IMLebanon

الهيئات المالية الناظمة محقة في تقليص أحجام المصارف الكبيرة

GoldmanSachs2
جون جابر

تسبّب مصرف جولدمان ساكس في نوع من الضجة الأسبوع الماضي من خلال إصدار تقرير لمحللية يُشيرون فيه إلى أن مصرف جيه بي مورجان تشيس قد يرغب في تفكيك نفسه. أنا أؤمن باستقلالية أبحاث المصارف الاستثمارية بقدر أي شخص آخر، لكن من الصعب عدم ملاحظة أن المستفيد الكبير من مثل هذه الخطوة سيكون جولدمان ساكس.

هذا لا يعني أنها فكرة سيئة. في الواقع، قد تكون فكرة جيدة جداً، ربما بالنسبة لمساهمي جيه بي مورجان، وبالتأكيد بالنسبة للمجتمع ككل. كما يُشير ذلك أيضاً إلى أن منظمي العمل المصرفي في العالم يتوصلون بشكل ثابت إلى فكرة قيام المصارف الكبيرة بتفكيك أنفسها بأيديها بدلاً من الاعتماد على الحكومات للقيام بالأمر السليم. إذا كان الأمر كذلك، نتمنى لهم حظاً سعيداً.

محللو جولدمان لم تخطر على بالهم فكرة إجراء الأبحاث على عملية تفكيك جيه بي مورجان من تلقاء أنفسهم. لقد حصلوا على تشجيع خفيف من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، الذي قام الشهر الماضي بالكشف عن خطته لتطبيق نسب رأسمال أعلى على المصارف الأمريكية الثمانية التي تعتبر من بين 29 “مصرفا ذات أهمية لسلامة النظام المالي العالمي”. إنها المؤسسات المالية التي لا يتحمّل المنظمون جعلها تفشل بشكل عشوائي في أي أزمة.

على رأس القائمة الأمريكية يوجد مصرف جيه بي مورجان، الذي لا يعتبر فقط المصرف الأكبر والأكثر تنوعاً في الولايات المتحدة، بما لديه من أصول وعمليات بقيمة 2.4 تريليون دولار في كثير من البلدان، تراوح من بطاقات الائتمان إلى مشتقات الائتمان، لكنه أيضاً الناجح في جميع المجالات على نحو يزعج الآخرين ويؤثر في نفسه. على عكس كثير من المنافسين، مثل باركليز، لم يكن هناك سبب يجعله يقوم بفصل مصرفه الاستثماري أو تقليص حجمه بوسائل أخرى.

تقدّم الاحتياطي الفيدرالي الآن وقام بتوفير سبب لذلك، مع اقتراح بأنه إذا كان هذا غير كاف، فقد يزيد الأمور الموجودة على المحك. جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي، العاطفي أحياناً، في جيه بي مورجان، كشف عن جانب من نفسيته في رسالته الأخيرة للمساهمين، حين كتب: “إنه من طبيعتنا الشعور بالقلق حول الجانب السلبي أكثر من محاولة معرفة الجانب الإيجابي”. حسناً، فيما يلي شيء آخر ليقلق بشأنه.

التنويع الذي أدخله الاحتياطي الفيدرالي على معايير رأس المال التي وافق عليها منظمو العمل المصرفي في العالم في بازل، هو إجبار المصارف الأمريكية الأكبر، والأكثر تعقيداً، وربما الأكثر هشاشة، على الاحتفاظ بكثير جداً من رأس المال. جيه بي مورجان ينقصه 22 مليار دولار عن هدف الاحتياطي الفيدرالي الجديد لعام 2019، وهو ما يعتبر “نقصا كبيرا للغاية”، كما أشار ستانلي فيشر، نائب رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفيدرالي، الشهر الماضي.

السبب المُعلن لمعايير رأس المال الجديدة هو تعزيز الاستقرار المالي الذي لن يتجادل بشأنه أحد – وليس حتى معظم المصرفيين. من الواضح تماماً أن المصارف كان لديها القليل جداً من رأس المال عند دخولها أزمة عام 2008، وكثير من رأس المال الذي أعلنوا وجوده كان سيئا وهشا جداً على نحو لا يكفي ليشكل مساعدة حقيقية. وبالنسبة لنسب رأس المال في المصارف، الطريقة الوحيدة كانت هي الارتفاع.

