يرتدي العام 2015 جملة مصاعب مالية وخدمية ومعيشية، مقترنة بتصاعد التطورات والتردي السياسي والأمني في لبنان والمنطقة، لكنها متفاوتة في معدلات مفاعيلها على القطاعات والمؤسسات والأفراد.
أخطر نقطة في الأمر أنها تتعلق بصعوبة تمويل احتياجات الدولة لتغطية الاستحقاقات من جهة، وتغطية العجز الجديد للموازنة العامة للعام 2015، والمقدرة بحوالي 52 مليار دولار (7700 مليار ليرة تقريباً). هذا الأمر سيزداد صعوبة ما لم تزد الودائع المصرفية بشكل أفضل من العام 2014 أو في حدود هذا النمو لتغطية احتياجات تسليفات القطاعات الاقتصادية من جهة، وحاجة عجز الخزينة من جهة ثانية.
تراجع أسعار النفط
هنا لا بد من التوقف عند تراجع أسعار النفط على عجز كهرباء لبنان وعلى الموازنة العامة، حيث تكلف الخزينة سنوياً 2.3 مليار دولار سنوياً، على أساس أن تعرفة كهرباء لبنان موضوعة على برميل نفط بحوالي 25 دولاراً، وهو تخطى في السنوات الأخيرة 110 دولارات للبرميل، قبل أن ينخفض خلال العام الماضي إلى حوالي 50 دولاراً، وهو الآن تحت هذا السعر. مع العلم أن عجز الكهرباء المتراكم كلف الخزينة عجوزات متراكمة حوالي 27.5 مليار دولار، ما يشكل حوالي 42 في المئة من قيمة الدين العام البالغ حوالي 66.5 مليار دولار، ويأكل أكثر من 50 في المئة من عجز الموازنة العامة. هذه المبالغ دفعتها الخزينة مع فوائد تفوق 9 مليارات دولار عن السنوات الماضية. هذا من دون احتساب المبالغ التي دفعت لتلزيمات واعتمادات لتنفيذ خطة الكهرباء والمقدرة بحوالي 1500 مليون دولار على تأهيل وبناء مجموعات جديدة متوقفة عن العمل والتطوير لخلافات على مغانم الدفعات والعمولات. هذا مع الإشارة إلى ان الخطة تلحظ تأمين الكهرباء 24 على 24 ساعة يومياً اعتباراً من العام الحالي 2015. لكن ما يحصل هو العكس وهو تراجع الانتاج والتغذية وتزايد التقنين وتردي الخدمات تردّياً غير مسبوق.
لا أحد يسأل عن مصير خطة الكهرباء والتغذية وتردي الخدمات عموما، على اعتبار أن كل فريق سياسي يسعى لتعزيز عائداته من التلزيمات والمشاريع والمحاصصة في ظل حكومة الرؤوس المتنازعة والمختلفة على المصالح، ولو على حساب المزيد من تردي الخدمات وصولاً إلى كارثة النفايات القادمة نتيجة البحث عن الحصص بعيداً عن مصلحة الناس وسلامتهم.
الودائع المصرفية
إشارة للتذكير فقط، الى أن الودائع المصرفية زادت خلال العام 2014 حوالي 6.5 مليارات دولار (11 شهراً) مقابل زيادة قدرها حوالي 11.2 مليار دولار للعام 2013 أي بتراجع قدره حوالي 36 في المئة. هذا مع العلم أن المصارف أحضرت من الخارج حوالي 2.5 مليار دولار من محفظتها لتوظيفها لدى مصرف لبنان، ما حسن حركة الودائع. كذلك الأمر بالنسبة إلى الموجودات المصرفية التي زادت خلال العام 2014 حوالي 7.4 مليارات دولار مقابل حوالي 12.9 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2013.
احتياطات القطاع المصرفي
لكن الإشارة الأهم هنا أن القطاع المصرفي اللبناني، يملك احتياطات جيدة تفوق معايير وشروط بازل ـ3، ما يعني أنه يحتاط لأنواع المخاطر بشكل جيد وصلب. تبقى إشارة في هذا لأمر أن الموفورات لدى القطاع المصرفي المتوافرة حالياً تفوق 59 مليار دولار وهي احتياطات نمت كثيرا خلال السنوات الأخيرة مع التشدد في تكوين المؤونات وتطبيق المعايير الدولية من جهة، وتراجع الإقبال على طلب القروض المصرفية من قبل القطاعات الاقتصادية وتزايد المؤسسات التي تطلب تسهيلات في سداد المديونية، مع التخوف من نمو عدد المؤسسات المتخلفة عن الدفع وتزايد حجم الديون المشكوك بتحصيلها التي تقارب حالياً حوالي 5.2 مليارات دولار.
