ألبرتو بيهار وغريغورى هادجيان
مع اقتراب أسعار الفائدة من الصفر في الاقتصادات المتقدمة خلال السنوات التى أعقبت الأزمة المالية العالمية، بدأت رؤؤس الأموال تتدفق على الأسواق الصاعدة، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي [1]، بحثاً عن عائد أكبر. وكانت إضافة قطر والإمارات العربية المتحدة إلى مؤشر MSCI للأسواق الصاعدة في مايو 2014 إيذاناً بصعود الخليج إلى مصاف الأسواق الصاعدة كما أعطت دفعة للتدفقات الرأسمالية لهذه البلدان.
وقد اختتم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المرحلة الثالثة من برنامج تنشيط الاقتصاد عن طريق التوسع النقدى، وبدأت الأسواق الصاعدة تستعد لارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية في المستقبل القريب. ومع تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة، قد يتباطأ تدفق رؤوس الأموال الموجهة لأصول الأسواق الصاعدة أو يتخذ اتجاهاً عكسياً، مما يؤثر على توافر التمويل في هذه البلدان أو على تكلفة الحصول عليه.
قصتان عن أنباء العودة إلى مسار السياسة المعتاد
للتعرف على الاستجابة الممكنة من جانب دول مجلس التعاون الخليجي إزاء عودة السياسة النقدية إلى مسارها الطبيعي في الولايات المتحدة، نظرنا في فترتين سادهما التقلب في الآونة الأخيرة منذ أعلن الاحتياطي الفيدرالي خطط التراجع عن شراء الأصول. وعلى وجه التحديد، قمنا بتحليل التدفقات الموجهة إلى صناديق الاستثمار في الأسهم والسندات ذات الصلة بدول مجلس التعاون الخليجي أثناء فترتي التقلب الملحوظ في الأسواق الصاعدة في عام 2013 وأوائل 2014. ولا تقيس هذه البيانات إلا نسبة محدودة من التدفقات الرأسمالية الدولية لكنها يمكن أن تكون مؤشرا مفيداً للاتجاهات السائدة.
جاءت موجة البيع أثناء الفترة الأولى، من مايو إلى سبتمبر 2013، عقب التصريحات غير المتوقعة من الاحتياطي الفيدرالي بشأن إمكانية عودة السياسة النقدية إلى مسارها الطبيعي. وفي هذه الفترة، كانت التدفقات الخارجة من صناديق الأسهم والسندات في دول مجلس التعاون الخليجي تضاهي التدفقات الأسبوعية المناظرة من الأسواق الصاعدة الأخرى بوجه عام، مما يعكس تراجعاً واسع النطاق في مزاج المستثمرين تجاه فئة أصول الأسواق الصاعدة (الرسم البياني 1). وقد وصلت التدفقات التراكمية الخارجة إلى نحو 3.6% من الأصول المدارة لمجلس التعاون الخليجي، و 4% من الأصول المدارة للأسواق الصاعدة الأخرى.
خفت الضغوط في سبتمبر 2013 حين فاجأ الاحتياطي الفيدرالي الأسواق بتأخير العودة إلى السياسة المعتادة، لكن التقلب عاد إلى الارتفاع الحاد في أوائل 2014 على خلفية القلق من مواطن الضعف في بعض بلدان الأسواق الصاعدة، الأمر الذي يمكن أن يتفاقم بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وكان التأثير على دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير مقارنة بالأسواق الصاعدة الأخرى في تلك الفترة، حيث تشير البيانات إلى أن حجم تدفقات الحافظة التي خرجت منها لا تتجاوز نصف التدفقات التي خرجت من الأسواق الصاعدة الأخرى، أو 0.6% من الأصول المدارة لدول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بنسبة 1.2% للأسواق الصاعدة الأخرى.
GCC Capital Flows Chart 1
التدفقات وأساسيات الاقتصاد
بالرغم من عدم وجود علاقة واضحة بين أساسيات الاقتصاد والتدفقات الخارجة في الفترة الأولى، فقد غلب على المستثمرين التمييز بين بلدان الأسواق الصاعدة في الفترة الثانية.
وبإجراء تحليل مماثل لما ورد في تقرير الاستقرار المالي العالمي لشهر إبريل 2014، نخلص إلى أن البلدان التي تتمتع بمراكز أقوى من حيث أوضاع المالية العامة والحسابات الخارجية تعرضت لخروج تدفقات أقل في الفترة الثانية. وفي هذا الصدد، تتميز دول مجلس التعاون الخليجي عن الأسواق الصاعدة الأخرى، حيث تتزامن في تحقيق قدر أكبر من الفوائض الخارجية وخروج قدر أقل من تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية (الرسم البياني 2). وداخل مجموعة مجلس التعاون الخليجي، كان خروج التدفقات أقل في الغالب بالنسبة للبلدان ذات الفوائض الأعلى. وكما أشار عدد أكتوبر 2014 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، يبدو أن وجود هوامش وقائية كبيرة في حساباتها الخارجية كان عاملا مهما في تفسير خروج تدفقات رأسمالية محدودة من دول مجلس التعاون الخليجي في فترة التقلب الثانية.
GCC Capital Flows Chart 2
وفي الآونة الأخيرة، أثناء فترة الهبوط السريع لأسعار النفط من سبتمبر وحتى نهاية نوفمبر، كانت التدفقات إلى دول مجلس التعاون الخليجي ثابتة نسبياً، على غرار الأسواق الصاعدة الأخرى. وبالنظر إلى الفترة ككل منذ بداية الحديث عن عودة السياسة الطبيعية في مايو 2013 وحتى الآن، يبلغ مجموع التدفقات الرأسمالية التي خرجت من دول مجلس التعاون الخليجي على أساس تراكمي أقل بقليل من نصف الحجم المسجل في الأسواق الصاعدة الأخرى (الرسم البياني 1).
وإجمالاً، ورغم آفاق الاقتصاد العالمي غير المؤكدة واحتمالات ارتفاع أسعار الفائدة، فقد احتفظت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الداخلة إلى دول مجلس التعاون الخليجي بدرجة من المرونة، وكانت ديناميكيتها متسقة إلى حد كبير مع التطورات في الأسواق الصاعدة الأخرى. ورغم أنه من السابق لأوانه أن نحدد الاستجابة الممكنة لتدفقات رؤوس الأموال الداخلة إلى دول مجلس التعاون الخليجي تجاه انخفاض أسعار النفط في الآونة الأخيرة، وخاصة إذا استمر الانخفاض، فإن التحليل الذي أجريناه يقدم بعض الطمأنينة إلى أن الفوائض الخارجية الكبيرة التي كونتها دول المجلس في فترات ارتفاع أسعار النفط تبدو عاملاً مهماً ساعد على الصمود أمام التحولات في مزاج المستثمرين.