استبعد التحليل الاقتصادي لمجموعة QNB أن تتعافى التجارة العالمية وتنتعش إلى المستويات التي كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية في 2008 على المدى القصير.واستعرض التحليل الأسبوعي الصادر اليوم، أسباب الركود الذي يحيق بالتجارة العالمية بعدما ظل نموها خلال السنوات الثلاث الماضية أقل بكثير من معدله قبل تلك الأزمة، معيدا إياها لثلاثة أسباب رئيسية.وقال ” إن السبب الأول يعود إلى عدم انتعاش الطلب، إذ يتوقع أن تشهد أوروبا التي تمثل ما يقرب من ثلث التجارة العالمية، ركوداً اقتصادياً هذا العام، وأن يتباطأ النمو في الصين التي تمثل 11 في المائة من التجارة العالمية ، بينما لا يتوقع لأي انتعاش في النمو في الولايات المتحدة (10 في المائة من التجارة العالمية) أن يعوّض عن ذلك بصورة كافية”. كما رجح في معرض الحديث عن السبب الثاني، أن تستمر الاتجاهات الدافعة للتباطؤ الهيكلي في التجارة بين الصين والولايات المتحدة وأن تستمر الصين في تخفيض اعتمادها على المدخلات الخارجية في سلسلة إمدادها من أجل الحصول على حصة أكبر من القيمة المضافة. وفي الوقت نفسه قال ” إن من غير المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بتسريع الوتيرة التي تعمل بها في تصنيع منتجاتها المحلية في الخارج، لا سيما على ضوء انخفاض تكاليف الطاقة في الولايات المتحدة واستقرار الأجور المحلية فيها”.وأوضح، أن عامل صعود الصين والولايات المتحدة إلى مركز أكبر بلدين تجاريين في العالم يعمل على تغيير هيكل سلسلة الإمداد العالمية، فخلال العقدين الأخيرين، تحولت الصين إلى مركز التصنيع في العالم وفي نفس الوقت، قللت من اعتمادها على الدول الأخرى في إضافة مدخلات إلى سلسلة إمدادها ، ونتيجة لذلك هبطت حصة المدخلات المستوردة في الصادرات الصينية من 50 في المائة في عام 2000 إلى 35 في المائة في الوقت الحاضر. وقد كان لذلك أثر سلبي على نمو التجارة العالمية ، حيث اعتمدت الولايات المتحدة منذ ثمانينيات القرن العشرين على مزاولة الإنتاج خارج أرضها، وبصفة أساسية في الصين، بهدف خفض تكاليف إنتاجها ونتيجة لذلك، تضاعفت المستوردات الصناعية للولايات المتحدة من متوسط 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في ثمانينيات القرن العشرين إلى 8 في المائة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومنذ ذلك الحين، قامت الولايات المتحدة بإبطاء نسبة إنتاجها في الخارج ، فأصبحت الواردات الصناعية لديها مستقرة عموماً عند حوالي 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكان لذلك أيضاً تأثير سلبي على نمو التجارة العالمية، إذ أبرزت دراسة صدرت مؤخراً عن صندوق النقد الدولي باسم “النمو البطيء” هذه التغييرات الهيكلية بحسبانها العامل الرئيسي في خفض نمو التجارة العالمية. ورأى تحليل QNB كسبب ثالث، أن عدم تحقيق نجاح في المفاوضات التجارية متعددة الأطراف يعني ضآلة التقدم المتوقع في الحد من الحمائية التجارية، مبينا أن جولة الدوحة للمفاوضات التجارية التي بدأت في عام 2001، لم يتحقق سوى القليل من الأهداف الطموحة التي وضعتها لخفض الحواجز التجارية العالمية. كما أن الاتفاقية الأخيرة بشأن تنفيذ مقررات الدوحة، والتي تم التوقيع عليها في بالي بنهاية عام 2013، واجهت انتكاسة بخروج الهند عليها في يوليو الماضي، وكان من المتوقع لاتفاق تم مؤخراً بين كل من الولايات المتحدة والهند أن يساعد على إنقاذ الموقف إلا أن المفاوضات بشأنه لا تزال محفوفة بالمصاعب.وأشار إلى تعهد قادة دول مجموعة العشرين في أواخر عام 2008، عقب الأزمة المالية العالمية، بتجميد سياسات الحمائية التجارية لتجنب تكرار دوامة الحمائية التجارية التي حدثت في ثلاثينيات القرن العشرين. وأضاف أنه منذ ذلك الوقت أدخلت تدابير عديدة تناقض هذا التعهد، حيث أصدر الاتحاد الأوروبي في عام 2012، تقريراً يوضح حدوث “زيادة مذهلة في الحمائية في جميع أنحاء العالم”، فيما كانت أكثر من 70 في المائة من تشريعات التجارة الجديدة ذات طابع حمائي، وقد تم إدخال حوالي 3,870 من مثل هذه التدابير منذ عام 2008 وفقاً لموقع مراقبة التجارة العالمية.كما واصلت الحواجز الجمركية هبوطها على مدى العقود الأخيرة، ولكن بمعدل متباطئ فمنذ ثمانينيات القرن العشرين، كان الانخفاض في الحواجز الجمركية أكثر بروزاً في البلدان المتقدمة ، حيث كان متوسط الحواجز الجمركية حوالي 30 في المائة من التجارة في عام 1980، و15 في المائة في عام 2000، ويبلغ حالياً أقل من 10 في المائة، ولكنه ينخفض الآن بوتيرة أقل في كل عام. وعلى ذلك فإن الدفع الذي يحدث للتجارة العالمية من خفض الرسوم الجمركية يتناقص تدريجياً مع مرور الوقت.وتوقع بناء على الأسباب الثلاثة المذكورة أن تنمو التجارة العالمية تقريباً بنفس معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال 2015- 2016 إذ يتوقع صندوق النقد الدولي أن يجيء نموها بمتوسط 3,9 في المائة، وهو ما يقل بكثير عن مستويات ما قبل الأزمة.وأشار في هذا السياق إلى أن نمو التجارة العالمية كان يزداد بمعدل سنوي نسبته 5,9 في المائة خلال الفترة من عام 1980 إلى عام 2008، ثم هبط بحدة إلى -10,6 في المائة خلال فترة الكساد في عام 2009 عقب الأزمة المالية، ثم ارتد مرتفعاً بقوة خلال العامين 2010 و2011 إلى 9.6 في المائة في المتوسط، ولكن النمو السنوي لحجم التجارة العالمية خلال الفترة 2012- 2014 كان ضعيفاً نسبياً عند 2,8 في المائة. وعزا جزءاً من هذا الانخفاض إلى ضعف الطلب العالمي ، حيث جاء نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3,3 في المائة في الفترة 2012- 2014 على أساس تعادل القوة الشرائية، مقارنة بنسبة 3,6 في المائة خلال الفترة من 1980 إلى 2008.