جاء قرار شركة مرسيدس مصر بوقف استثماراتها الخاصة بتجميع السيارات الملاكى فى مصر، تمهيدا لنقلها إلى الجزائر اعتبارا من مارس المقبل على عكس المتوقع فى الفترة الحالية التى تشهد تحركات مصرية على جميع المستويات لجذب الاستثمارات وتهيئة المناخ قبل انطلاق المؤتمر الاقتصادى بعد شهرين.. وفى نفس الوقت تنتقل شركة لها ثقلها فى السوق لتجميع بعض طرازاتها الى دولة مجاورة مجازا للاستفادة بالامتيازات والتسهيلات والحوافز التى تمنحها لمثل تلك الصناعات بعد صدور قانون جديد بالجزائر يحفز ويغرى المستثمرين ويمنح صناعة السيارات الوطنية إعفاء من ضريبة المبيعات فى إطار تشجيعها، وهو ما يمثل جرس انذار قويا ويدفع الوزارات المعنية بشئون الاستثمار والصناعة والتجارة لممارسة دورا كبيرا فى جذب المستثمرين ومتابعة اوضاعهم ومراقبة ما يحدث فى الاسواق حتى لا تتهم بالاهمال واللامبالاة وتكون النتيجة هروب الاستثمارات واحدة تلو الاخرى.. فلا يهمنا خروج او دخول ماركة سيارات فارهة او شعبية وانما موقف القائمين على احوال الاستثمار والتصنيع وردود افعالهم والدروس المستفادة فى مثل هذه الحالات.. فماذا نحن فاعلون؟!
تبلغ استثمارات مرسيدس فى مصر 2 مليار جنيه وحققت 1.3 مليار جنيه ايرادات عام 2013 عقب بيع 3 آلاف سيارة مقابل 1.8 مليار جنيه بعد بيع 4.6 الف سيارة خلال 2010 ولم تزد المبيعات على 1000 سيارة فقط فى 2014، ويضم المصنع ما يقرب من 550 عاملا.
الغريب انه فى منتصف عام 2013 ترددت انباء قوية عن نية مرسيدس الخروج من مصر بنهاية 2014 وسارعت الشركة الى النفى عبر بيان وزعته على وسائل الاعلام قالت خلاله: انها لن تسحب استثماراتها من السوق المصرية، وأكدت أن الشركة ستستكمل خططها فى توسيع شبكة موزعيها وفتح فروع بيع جديدة لها على مستوى المحافظات.
وأضافت الشركة أن عام 2013- 2014 سيشهد الى هنا انتهى البيان الذى وزعته الشركة التى حولت الشائعات من وجهة نظرها الى واقع وقرار رسمى صدر الاسبوع الماضى حين اعلن مسئولو شركة »مرسيدس« العالمية أنها ستوقف استثماراتها الخاصة بتجميع السيارات الملاكى فى مصر، تمهيدا لنقلها إلى الجزائر.
وقال مصدر بالشركة إن القرار يرجع لأسباب اقتصادية وليس له أبعاد سياسية، ولم يخف المصدر أن يكون قرار مرسيدس المفاجئ قد تم اتخاذه على خلفية التخفيضات الجمركية المستمرة على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبى وفقا لاتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية، حيث إن تخفيض الجمارك المستمر يجعل الاستيراد من مصانعها فى أوروبا إلى مصر اقل تكلفة.
وأوضح أن مرسيدس كانت تنتج نحو 4000 سيارة سنويا واستمرت نسبة الإنتاج المحلى فى الانخفاض حتى بلغت خلال العام الحالى ما يقرب من 1000 سيارة محلية والباقى مستورد، وهو ما لا يحقق عائدا اقتصاديا مجزيا لاستمرار الشركة..
