IMLebanon

تقرير «إسكوا» يكشف الفقر المتمدد في طرابلس: 57% محرومون والبعد الأمني يعرّضهم لحمل السلاح

TripoliPoverty

رائد الخطيب
57 في المئة من الاسر المقيمة في طرابلس محرومة، من ضمنها 26 في المئة محرومة حرماناً شديداً. هذا ما خلصت اليه نتائج دراسة مشروع دراسة الفقر الحضري في البلدان العربية، والتي أعدتها اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في «الإسكوا« بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة الانمائي«، تحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية. الدراسة التي حددت أبعاداً متعددة للفقر المتنامي، كان البعد الأمني حاضراً فيها وبقوة. إذ اظهرت الدراسة ان هذا البعد كان له تأثير واضح على ذوي الدخل المحدود والفقراء، من خلال الانقطاع عن العمل والمداخيل وكذلك على النمو الاقتصادي، وهو ما عرّض الفقراء الى اغراءات حمل السلاح.

في دردشة لـ»المستقبل» مع مستشار وزير الشؤون الاجتماعية، أديب نعمة، قال «ان الدراسة انتهت، ونحن الآن أعلنا الخطة للافكار العامة ولم نكتفِ باعلان المشكلات فقط بل طرحنا حلولا، ووضعنا التصور لبدايات الحل»، لافتاً الى أنَّ التوصيات التي أدرجتها الخطة هي عبارة عن خطة متكاملة ينبغي العمل عليها، و«بالطبع سنكمل في هذا الاطار«.

وحول التفاوت في المساعدات المخصصة لطرابلس وازدياد مؤشرات الفقر، اوضح نعمة أنّ المساعدات تأتي لمعالجة موضوعٍ معين وموقت وليس من اجل خطةٍ متكاملة. وقال «نحن في هذه الدراسة وضعنا خطة متكاملة تحدد الرؤية لما بعد».

اما ابرز الاستنتاجات التي توصلت اليها الدراسة فهي:

1 ـ طرابلس مدينة فقيرة مع جيوب رفاه: ظاهرة الفقر والحرمان في طرابلس واسعة الانتشار، ومعقدة ومتعددة الابعاد والتجليات، بحيث لا يصح وصف الوضع بأن هناك جيوباً للفقر والحرمان يمكن عزلها عن بقية المدينة، والتعامل معها موضعياً من خلال مشاريع محدودة النطاق، وما يمكن اعتباره طبقة وسطى وما فوق، لا تزيد عن 20 في المئة من اجمالي سكانها يتركزون اساساً في الحيين الحديثين بين النطاقين البلديين لطرابلس والميناء، وبعض الجيوب الصغيرة المنتشرة في احياء أخرى، وبالتالي يستحيل فصل سياسات مكافحة الفقر والحرمان فيها عن مسار عملية التنمية الشاملة في المدينة كلها.

2 ـ ابعاد الفقر المختلفة متلازمة ومترابطة بقوة. وبناء عليه لا يمكن التصدي لبعض ابعاد الفقر واغفال ابعاد أخرى، بل ثمة حاجة الى التدخل المتكامل، وهو ما يؤكد الملاحظة السابقة.

3 ـ تقليص التفاوت على مستوى المدينة، هدف رئيسي: ثمة تفاوت كبير بين احياء المدينة، وتراوح نسبة الاسر المحرومة بين حد اقصى هو 87 في المئة في حي باب التبانةـ السويقة، وبين 19 في المئة في حي بساتين طرابلس. اي ان نسبة الحرمان في الحي الاكثر حرمانا مقسومة على نسبة الحرمان في الحي الاقل حرماناً، تبلغ 4،6 اضعاف وهذا قياس بسيط للتفاوت، يمكن اعتماده لرصد مستوى النجاح في تقليص الفجوة بين الأحياء والسكان.

