كتبت آمنة منصور في “الراي” الكويتية:
عند تلقِّي “بشرى” الحمل كانا معاً، واحتفلا مع الأهل والأصدقاء بفرحة انتظار “ماريا”.
الأمور ساءت لاحقاً، حيث عانت ريم مغيط، رحلة حمل صعبة بسبب الغياب القسري لزوجها إبراهيم مغيط، إثر خطْفه ورفاقه العسكريين اللبنانيين على يد تنظيميْ “داعش” و”جبهة النصرة” في جرود عرسال في الثاني من شهر آب الماضي.
الولادة التي رأت في أعقابها ماريا النور، في أحد مستشفيات طرابلس كانت استثنائية. أمها ريم كانت في معاناتها وحيدة. كانت تصرُّ بقسوة على أسنانها لتتحمل آلام الولادة وأوجاع الشوق والحنين والخوف على إبراهيم.
شعرت ريم بوحدة قاتلة. حشد الأهل والأصدقاء الذين حضروا لمساندتها لم يملأ الفراغ القاحل الذي تركه غياب زوجها. فهو الوحيد القادر على بلْسمة وجعها، على إتمام فرحتها وإشعارها بالطمأنينة. لكنه ليس هنا، وفرحة ريم والجميع منقوصة. حتى هي لم تتمكن من التمييز بين دموع الحزن والفرح التي اختلطت في عينيها وتدفقت من عيون كل الحاضرين.
تنفيذاً لرغبة إبراهيم وتعبيراً عن الحب الكبير الذي تكنّه له، أسمت ريم المولودة الجديدة ماريا. فهو كان اختار هذا الاسم منذ أن علم بالحمل، وهي حرصت على تنفيذ رغبته بحذافيرها، على أمل ألا يطول غيابه أكثر هناك في جرود القلمون (السورية) حيث تصطك أسنانه من البرد وتتقرّح معدته من الجوع.
نظام مغيط، شقيق إبراهيم، نقل لـ “الراي” المشهد الموجع من المستشفى، حيث كشف أن “الطفلة تعاني صعوبة في التنفس، ما استلزم وضعها في الحاضنة لاثنتي عشرة ساعة”، لكنه طمأن في المقابل إلى أنها ستكون بخير. وأضاف بحسرة وألم: “ماذا أقول عن ماريا؟ ابنة أخي تنظر في كل الوجوه، ولا تجد وجه والدها. من غير العادل ألا يكون إبراهيم بيننا الآن”، آملاً في أن “يكون وجه ماريا خيراً، فيفكّ أسْر والدها وبقية العسكريين قريباً لتراه و “تُربى في عزه ودلاله”.
ماريا ليست الطفلة الوحيدة التي وُلدت خلال وجود والدها في الأسْر لدى “داعش”، فأندرو ابن العسكري جورج خوري، كان سبقها إلى هذه الدنيا قبل شهريْن، وبلّلته حينها القُبل التي انطبعت على خده من أمه والأقارب بدموع الألم والخوف على والده جورج.
عمة أندرو، ماري خوري، أشارت في اتصال أجرته “الراي” معها إلى ملامح الطفل البريئة التي تبيّن شبهاً بوالده. وإذ تحدثت بأسى عن اللوعة التي يتركها غياب شقيقها وأسْره، تنفي علمها إذا كان جورج علم بولادة أندرو قبل شهرين، لتسأل في المقابل بعد أن تزفرألمها وتتنشق هواء جديداً: “ماذا سنروي لأندرو عن هذه الأيام الصعبة عندما يكبر غير أن أباه بطل حقيقي؟”.
وتختم “أنا وأخوتي، ومن بينهم جورج، نعرف يقيناً ماذا يعني أن ينشأ أطفال من دون والدهم، لأننا نعيش يتم الأب. لذا لا نريد مشاهدة أندرو يعيش الألم نفسه، ونرجو عودة أخي سالماً إلينا اليوم قبل الغد”.
بدوره، محمد، ابن العسكري عباس مشيك، لم يلتقِ بعد والده الذي لا يزال في قبضة الخاطفين، يعاني آلام الفراق عن أسرته وأوجاع مرَضه المزمن في الكبد.
زهراء زوجة عباس تحدثت لـ “الراي” بألم، وأفردت لدموعها مساحة للتعبير بصمت عن المأساة التي تعيشها في أسرة يغيب عنها “السنَد”. وقالت: “محمد سرّ أبيه، وملامحه تبيّن شبهاً كبيراً جداً لزوجي عباس الذي لا أعلم إذا كان عرف في شأن ولادة طفله”، مضيفة بأسى: “أكابرعلى همومي لأبقى قوية أمام أولادي الثلاثة، ريثما يعود عباس”.
في الذاكرة الحزينة، عادت زهراء إلى فترة الحمل التي عاشتها في هذه الظروف، فتحدثت عن صعوبة التجربة، مشيرة إلى الحزن الذي مزَّق قلبها عند وضْعها محمد في غياب عباس “الذي لطالما وقف إلى جانبي في الحُلوة والمُرَّة، ولاسيما عند المخاض واستقبال فلذتيْ كبده”.