IMLebanon

النفط الصخري ومستقبل الطاقة في العالم

OilShale
وسائل التحكم العلمي والتمكن والسيطرة البشرية في الطبيعة متحولة شأنها في ذلك شأن التحولات السياسية والاقتصادية والمجتمعية التي تصيب بقدر كافٍ أسس الحياة الإنسانية والتطور البشري، وانتقال وسائل البشر للسيطرة على الطبيعة وتغيرها الدائم هو نتاج تطور فكري لازم الإنسان منذ نشأته الأولى، وسيظل دائم التغيير والتحول طالما ظل الإنسان فوق كوكب الأرض، واذا جاز لنا القول إن النفط ومشتقاته قد ارتبط بحياة الإنسان بشكل جدي وواسع منذ الثورة الصناعية في أوروبا، أو قبل ذلك بقليل، فمن المستحيل للفكر البشري طالما أنه في تغيير دائم أن يتوقف عن الاعتماد على هذه الوسيلة من مصدر واحد وإلى أجل غير منظور، ولذلك فإن النفط الصخري كمنتج جديد هو منتج فكري قبل أي شيء آخر، دفعت إليه عوامل ومسببات لا مجال لذكرها الآن.
ما يهمنا هو كيف سيتحول الاعتماد على الطاقة من النفط الاستخراجي إلى الحجري أو الصخري، وكيف يتغير وفقاً لذلك أو كيف يصيب اقتصادات الدول التي تعتمد على النفط الأحفوري، وتفتقر إلى النفط الصخري بشكل أساس، لاسيما الدول عالية الاعتمادية على النفط ومشتقاته؟
فمن المعروف أن التسارع أو الطفرات التي شهدتها أسعار النفط في الآونة الأخيرة هي التي ساهمت وعجلت بشكل كبير في سعي الدول الكبرى لامتلاك بديل للطاقة الاستخراجية التي تتحكم بها إلى حد كبير وفاعل دول “الأوبك”، والولايات المتحدة مدركة بشكل مؤكد وفي ظل الإحصاءات العلمية المتوافرة لديها بأن أفول نجمها في الميدان العالمي للطاقة سيفقدها مركزها المهيمن في العالم، ولذلك سعت إلى تأمين الطاقة من بدائل أخرى، رغم تفاوت سعر الإنتاج بين النفط الأحفوري ونظيره الصخري، وبالتالي أصبح الأخير سلعة متداولة في الأسواق العالمية، وساهم إلى حد كبير في انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو يشير إلى مخاطر جدية ستتعرض لها الدول المنتجة للنفط بالطرق التقليدية بشكل مؤكد، هذا الأمر سيؤدي دون أدنى شك إلى:
* أولاً: تدهور سعر النفط نتيجة فقدان دول “الأوبك” بعضاً من الحصص المطروحة في السوق العالمية للطاقة لصالح الولايات المتحدة والدول المنتجة للنفط الصخري، ما يدفعها إلى زيادة إنتاجها من النفط مقارنة بانخفاض الطلب العالمي عليه، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى انخفاض العائدات النفطية التي ستنعكس على انخفاض معدلات النمو الاقتصادي للدول المنتجة، وارتفاع النمو للدول المستهلكة، وانتعاش سوق العمل العالمي، وإلى اهتزازات واضحة على مستوى التفاوت في معدلات التنمية العالمية . ويترافق ذلك مع زيادة في إنتاج السلع نتيجة انخفاض كلفة الإنتاج أو جزء مهم من الكلفة، ما ينعكس باتجاهين متقاطعين الأول انخفاض في النمو لدول الاستخراج الأحفوري مقارنة بنمو وتسارع النمو في دول الاعتماد التجاري على النفط.
* ثانياً: إلا أن هذه الحال لا ينبغي النظر إليها في الحسابات المستقبلية على أن النفط الصخري سيظل ينافس النفط الاستخراجي إلى أجل طويل الأمد، بسبب انخفاض تكاليف استخراج الأخير مقارنة بكلفة النفط الصخري والذي يتطلب توفير عدد كبير من الحفارات ومن معدات التكسير الهيدروليكي المكلفة، فضلاً عن أنه أكثر ضرراً على البيئة من الوقود الاستخراجي، واستخراجه يتطلب العديد من الإجراءات المعقدة، إضافة إلى عدد كبير من القوى البشرية اليدوية.
* ثالثاً: إن انخفاض أسعار النفط العالمي سيؤدي دوراً تبادلياً في التأثير في تطور الاقتصاد العالمي، إذ ترتبط الكثير من واردات الدول المنتجة للنفط مع الدول الصناعية الكبرى، بحيث يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى لعب دور سلبي في الدخل القومي للدول المنتجة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض أو تباطؤ في اقتصاداتها، ويمثل صدمة ارتدادية على مستوى النمو الاقتصادي العالمي، وإلى بروز أزمات اقتصادية ومجتمعية وأمنية قد تؤدي إلى زيادة الاضطراب في بيئات جغرافية مهمة، وهي تعاني الآن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي، وأن تاثير الصدمة الارتدادية قد ينتقل بشكل سلبي إلى أمن الدول ذات الحظوة في الإنتاج الصخري، وأخيراً لا يمكن لدول “الأوبك” الهلع من نتائج ما آلت إليه الأمور في انخفاض أسعار النفط، بل العقلانية تتطلب السيطرة على الإنتاج وتقنينه، بغية عودة الارتفاع على الطلب والأسعار في الوقت نفسه، سيما وأن كلفة إنتاج النفط الصخري تتجاوز ال 75 دولاراً للبرميل الواحد وفق العديد من الإحصاءات العالمية.