4 ـ ضرورة تنفيذ مشاريع كبرى للتنمية الاقتصادية: ان النهوض بالدورة الاقتصادية المحلية من خلال عدد من المشاريع الكبيرة المدروسة في اطار خطة اقتصادية – تنموية وطنية امر ضروري جداً، اذ يحكم حجم المشكلة في طرابلس، لا يمكن التصدي لها من خلال المشاريع الصغيرة وحدها، بل من خلال ربطها وربط التدخلات القطاعية والفئوية، وتمفصلها على مكون التنمية الاقتصادية الذي يلعب دوراً حاسماً في مكافحة ظاهرة الفقر ـ كما بينته الدراستان.

5 ـ الحاجة الى قيادة مركزية ـ محلية قوية: المتدخل الاكثر اهمية لا بد ان يكون الحكومة المركزية نفسها، بشراكة مباشرة ووثيقة مع السلطات المحلية، حيث تكون هناك قيادة فعالة واحدة مركزية ـ محلية، تتولى قيادة وتنسيق مجمل التدخلات الأخرى التي لا بد ان يتدخل فيها ايضاً، وبقوة القطاع الخاص، ثم منظمات المجتمع المدني والمواطنون عموماً. ان مسار التدهور في مدينة طرابلس بدأ من تهميشها سياسياً وقيادياً على امتداد العقود الماضية. العلاج يجب ان يبدأ من هنا ايضاً.

6 ـ التنافس السياسي المحلي ضار، ويشجع على الفوضى: الهيئات والقيادات المحلية لم تنجح خلال السنوات الماضية في تشكيل اطار واحد للتنسيق في ما بينها مع ما يحمله ذلك من آثار سلبية. كما لم تنجح في ان تشكل اطاراً موحداً للتفاوض مع المانحين والجهات الخارجية، تخفف من الفوضى والازدواجية.

7 ـ تغيير صورة طرابلس: الطريق الى تغيير هذه الصورة يبدأ من الاعتراف بمكامن الخلل الحقيقية في صورة المدينة كما تظهر في عيون سكانها انفسهم، وفي الحراك الثقافي والاجتماعي والاقتصادي المفقود أو الضعيف فعلياً، وفي الانفتاح المحدود والمقيد بالكثير من المحرمات ذات المنشأ السياسي، والتي تؤدي الى تآكل المدينة من الداخل، وتبرز صورتها السلبية في عيون الآخرين.

8 – طاقات كامنة وغير مستخدمة: تختزن طرابلس من الامكانات والطاقات البشرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، والمؤسسية، ما يجعلها قادرة على اطلاق دينامية تنموية تعطي نتائج فعلية في وقت قصير نسبياً. والطريق الى ذلك يكون باعتماد سياسات اجتماعية، وسياسات للتنمية الاقتصادية المناطقية، مناسبة على الصعيد الوطني. كما يمر ايضا بتبلور قيادة تنموية قوية في طرابلس نفسها تؤمن بالمشاركة، وتكون عقلها، وعينها، وصوتها، وذراعها التنموية.

نسب الحرمان العام وبحسب الميادين

الأسر المحرومة بحسب المنهجية المعتمدة، هي تلك التي تجتمع لديها 6 مؤشرات حرمان وأكثر، من اصل المؤشرات الـ 12 التي يتكون منها دليل الحرمان الحضري. هذه الفئة التي سوف نسميها الأسر المحرومة (أو الفقيرة) أو المحرومين (الفقراء) هي موضوع الدراسة لجهة التوزيع والخصائص. في سياق التحليل، تخصص الدراسة احيانا الاسر التي تجتمع لديها 8 مؤشرات حرمان وأكثر من اصل المؤشرات الـ 12 التي يتكون منها الدليل، والتي تسمى اختصارا الاسر المحرومة جداً (او الفقيرة جداً)، او الأسر المحرومة حرماناً شديداً (فقراً شديداً).

وقد بينت النتائج، أن 57 في المئة من الاسر المقيمة في مدينة طرابلس لبنان هي اسر محرومة، من ضمنها 26 في المئة محرومة حرماناً شديداً. كما بينت النتائج، أن نسب الحرمان في الميدان الاقتصادي هي الأعلى بشكل واضح (77 في المئة من الاسر)، في حين هي تبلغ 35 في المئة في السكن، و35 في المئة في الصحة، و25 في المئة في التعليم.

