اسكندر الديك
بعد شهور من التشاؤم والقلق من المستقبل بسبب الأزمات والتوترات التي تشهدها دول ومناطق عديدة في العالم، طوى عدد كبير من الخبراء ومعاهد البحوث الألمانية هذه الصفحة إلى حدّ كبير، ليعود الحديث عن تحسّن الإنتاج والصادرات الألمانية. وعلى رغم تلبد الأجواء الاقتصادية في ألمانيا خلال الربع الرابع من العام الماضي، استمر تراجع البطالة واستعادت الصادرات زخمها القوي بعد كبوة موقتة، ما يشير إلى أن الفترة المذكورة ستسجل نمواً ملحوظاً يتجاوز بكثير معدل 0.1 في المئة المسجل في الربع الثالث.
وأظهر مؤشر النمو لبعض المعاهد الألمانية، خصوصاً معهد البحوث الاقتصادية «إيفو» في ميونيخ الصادر أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تأكيداً جديداً لعودة أجواء القسم الأكبر من الشركات السبعة آلاف التي يستفتيها إلى التحسن بعد ستة أشهر من التراجع. وسجل مؤشر الأجواء ارتفاعاً ملموساً من 104.7 إلى 105.5 نقطة، بعد ارتفاعه خلال الشهر السابق من 103.2 إلى 104.7 نقطة، فيما استقر مؤشر وضع أعمال الشركات عند 110 نقاط، وكذلك مؤشر التوقعات الذي كان ارتفع من 98.3 إلى 99.7 في المئة خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وفي منتصف الشهر الماضي، عدّل المعهد توقعاته لمعدل النمو لعام 2014 من 1 إلى 1.5 في المئة، متوقعاً نمواً مماثلاً هذه السنة. وعزا تفاؤله إلى تحسّن الاستهلاك في البلد، مشيراً إلى أن هبوط سعر النفط وتراجع سعر اليورو ساعدا على امتصاص صدمة أزمة أوكرانيا على الاقتصاد. أما معهد البحوث الأوروبية «زي إي دبليو» في مانهايم، الذي يستطلع شهرياً آراء بضع مئات من خبراء الاقتصاد والمال، فأظهر مؤشر النمو لديه الشهر الماضي ارتفاعاً للمرة الثانية في مؤشر التوقعات من 11.5 إلى 34.9 نقطة، وتحسناً أيضاً في مؤشر الوضع الحالي من 3.3 إلى 10 نقاط بعد 10 شهور من التراجع.
وأكدت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن «غرفة التجارة والصناعة العربية – الألمانية» أن تقارير مجموعات من الخبراء الألمان عزت تباطؤ النمو في ألمانيا، الذي بدأ جيداً جداً مطلع عام 2014، إلى الأزمات العديدة التي اجتاحت العراق وسورية وأوكرانيا، إضافة إلى استمرار ضعف النمو في دول منطقة اليورو والدول الصاعدة، وإلى قرارات الحكومة الألمانية المتعلقة بخفض سن التقاعد لبعض الفئات، وتحديد حدّ أدنى للأجور، إضافة إلى عدم الاتفاق على سياسة موحدة للطاقة وتحديد كلفتها.
وسبق لاتحادات أرباب العمل الألمانية أن حذّرت من سلبية نتائجها على الاقتصاد وعلى الاستثمارات. وتوجت وزارة الاقتصاد والطاقة تحسّن المؤشرات ببيانات اقتصادية إيجابية أعلنتها مطلع كانون الأول الماضي في برلين، أظهرت أن الصناعة الألمانية سجلت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ارتفاعاً مفاجئاً في الطلب على منتجاتها بلغ 2.5 في المئة مقارنة بالشهر السابق، أي خمس مرات أكثر من توقعات الخبراء. يُذكر أن الصادرات في أيلول (سبتمبر) ارتفعت 5.5 في المئة مقارنة بالشهر السابق، في حين كان توقع خبراء زيادة في الطلب بمعدل 0.5 في المئة فقط.
وترنّح مؤشر «داكس» بعد تسجيله 10087 نقطة في بورصة فرانكفورت، وهو رقم قياسي جديد، قبل أن ينهي عام 2014 عند 9870 نقطة، ليتراجع في 3 الجاري إلى 9764 نقطة. وكان خبراء المال والعاملون في البورصة توقعوا «نهاية سعيدة» للمؤشر و»هدية جميلة» للمودعين نهاية عام 2014، خصوصاً بعدما أعلن البنك المركزي الأوروبي أنه سيبدأ مطلع السنة بتأمين مزيد من السيولة المالية لأسواق المال، وشراء سندات الدول المتعثرة في حال الضرورة، وهو أمر لم يفعله سابقاً لأن بعضهم يعتبره مخالفاً للصلاحيات المعطاة له. ومع ذلك، يعتبر مراقبون أن المؤشر لا يزال على رغم انخفاضه عند مستوى عالٍ.
وأجمع خبراء على أن تراجع أسعار النفط وانخفاض قيمة اليورو أمام الدولار، سيساعدان الاقتصاد الألماني على خفض كلفة إنتاجه، وبالتالي تعزيز تنافسيته في الأسواق الدولية. وعقّب كبير خبراء مصرف «اونيكريديه» في ألمانيا أندرياس ريس على تحسّن أجواء العمل والتوقعات قائلاً إن «الشركات الألمانية تجاوزت على ما يبدو خشيتها من تأثيرات أزمة أوكرانيا بين روسيا والغرب على أشغالها». ورأى أن «من المبكر القول إن التحسن الحاصل يشكل تحولاً واضحاً، ولكن الأمر واعد جداً»، متوقعاً تسارع نمو الاقتصاد الألماني خلال الربع الحالي.