اللواء جمال عقيل الرئيس الاسبق لمرسيدس مصر يحمل مسئولية خروج مرسيدس لوزارتى الصناعة والاستثمار اللتين نفضتا أيديهما من جذب المستثمرين وتحفيزهم وتتفرجان على ما يحدث ، فـ «الصناعة « لم تقم بدورها وتحاول تمديد اتفاقية المشاركة الاوربية حفاظا على الكيانات الصناعية القائمة او على الاقل تأجيل الخصم السنوى للجمارك الذى تنص عليه الاتفاقية بنسبة 10٪ وصولا الى صفر عام 2019 اما وزارة الاستثمار فلم تقم بدورها فى جذب الاستثمار بعد ان تحولت المزايا الاستثمارية المتمثلة فى التكلفة الانتاجية المنخفضة وسعر الارض البسيط الى اعباء استثمارية دون ان يقابلها اى مزايا جديدة فتحولت السياسات الجاذبة الى طاردة وبالتالى اصبح السؤال اين ستذهب عمالة مرسيدس ؟! خاصة ان الاستثمارات الاجنبية بدأت تهرب والوزارات تتفرج راضية بالحل السهل وهو ان يتحول السوق المصرى الى مجرد تجارة واستيراد ويختفى التصنيع..
يضيف عقيل ان الحكومة تفكر فى انشاء مصنع سيارات جديد على غرار شركة النصر القديمة التى تضم حاليا 200 عامل فقط، هنا يجب ان ننبه الى ان التجارب العالمية تثبت ان القطاع الخاص هو الذى يتولى مهمة الاستثمار حاليا ويتوقف دور الدولة عند حد المنظم والمشرع والمراقب، وعلى الوزارات المصرية المعنية ان تعى تماما ان عليها مهمة اساسية فى مراقبة ما يحدث فى الاسواق حتى لا نتهم بالاهمال واللامبالاة وتهرب الاستثمارات تلو الاخرى .
رائد صناعة السيارات المهندس عادل جزارين يرى ان كل المصانع التى تقوم بتجميع السيارات فى مصر سوف تعانى وتغلق مصانعها بالتدريج بعد ان تصل نسبة الجمارك للسيارات الاوروبية الى صفر عام 2019 وسيكون المستفيد الاول هو المستورد للسيارات التامة الصنع التى استحوذت على 55٪ فى المبيعات عام 2014 .. لذا علينا الانتباه لذلك.
اضاف جزارين: منذ سنوات وانا اصرخ بلا جدوى لحماية الصناعة وانشاء مصنع مصرى ينتج 150 الف سيارة سنويا بالاستفادة من الطاقات التجميعية بالسوق المصرى لاستعادة امجاد شركة النصر لصناعة السيارات على غرار المغرب التى نجحت فى انتاج 120 الف سيارة سنويا بالتعاون مع شركة رينو، مشيرا الى ان مرسيدس خرجت من مصر وفق ارادتها ودراساتها التسويقية ولكن الاهم هنا موقف وزارة الاستثمار اذا كانت تقوم بتقييم السوق وتدرسه لسن التشريعات المطلوبة قبل انطلاق المؤتمر الاقتصادى مارس القادم ..
السيارات الصينية.. هل تصبح بديلا؟
تقوم رؤية وليد توفيق صاحب توكيل سيارات صينى على ان كبريات الشركات العالمية تحرص على تصنيع اجزاء مهمة من السيارة داخل الصين والدخول فى شراكات مع الجانب الصينى. واذا كانت الارقام تؤكد ان السيارات الصينية تستحوذ حاليا على 20٪ من حجم السوق المصرى فان النسبة سوف تصل الى 60٪ خلال 5 سنوات قادمة كما انه من المتوقع ان يرتفع النمو فى معدل المبيعات هذا العام من 15٪ إلى 20٪ وسيتراوح إجمالى المبيعات بين 240 ألفاً و250 ألف سيارة.
وتقوم الصين بانتاج ما لا يقل عن 26 مليون سيارة سنويا تجعلها رقم واحد عالميا فى هذا المجال خاصة، ويضم السوق المصرى 15 توكيلا للسيارات الصينى وهو رقم كاف فى الوقت الحالى. ولكن من المهم ان تدخل الدولة فى شراكات صناعية مع الشركات الصينية للاستفادة من الخبرة والتكنولوجيا ويمكن تحفيز العديد من الشركات للمجيء الى مصر لتعويض خروج شركات الجنسيات الاخرى .
