مارتن وولف
في المناقشات الدولية للسياسة الاقتصادية، تحب الحكومة البريطانية أن تتباهى بمرونة اقتصادها. في بعض المجالات، لاسيما في سوق العمل، تملك المملكة المتحدة بالفعل اقتصادا غير مُنظّم نسبياً. لكن لكل بلاد مجالها البعيد عن الانتقاد، ومجال بريطانيا هو الإسكان. في التخطيط، المملكة المتحدة مستمرة بالنهج الذي قد يُوصف بأنه ستاليني. الفرق أن ستالين حين أراد أن يجعل الأشياء تحدث، كان نظام استخدام الأراضي في المملكة المتحدة مصمما على القيام بالعكس. إنه ناجح بشكل مذهل. ولو كان معمولا به في القرن الـ 19، ما كان لأيّ من المدن البريطانية الكبيرة أن تكون موجودة الآن.
إليك اثنان من المؤشرات البسيطة. الأول، أن عدد المنازل التي تم بناؤها في المملكة المتحدة في العام المالي 2012/2013 بلغ 136 ألف مسكن فقط، وكان الأدنى منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى في 2013/2014 لم يتم بناء سوى 141 ألف منزل. وفي 1969/1970 كان العدد المناظر 378 ألف منزل. وهذا انهيار مذهل.
المؤشر الآخر، أن هذا الانخفاض في الناتج لم يكُن بسبب أي تراجع في الطلب. ويتجلى هذا من خلال الأسعار. فبحسب “جمعية البناء في عموم الوطن”، معدل أسعار المنازل إلى متوسط أرباح الاستخدام طوال الوقت، ارتفع من مستوى منخفض بلغ 2.1 في عام 1995 إلى ذروة بلغت 5.4 في عام 2007. ثم عاد وانخفض إلى 4.1 في الربع الأول من عام 2009، وهو معدل لا يزال مرتفعا حسب المعايير التاريخية، قبل أن يرتفع إلى 5.0 في عام 2014.
انهيار العرض وارتفاع الأسعار: لا شيء أفضل من ذلك يمكن أن يُشير إلى القيود الشديدة على العرض. أولئك الذين لا يعرفون أفضل سيقولون إن العرض مُقيّد لأن الأراضي الصالحة للبناء محدودة في جزيرة صغيرة ومكتظة بالسكان. هذا صحيح، لكن ليس لأسباب مادية، لأن 11 في المائة فقط من مساحة إنجلترا هي المغطاة بالمدن. الغالبية التي تعيش في المناطق الحضرية لا تدرك هذا، لأنها تتجول ببطء كبير جداً داخل المدن وليس فيما بينها. والقيود المفروضة على توافر الأراضي من صنع الإنسان. إنها بسبب نظام سيطرة من التعقيد الشديد لم يعمل فقط على تقييد العرض، لكن -وهذا أسوأ بكثير- أوجد مجموعة من أصحاب المصالح الشخصية القوية أثناء استمراره. من بين أولئك يوجد السكان المحليون، وأصحاب المنازل بشكل عام، والمصارف التي تمولهم. بطريقة بريطانية مرموقة، هذا يعتبر ترتيبا فاسدا، نتيجته لصالح الأغنياء على حساب الفقراء. وهو مدعوم من قِبل جماعات ضغط، مثل حملة حماية الريف الإنجليزي، التي بدلاً من ذلك اعتقد أنها حملة لاحتواء إنجلترا الحضرية.
واحدة من المفارقات هي أن عدم القدرة على بناء المنازل ربما عمل على منع أزمة اقتصادية أسوأ بكثير في المملكة المتحدة، بما أنه منع توسّع العرض والانهيار اللاحق في الأسعار، كالذي شهدناها في أيرلندا، أو إسبانيا، أو الولايات المتحدة. لكن العواقب الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأجل وخيمة. وهذه تشمل التحويلات الضخمة للموارد عبر الأجيال، وداخل الأجيال، إلى أشخاص يملك آباؤهم عقاراتهم الخاصة التي يمكن القول إنها أكثر أهمية. وتشمل أيضاً تقويض قدرة الشباب على تحمّل تكاليف السكن، وبالتالي تشكيل عائلات.
علاوة على ذلك، الثروة التي يراكمها أصحاب العقارات تعد ثروة غير مُنتجة بشكل أساسي. والمدافعون عن النظام يميلون إلى الإشارة إلى هذه الثروة باعتبارها نتاج مدّخرات، لكنها ليست كذلك. أنا نفسي أفهم هذا، بما أني أملك منزلا ربما أصبحت قيمته الاسمية أكبر 25 مرة مما كان عليه عندما اشتريته قبل 30 عاماً، وتقريباً أعلى تسع مرات بعد التعديل من أجل التضخم. هذه الزيادة الهائلة في الثروة ليست بسبب الجهود التي بذلتها، بل هي بشكل كبير نتيجة الارتفاع في قيمة الأرض، التي هي ثمرة جهود أناس آخرين، وليست جهودي.
التغير لن يأتي إلا عندما يدرك الناس كيف أصبح هذا الوضع غير عادل. الأمر لا يتعلق فقط بالعقبات التي تحول دون أن يصبح المرء ساكنا في عقار مملوك له، لأن أسعار المنازل المرتفعة تعمل أيضاً على رفع الإيجارات. وفي نهاية المطاف سيضطر الناس إلى العيش في ظروف أكثر صعوبة مما يمكن أن يحدث بدون القيود على العرض.
ما الذي يجب فعله؟ لو أن الحل كان سهلاً من الناحية السياسة، لكان قد تم بالفعل. لكنه ليس كذلك. لا أستطيع التفكير بمثال أفضل من الطريقة التي تميل فيها الضوابط إلى إيجاد مصالح شخصية أثناء استمرارها.
هناك عقبات هائلة تحول دون الانتقال إلى مجموعة من السياسات الصديقة أكثر للعرض. لكن على المدى الطويل، التداعيات الناشئة عن استمرار النمو السكاني المترافق مع مثل هذه المعدلات المنخفضة من المباني الجديدة ستثبت على الأرجح أنها تداعيات ذات طبيعة متفجرة.
الهدف على المدى الطويل ينبغي أن يكون إصلاح الحوافز التي تواجه السلطات المحلية، ودور الأسعار في تخطيط استخدام الأراضي، وفرض ضرائب على العقارات وتمويل الإسكان. هذه مجموعة من التحدّيات جديرة بحكومة إصلاحية. وعلى المدى القصير، نظراً للانخفاض الكبير في أسعار الفائدة طويلة الأجل وارتفاع قيمة المنازل، بإمكان الحكومة إما بناء المزيد، وإما دعم البناء. في 1969/1970 شيدت السلطات المحلية 185 ألف مسكن. وبدون الذهاب إلى هذا الحد، تستطيع الحكومات أن تفعل أكثر مما تفعل الآن بكثير.
الترتيبات الحالية غير ناجحة. لقد حان الوقت لشيء أكثر جذرية.