الأمين العام للحزب “العربي الديمقراطي” رفعت عيد أنّ توقيت الانفجار مشبوه، لا سيما بعد صدور مذكرة توقيف جديدة بحق النائب السابق علي عيد.
بدوره، استنكر “المجلس الاسلامي العلوي”، في بيان، “العمل الارهابي والجبان الذي استهدف جبل محسن”، طالباً من كل اهالي جبل محسن “التحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتفويت الفرصة التي يريدها الارهابيون، وهي اشعال نار الفتنة وزعزعة العيش الواحد، حيث لا يخفى على أحد تضرّر هذه الجماعات من الجو التفاهمي والتحاوري السائد بين الافرقاء السياسيين”. ودعا الجميع الى “الالتفاف حول المؤسسة العسكرية، واجهزة الدولة الامنية الرسمية والتعاون معها لكشف الفاعلين”.
ودان “حزب الله” بـ”شدة الجريمة المروعة التي ارتكبها الإرهاب التكفيري في منطقة جبل محسن”، مشدّداً على أنّ “هذه الجريمة تؤكد أنّ الفكر التكفيري الإجرامي الذي لا يميز بين منطقة وأخرى وطائفة وأخرى وبلد وآخر، وما استهداف مدينة طرابلس في هذا الوقت إلا محاولة من هؤلاء الإرهابيين لإعادة نشر بذور الفتنة بين أهلها، وتعبيراً عن غيظ هذا الفكر الإرهابي من التزام أهلها القيم والثوابت الوطنية والعيش المشترك، ومن انزعاجه الشديد من مناخات الحوار الداخلي والتسامح والتهدئة الداخلية التي يشهدها لبنان”.
وأكد “حزب الله” أنّ “المطلوب من الجميع في هذه المرحلة الدقيقة هو عزل هذه المجموعات الإرهابية التي تشكل خطراً على وطننا وعلى جميع أبنائه”، داعياً إلى “تعزيز التعاون مع الجيش والأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة في الحرب على الإرهاب”.
بدورها، إستنكرت الأمانة العامة لقوى 14 آذار، في بيان، “بشدة الجريمة البشعة التي طالت منطقة جبل محسن في طرابلس”، وقالت: “كلنا جبل محسن”.
ورأى مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أنّ “ما جرى في جبل محسن حادثة مفتعلة تريد ارجاع العتمة والظلام الى طرابلس والعودة الى احياء الفتن”.
ودانت منسقية طرابلس في “تيار المستقبل”، في بيان، “العمل الارهابي والجبان الذي ضرب منطقة جبل محسن في طرابلس”، متوجهة إلى أهالي جبل محسن وطرابلس بالقول: “لتكن جريمة اليوم خشبة الخلاص لمدينتكم وفتح آفاق الحوار والمصالحة بين مكونات مجتمعنا الطرابلسي”.
واستنكرت حركة “امل”، “الجريمة المروعة التي استهدف بها الارهاب الأسود الآمنين في جبل محسن”. وأكدت “ان هذا الأجرام العابر للطوائف والمناطق، لن يستطيع ان يكسر إرادة اللبنانيين في إنجاز وفاقهم وحماية بلدهم”.
وأشادت ب”المواقف الوطنية المستنكرة للعملية الجبانة”. وتقدمت من اهالي الشهداء بأحر التعازي.