التردي لا يمنع التسليفات
ولا يعني ذلك أن تردي أوضاع القطاعات الاقتصادية سيحول دون استمرار التسليفات، ولو بشكل أقل من العامين الماضيين، على اعتبار أن المصارف، في ظل حوافز مصرف لبنان، تملك القدرة على الاستمرار في تسليف الاقتصاد والقطاعات بحوالي 13 مليار دولار، شرط أن تستمر حركة الودائع بالنمو ضمن الحدود المحققة في العام 2014 وأكثر قليلاً، بما يؤمن احتياجات الدولة والاقتصاد في القطاع الخاص.
الأثر الاجتماعي لتردي الوضع في المالية العامة والقطاعات الاقتصادية، بدأ ينعكس على نمو البطالة وتقلص فرص العمل، ناهيك عن عمليات الصرف التي تظهر من خلال إحصاءات الضمان التي تشير إلى أن عمليات الترك المبكر تشكل حوالي 60 في المئة من حالات تصفية تعويضات نهاية الخدمة (الترك المبكر هو عمليات الصرف قبل بلوغ السن للمضمونين وقبل إنهاء 20 سنة خدمة أو الإصابة بالعجز أو الوفاة أو الزواج بالنسبة للمرأة) وهذا مؤشر اجتماعي خطير حيث يضطر المضمون من العمال إلى تصفية تعويضه بخسارة.
فمهما كانت صعوبة النتائج الاقتصادية والمالية خلال العامين 2014 و2015، فالاستثمارات وضيق مجالات التوظيف وسعي أصحاب العمل الى تقليص الكلفة والخسائر على حساب المزيد من الصرف العمالي وفي مختلف القطاعات التي تعاني من الصعوبات والتعثر حيث يتم التبليغ عن عشرات المؤسسات التي تتوقف عن الدفع وتصرف عشرات العمال نتيجة الظروف الاقتصادية وتداعيات أزمات المنطقة والجمود الداخلي، بدا الوضع يلامس الانكماش بفعل شلل القطاعات والمؤسسات العامة وعدم الاستقرار الأمني والسياسي. ومقارنة مع المؤشرات فإن بعض النشاط يسجل في نمو المبيعات العقارية نتيجة طلب الشباب على الشقق الصغيرة والمتوسطة والتي تتحرك بحوافز مصرف لبنان الذي ضخ خلال العامين الماضيين والعام الحالي حوالي 3 مليارات دولار ذهب أكثرها للقطاع السكني بفوائد مدعومة نتيجة تزايد الحاجة.
تداولات البورصة خلال 2014
تحسنت حركة البورصة خلال العام 2014، مقارنة بالعام 2013 تحسناً ملحوظاً، على الرغم من سمة الضعف المسيطرة، وذلك استناداً إلى نتائج تداولات ونشاط بورصة بيروت، في ظل التطورات الحاصلة في المنطقة، والانعكاسات على الوضع في لبنان، ونشاط سوق الأسهم المالية التي سجلت تحسناً خلال العام 2014، مقارنة بالعام 2013 نتيجة الصفقات المتوسطة والكبرى المباشرة على بعض الأسهم المصرفية، لا سيما أسهم بنك عودة وبنك بيبلوس وبعض الأسهم المتداولة خلال كامل العام 2014 مقارنة بالعام 2013.
1 ـ لقد بلغ عدد الأسهم المتداولة حتى نهاية العام 2014 ما مجموعه حوالي 96 مليوناً و790 ألف سهم، قيمتها حوالي 661 مليوناً و412 الف دولار. مقابل حوالي 51.4 مليون سهم للفترة ذاتها من العام 2013، قيمتها حوالي 375.1 مليون دولار، أي بزيادة نسبتها حوالي 88.25 في المئة من حيث العدد، وحوالي 76.1 في المئة من حيث القيمة. لقد زادت تداولات البورصة من دون تحرك أو ارتفاعات كبيرة في الاسعار نتيجة إدراج أسهم تفضيلية وغير تفضيلية جديدة لمصارف.
2 ـ ارتفعت القيمة السوقية للأسهم من حوالي 10.545 مليار دولار في 2013 إلى حوالي 11.2 مليار دولار للفترة ذاتها من العام 2014، أي بزيادة نسبتها حوالي 6.42 في المئة. وسبب هذا التحسن في القيمة إدراج بعض الأسهم الجديدة أساساً لبنك عودة (أسهم أولوية). لكن هذا التحسن في حجم وقيمة التداولات لم يترجم تحسناً في أسعار معظم الأسهم التي بقيت متراجعة وضعيفة وأقل من قيمتها التجارية والفعلية، لا سيما أسهم شركة سوليدير الأكبر في السوق والأسهم المصرفية التي حافظت على نتائج مالية مقبولة في ظل ظروف تشغيلية صعبة.