لكن الاحتياطي الفيدرالي يلمح إلى وجود دافع ثان، وهو جعل الأعمال مُرهقة ومكلفة بالنسبة للمصارف الكبيرة والمعقدة إلى درجة دفعها إلى أن تقرر تفكيك أنفسها إلى عمليات أصغر وأسهل من حيث الإشراف. دانيال تارولو، محافظ الاحتياطي الفيدرالي المسؤول عن تنظيم العمل المصرفي، أخبر اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ في أيلول (سبتمبر) أن اقتراحه لرأس المال “قد يوجد أيضاً حوافز بالنسبة لها لتخفيض بصمتها النظامية والمخاطر”. صاغ تارولو ذلك بعناية، حيث إن الولايات المتحدة لم تقُم فعلاً بإعادة تقديم فجوة قانون جلاس ـ ستيجل بين العمل المصرفي التجاري وضمان الأوراق المالية بعد أزمة عام 2008. أقرب ما حصل عليه لإصلاح هيكلي في قانون دود ـ فرانك كان قاعدة فولكر التي تقوم بالحد من قيام المصارف بالتداول لحسابها الخاص. مجلس الشيوخ الجمهوري، الذي غضب بالفعل من بعض بنود قانون دود ـ فرانك، لن ينظر بعين العطف إلى قيام الاحتياطي الفيدرالي من الناحية العملية بالتعدي على صلاحياته.

ربما يحقق المنظمون الغاية نفسها بدون اللجوء إلى القانون. إذا أرادت الولايات المتحدة، وبلدان مثل سويسرا والسويد وهولندا التي زادت حجم متطلبات رأس المال بالنسبة للمصارف الكبيرة جداً، تفكيك هذه المصارف، عليها ببساطة الاستمرار بتصعيد تكاليف الحجم.

تحتاج الأجهزة التنظيمية إلى أن تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمصارف المهمة لسلامة النظام المالي، إذ إن دايمون يستمر بالإشارة بفخر – وبشكل يدل على قلة الذوق في ظل هذه الظروف – في رسائله السنوية إلى أن جيه بي مورجان يكسب كثيرا من كونه كبير الحجم. فهو يبيع منتجات مختلفة للزبائن أنفسهم، ليجني أرباحاً بمقدار ستة مليارات دولار كل عام؛ ويقوم بتنويع إيراداته؛ كما بإمكانه اقتراض المال بشكل أرخص.

والاحتياطي الفيدرالي يتفق معه. فقد قال أحد المسؤولين في البنك المركزي الأمريكي أثناء كشف المصرف عن خطته الجديدة: “نحن نعتقد أن تلك المزايا التنافسية -لكونها مصارفا مهمة لسلامة النظام المالي- هي مزايا لا يستهان بها”. ويعتقد المصرف أن الطريقة المناسبة لمساواة المنافسة بين المصارف الأكبر والآخرين هي جعل المصارف الكبيرة تحمل عبئا أكثر، مثل خيول السباق الأسرع.

ويقول دايمون ما هو لصالح مساهمي المصرف هو لصالح المجتمع – أي أن حجم جيه بي مورجان يجعله أكثر استقرارا وأقل احتمالا في أن يمنى بالفشل. ربما يكون الأمر كذلك، لكن أكبر المصارف هي أيضا أشق المصارف على الأجهزة التنظيمية من حيث فهمها والإشراف عليها والتعامل معها في حالة حدوث أسوأ الأمور، كما تبين من انهيار رويال بانك أوف اسكتلاند. وستتعمق هذه المشكلة إذا سُمِح لاقتصاديات الحجم بالازدهار.

وفقا لمصرف جولدمان، الاحتياطي الفيدرالي يقوم بشكل سليم بإعاقة جيه بي مورجان. ويقول محللو جولدمان إن تفكيك القسم التجاري والقسم الاستثماري في مورجان ربما يعمل على تقليص مستوى رأس المال الذي يحتاج إليه القسمان بما يكفي لتقييم الجزأين بصورة أعلى من الكل. مع ذلك يظل الموضوع متقاربا إلى حد كبير.

سينظر الاحتياطي الفيدرالي هذا العام في زيادة العقوبات الرأسمالية أكثر حتى من قبل، إلى كون المصارف أكبر وأكثر تعقيدا. وفي رأيي أنه يجب أن يفعل ذلك. سيشعر دايمون بقلق أكبر، لكن بقية الناس منا سوف تنام بارتياح أكبر.