يرى معتز عبد الحميد عضو الشعبة العامة للمستثمرين ان القضية اكبر من خروج شركة سيارات من السوق المحلى وانه ينبغى على الدولة حل مشكلة اسعار الطاقة وارتفاع التكلفة ومصادر التمويل حتى لا تتوقف عجلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى مصر التى شهدت تباطؤا حادًا فى الثلاث سنوات الماضية. خاصة أن مصر احتلت المرتبة الـ7 فى قائمة البلدان المستقبلة للاستثمارات الأجنبية المباشرة فى القارة الإفريقية، وفقا لما ورد فى تقرير الاستثمار العالمى الاخير، مشيرا الى ان الاستثمارات الاجنبية فى مصر ترتكز على الخدمات المالية، الطاقة، الرعاية الصحية، السياحة، البناء، الاتصالات وبالتالى لابد ان تستمع الوزارات المعنية الى الاستثمارات الاجنبية الموجودة حاليا وتحفزها من جديد اذا ما ارادت استقطاب استثمارات جديدة.
من جهته قال عفت عبد العاطى -رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية بالقاهرة- إن هذا القرار لن يؤثر على وجود مرسيدس فى السوق المصرية مطالبا منير فخرى عبد النور – وزير الصناعة- بضرورة عقد لقاءات مع جميع الأطراف المعنية وذوى المصلحة لمناقشة تداعيات تطبيق اتفاقية الشراكة الأوروبية ومدى الحاجة إلى مواءمة ظروف السوق المصرية مع هذه الاتفاقية فى وقت تحتاج فيه مصر إلى جذب المزيد من الاستثمارات اليها لا أن تتم هجرة الاستثمارات منها.
فيما قال علاء السبع – عضو شعبة صناعة السيارات- إن القرار سيؤثر على السيارات الكبيرة الحجم والسعة اللترية الكبيرة أعلى من 2000 سى سي- وليس السيارات الصغيرة مشيرا إلى أن الجانب السلبى فى الأمر هو اغلاق مصانع التجميع وبالتالى الاستغناء عن العمالة.
وقال إنه لو استمر الوضع فى مصر بدون تقديم مزايا لصناع السيارات فسوف تستمر أسعار السيارات فى الارتفاع وبموجب اتفاقية الشراكة الأوروبية ستكون مصر من أغلى الدول فى تكلفة صناعة السيارات وبالتالى ستهرب استثمارات السيارات إلى دول أخرى تقدم مزايا أفضل كما هو الحال مع مرسيدس التى انتقلت للجزائر لهذا السبب.
وأكد أن الدولة مطالبة فى هذا التوقيت بأن تقدم حوافز لصناع السيارات وتيسيرات كبيرة فى الحصول على أراض لتوسعات ماركات السيارات وتسهيلات فى الضرائب مما سيصب فى النهاية لصالح الاقتصاد المصرى ويعطى فرصا أكبر للتصدير وزيادة احتياطى النقد الأجنبى، مشيرا إلى أن عدم وجود مساندة من الدولة لهم ستجعلهم يجدون عدم جدوى من الاستمرار فى السوق المصرى وقد يلحقون بمرسيدس فى المستقبل.
وأشار إلى أن دولا عديدة تقدم تسهيلات فى هذا الصدد وأصبحت من أكبر الدول فى صناعة السيارات لماركات عالمية كالبرازيل والمغرب والأرجنتين وجنوب إفريقيا مضيفا أن الدولة – من خلال وزارة الصناعة والتجارة- كانت قد تبنت برنامجا قبل ثورة 25 يناير بـ6 أشهر يدعم شركات السيارات بمجموعة من التيسيرات النقدية إلا أن هذا البرنامج توقف نظرا لظروف الثورة مطالبا باعادة احيائه من جديد لأهميته فى هذه المرحلة..