..و بحسب الأحياء

بينت نتائج تطبيق الدليل على مدينة طرابلس وجود مثل هذه التفاوتات، رغم ان المدينة عموماً فقيرة أو محرومة. أن اربعة احياء من اصل سبعة، تزيد فيها نسبة الاسر المحرومة عن متوسط المدينة البالغ 57 في المئة. اما الاحياء التي تقل فيها نسبة الحرمان عن هذا المتوسط، فهي ثلاثة احياء: بساتين طرابلس (19 في المئة) وبساتين الميناء (26 في المئة) يليها متطقة التل ـ الزاهرية (36 في المئة). أما المناطق الأشد حرماناً فهي التبانة ـ السويقة حيث تبلغ نسبة الاسر المحرومة 87 في المئة، ثم المدينة القديمة ثم القبة، جبل محسن، والميناء التي تقترب نسبة الحرمان فيها من متوسط المدينة.

تركز الحرمان والرفاه

يبين توزيع فئات الاسر ان تركز الرفاه والثروة هو اعلى تركز الحرمان بشكل واضح. ففي حين يتوزع الحرمان على غالبية الاحياء، فان 85 في المئة من الاسر الافضل حالا حسب التقسيم الخماسي تسكن في بساتين طرابلس وبساتين الميناء، في حين تبلغ هذه النسبة 74 في المئة حسب التصنيف الثلاثي، اي كلما جعلنا معيار الرفاه اعلى، كلما زاد التركز في الحيين المعنيين.

توصيات

في المجال الاقتصادي، اشارت الدراسة الى ان رفع مستوى معيشة الاسر يرتبط من خلال تحسين وضعها الاقتصادي ودخلها والاصول التي تملكها بشكل محسوس بالدرجة الاولى بالسياسات الوطنية في هذا المجال، وبدور القطاع الخاص في الاستثمار وخلق فرص العمل اللائق.

اما المطلوب فهو اولا بلورة استراتيجية وطنية للتنمية المناطقية المتكاملة يحتل فيها المكون الاقتصادي دورا محوريا، ويكون من اهدافها تنشيط الدورة الاقتصادية المحلية وربطها بالدورة الاقتصادية الوطنية.

اما لجهة الانفاق الحكومي، فالتخصيص الصحيح للموازنة العامة والموازنات القطاعية امر ضروري. الا ان ذلك غير كاف، اذ لا بد ان يقترن بتوزيع جغرافي وقطاعي متوازن وديناميكي لموارد القطاع الخاص.

اما المجلس البلدي، فعليه دور ايضا يقوم به مباشرة يمكن ان يتضمن تشكيل هيئة تنمية اقتصادية على مستوى المدينة. وبالنسبة للتشغيل، يمكن للمجلس البلدي ان يعمل على وضع خطة محلية من اجل مكافحة عمل الاطفال والمراهقين، ووضع خطة بلدية من اجل تنظيم اعمال الصيانة وتطوير المرافق العامة، والالتزام بتنفيذ القانون لجهة توظيف نسبة 3 في المئة من الاشخاص ذوي الاعاقة.

وفي المجال السكني، تحدثت الدراسة عن الحرص على تنفيذ معايير السلامة في اماكن السكن والعمل وفي الاماكن العامة، وقيام المجلس البلدي بتحديد دقيق للاحياء والجيوب العشوائية الاكثر تدهورا.

وفي مجال التعليم، ردم التفاوت بين الاحياء واعطاء الاهمية الكافية لرصد ظاهرة التسرب المدرسي للمراهقين ورفع نسبة الحاصلين على الشهادة الثانوية.

وفي مجال الصحة، توفير خدمات صحية نوعية للفئات الفقيرة غير المشمولة بالتأمين وانشاء نظام تعاضد وتوسيع نطاق التأمين.